الموبايل في المدارس الحاجة وسوء الاستخدام
هو عبارة عن مقطع مدته بضع دقائق وصل إلى الجهاز الخلوي لابني (ف) البالغ من العمر «اثني عشر عاماً»، المقطع يتضمن تسجيل فيديو لطفل وطفلة بنفس العمر تقريباً (11) سنة.. ملامحهما ولغتهما تدلان على أنهما من إحدى الدول الأجنبية.
تتابع المرأة: قال لي ابني الصغير.. أنا أعلم ماذا يفعلان.. وهو يريني تسجيل الفيديو على جهازه الخلوي.
وتضيف: قلت له وأنا في حالة ارتباك: هذا عيب.. وحرام.. فعاجلني بالقول: (بعرف راح أمحي الصور).. وقام بمحو الصور خلال ثوان من على جهازه.
سألتها: ماذا حدث بعد ذلك؟ قالت: لا أعلم.. لقد أصبت بالصدمة.. شردت بضع دقائق.. ثم ألقيت على ابني محاضرة في الأخلاق والأدب والعيب والحلال والحرام.
وهل تركت الموبايل مع ابنك؟ قالت: نعم.. لقد وعدني بألا يستقبل على جهازه مثل هذه الصور، ثم إن الكثيرين من أقرانه يستخدمون الموبايل!!
- لنفترض جميعنا أن الصور الموجودة في موبايل (إحدى جاراتنا في الحي) كانت على موبايلات أطفالنا، فماذا كان سيتصرف كل منا؟
بعضنا سيأخذ الموبايل من طفله وسيمنعه من حمله مستقبلاً (حتى يبلغ سن الرشد) وبعضنا الآخر سيتصرف كما تصرفت (جارتنا) ويترك الموبايل مع ولده بعد النصيحة بعدم استقبال مثل هذه الصور، والوعد من قبل الولد بقبول النصيحة.. وبعضنا الآخر قد يفكر بتبديل الموبايل بآخر لا يحمل الكاميرا والبلوتوث، إذا كانت لديه مبررات تجعله يرى أن الموبايل مع ولده ضرورة، ربما للاطمئنان عليه وهو في المدرسة أو خارج المنزل، أو لاعتبارات أخرى تتعلق بالموضة وعدم حرمان الابن من ميزات موجودة لدى أقرانه، أو ربما بهدف التباهي على من لا يملك هذه الميزة من الأقران، وربما لعدم إدراك حجم المشكلة والضرر.
- في جولة على عدد من المدارس في دمشق وريف حماة (المرحلة الثانية من التعليم الأساسي والثانوي) ومن خلال اللقاء مع عدد من المدرسين والمدرسات تسمع العجب الذي يجعلك تقول بصدق إن على الجهات المعنية (الأهل والتربية) أولاً عليهم الاستنفار لمعالجة موضوع انتشار الأجهزة الخلوية لمن هم دون سن الثامنة عشرة.
طالبة في إحدى ثانويات دمشق المختلطة (صف عاشر) تقول: بعض الطالبات يجتمعن في الفرصة وبعد انتهاء الدوام المدرسي يشاهدن مقاطع لا أخلاقية، وقد شاهدت ذلك في إحدى المرات، لأن الطالبات يدعون بعضهن البعض لمشاهدة ذلك، وقد أخبرت أهلي بذلك.
وتتابع الطالبة: المقاطع تصل لبعض زميلاتي من الطلاب الذكور في المدرسة، فحين يكون البلوتوث مفتوحاً في الفرصة أو مع خروجنا من المدرسة يبدأ الطلاب الذكور بإرسال تلك المقاطع.
والدتها قالت: إن الفضول لاكتساف الممنوع عبر تلك الرسائل يجعل لدى المراهقين رغبة قوية في استقبال الرسائل والتعرف على محتواها، كل ذلك بسبب الكبت وعدم وجود ثقافة جنسية لديهم.
- وفي إحدى مدارس ريف حماة أخبرني موجه الحلقة الثانية من التعليم الأساسي أنه تم حجز جهازين خلويين لطالبين في الصف الثامن.
