الإدراك الإسرائيلي الجديد لحزب الله حسب تقرير معهد الأمن القومي
الجمل: نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي, التابع لجامعة تل أبيب تخمينه الاستراتيجي