وأضاف: لم يكن في الجهازين مقاطع فيديو إباحية، بل كانت فيهما صور لنساء عاريات يقدمن لقطات استعراضية.
ويتابع الموجه: لقد حجزنا الجهازين واستدعينا ذوي الطالبين إلى المدرسة، ووعدوا بسحب الجهازين من ابنيهما، وبالفعل لم نر الجهازين مع الطالبين بعد ذلك.
وتابع يقول: لكن الطالب يستطيع أن يقفل جهازه داخل الحصص الدرسية، والمدرسة لا يمكنها القيام بالتفتيش على الأجهزة يومياً، ولذلك لا نستطيع كشف أي حالة إلا إذا نسي الطالب إقفال الجهاز وصادف أن اتصل به أحد داخل الصف، أو إذا جاءتنا شكوى من أحد الطلاب على زميل له يقوم بعرض صور أو مقاطع لا أخلاقية، وذلك قليلاً ما يحدث.
وختم الموجه كلامه بالقول: عموماً انتشار الأجهزة في هذه المرحلة في الريف قليل جداً.
ونبقى في ريف حماة للاطلاع من أحد مديري المدارس على حالات مشابهة يساء فيها استخدام الموبايل من قبل بعض الطلاب:
مدرستنا مختلطة (بنين وبنات) وهناك عدد لا بأس به منهم يحمل الأجهزة الخلوية، ونحن لا نستطيع منعها دون قرار من وزارة التربية نستند عليه، مع علمنا الأكيد بإساءة استخدام البعض في مدرستنا لأجهزتهم، وقد حصلت أكثر من حالة يتم فيها تبادل الرسائل المصورة عبر البلوتوث بين الطلاب والتي تحتوي مقاطع فيديو إباحية وصوراً استعراضية لعاريات، وقد تمت معالجة مثل هذه الحالات باستدعاء الأهل الذين طلبوا لفلفة الموضوع ومنعوا أولادهم من استخدامها.
وأضاف: هذه الحالات التي تم ضبطها بالصدفة، وهناك بالتأكيد حالات مشابهة لم يتم ضبطها، ونحن لا نستطيع متابعة الطلاب خارج المدرسة، ولا يمكننا فتح أجهزتهم للاطلاع على ما في داخلها إذا كانت مغلقة فالطلاب الذين يحملون هذه الأجهزة يقفلونها برمز سري ويضعونها في غرفة الموجه.
ويرى مدير الثانوية أن أحد أسباب اغلاق الجهاز برمز هو احتواؤها على أسرار، ربما يكون منها مقاطع أو صور إباحية.
- ونعود إلى إحدى مدارس التعليم الأساسي للذكور (حلقة ثانية) في دمشق، حيث قال أحد المدرسين:
لاحظت وجود طالب وقد تجمهر حوله عدد من زملائه، وكانت علامات الفضول مرتسمة على وجوههم والكل ينظر بدهشة إلى الجهاز في يد زميلهم أثناء الاستراحة، مشيت باتجاه الطلاب بعد أن ظننت أن هناك أمراً غريباً يشاهدونه في الجهاز، لكن بعضهم انتبه إلي قادماً باتجاههم وأخبر زملاءه، فقام الطالب صاحب الجهاز بإغلاق جهازه مباشرة وقد أصيب الجميع بالارتباك الشديد.
يضيف المدرس: طلبت الجهاز من الطالب لكنه بدأ يبكي ويقول: في الجهاز صور لأهلي لا أرغب في اطلاع أحد عليها، فتركته، وأخبرت الإدارة وحاول المرشد النفسي إقناع الطالب بفتح جهازه، لكنه كان يبكي ويرجو تركه، فتركه المرشد النفسي، واتصلت الإدارة بذوي الطالب وأعلمتهم بالقصة فأخذوا الجهاز من ولدهم ووعدوا بعدم تكرار ذلك وبمنع الطالب من حمل الجهاز في المدرسة.
وتابع المدرس: هذه صلاحيات المدرسة، وقال المرشد النفسي: حتى لو كانت القوانين تسمح لنا بفتح جهاز الطالب، فإن عدم فتحه من قبلنا أقل أذى على نفسية ومستقبل الطالب، لأن الطالب في هذه الحالة سيبقى أمامه خيار التفكير بأن المدرسين قد يكونون اقتنعوا بأن الصور داخل الجهاز لأهله، وأن الجهاز لايحوي مقاطع لا أخلاقية.
ويتابع: لو فتحنا الجهاز بالقوة، لربما كنا قمنا بتدمير نفسية الطالب ومن ثم مستقبله، فهو يعتبرنا قدوة، فكيف سيواجهنا فيما بعد، وكيف يمكننا إذا بقي في مدرستنا الثناء عليه في حال تفوقه.
ويرى المرشد النفسي: إن مثل هذه الحالة يمكن أن تجعل الطالب يشعر بالدونية وعدم القبول من الغير، فهي بالنتيجة طعن في الجانب الأخلاقي للشخص، أي في أخلاقه، ومنبته وبيئته.
وأوصى أخيراً بمعالجة مثل هذه الحالات مع الطلاب بكثير من الوعي وعدم المواجهة، داعياً في الوقت نفسه إلى معالجتها مع الأهل، بعد الاتفاق معهم على آلية المعالجة.
- حول القوانين والأنظمة المتعلقة باستخدام الجهاز النقال في المدارس، أوضح مدير المناهج والتوجيه في وزارة التربية عبد الحكيم الحماد: أن الهاتف النقال تقنية اتصال حضارية، وليس تقنية للغش، ولهذا تنص التعليمات الامتحانية والبلاغات الوزارية على منع اصطحاب الطالب أي نوع من أنواع أجهزة الهاتف النقال أو اللاسلكي أو سماعات الأذن لأي سبب من الأسباب، كما تنص التعليمات الوزارية على منع رؤساء القاعات والمراقبين وأمناء السر في المراكز الامتحانية، ما عدا رئيس المركز من اصطحاب أجهزة الهاتف النقال، وفي حال تم ضبط أي جهاز داخل حرم المركز الامتحاني يصادر ويوثق بمحضر ولا يعاد إلى صاحبه.
وتابع الحماد: وكإجراء وقائي يقوم رئيس المركز الامتحاني بإجراء التفتيش الوقائي للطلبة في اليوم الأول للامتحان قبل دخول الطلبة إلى قاعات الامتحان من خلال لجنة يكلفها رئيس المركز، ويعاقب الطالب الذي يضبط معه جهاز خلوي داخل حرم المركز بعقوبة الحرمان دورتين امتحانيتين وعدم إعادة الجهاز للطالب.
أما عن التعامل مع الجهاز في المدرسة فقال الحماد: هناك كتاب وزاري يتضمن ضرورة توجيه الطلاب بعدم استخدام الخلوي أثناء الدوام المدرسي وضرورة التعاون مع أولياء الأمور لتوعية أولادهم بآداب استخدامه وحصر الاستخدام قبل الوصول إلى المدرسة وبعد الخروج منها، ويحق لإدارة المدرسة مصادرة الجهاز إذا أسيء استخدامه ولا يسلم إلا لولي الأمر بعد تعهده بعدم استعمال ولده له أثناء الدوام المدرسي.
في أوروبا وأميركا قامت الشركات المختصة بتصنيع أجهزة نقالة خاصة بالفئة العمرية الصغيرة تحتوي على إمكانات تتيح للأهل مراقبة سجل مكالمات أبنائهم والجهات التي يتصلون بها أثناء غيابهم عن المنزل، وذلك في محاولة جادة لمواجهة المشكلة، وخاصة بعد ظهور الخدمات المتنوعة الملحقة بالهاتف النقال، مثل تصفح الانترنت والراديو، وتبادل الصور ومقاطع الفيديو عبر البلوتوث، وكذلك المكالمات المصورة.
وبعد أن شكل هذا الأمر قلقاً لدى الأهالي قامت الشركات الصانعة بتزويد موبايلات الصغار ببرامج حماية من المحتويات اللاأخلاقية وأعطت الأهل إمكانية مراقبة تحركاتهم والاطمئنان عليهم أينما ذهبوا، في الطريق إلى المدرسة وعند العودة إلى البيت وأثناء الذهاب إلى المدرسة والأصدقاء.
الميزات السابقة خلقت حلاً وسطاً بين رغبة الأولاد باقتناء تلك الأجهزة وبين رغبة الأهل في ضبط استخدام أبنائهم لها.
وعن الأضرار النفسية والاجتماعية الناتجة من الاستخدام السيئ للهاتف النقال من قبل الأطفال والمراهقين، تحدث الدكتور أحمد برقاوي فقال: نحن دائماً نعالج الظاهرة بعد أن تتفشى، ولا ننتبه إلى الاحتمالات المترتبة على استخدام الأجهزة التقنية قبل وقوعها، وهذا ناتج عن ضعف في دور المؤسسات التربوية والاجتماعية والنفسية التي تعنى بشؤون العلاقة بين التقنية والحياة وبنتائجها الاجتماعية والأخلاقية.
وأضاف: ظاهرة الموبايل بدأت منذ سنوات طويلة، ولم يتساءل أحد من المتخصصين عن النتائج المترتبة عن استخدامه، ولم تعقد الندوات أو البرامج التلفزيونية للحديث عن احتمالات الخطر على الأطفال والمراهقين وتم الاكتفاء بالحديث عن خطره على الصحة الجسدية.
وتابع د. برقاوي: نحن الآن أمام ظاهرة خطيرة، هي استخدام الهاتف النقال لتبادل الرسائل الجنسية بين المراهقين والمراهقات، مبيناً أن الطلبة الذين يحوزون هذا الجهاز هم في الغالب من الطبقة متوسطة الدخل أو الثرية، ونحن لا نستطيع القضاء على الظاهرة انطلاقاً من منع استخدام الهاتف النقال، لذلك علينا العمل على منع الاستخدام السيئ له، وخاصة إذا علمنا أن هذه الفئة العمرية تعاني من الكبت الجنسي، وبالتالي الحلول ذات الطبيعة القمعية، ليست مجدية، ولابد من البحث عن حلول تربوية.
-ورأى د. برقاوي أن الحلول التربوية تقوم على صعيدين، صعيد الأسرة وصعيد المؤسسة التربوية والإعلامية.
أما على صعيد الأسرة - يتابع برقاوي - فيجب أن يكون هناك نوع من الانكشاف والوضوح بين رب الأسرة والأولاد حول هذه النقطة، والحديث مع الأولاد بصراحة عن الآثار النفسية والجسدية المؤذية من جراء سلوك كهذا.
ولفت إلى أن التجسس على الولد - أخلاقياً - غير مقبول، إضافة إلى أنه لا يجدي، لأن الولد أو البنت ليسا دائماً في البيت.
-وعن دور المدرسة والإعلام، رأى برقاوي أنه يتوجب على المدرسة إدخال مادة ضمن منهاجها حول التربية الجنسية، لأن وجود مقرر تربية جنسية يحول بين الطالب وبين عنصر الدهشة والمفاجأة والفضول، كما يحرره من الكبت لأن المعرفة تحرر من الكبت، وهذا الأمر إذا ما بدأ منذ سنوات ما قبل المراهقة بين (الرابع والسادس) واستمر حتى البلوغ والمراهقة فسيجعله أكثر تلاؤماً مع الحياة الجنسية بوصفها معرفة وليس بوصفها فجوراً.
أما عن دور الإعلام فدعا برقاوي الإعلام وخاصة التلفاز لعرض قصص ومسلسلات لمراهقين ومراهقات عانوا من نوبات نفسية وحالات من الكبت أودت بمصيرهم، كما دعا إلى تقديم برامج لهذه الفئة العمرية عن الثقافة الجنسية بطريقة علمية وأخلاقية وإنسانية، ورأى أن هذا الأمر ليس خطيراً، بل الخطير هو إغلاق هذا الجانب من الحياة واعتبار الحديث عنه أمراً خطيراً.
هلال عون
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد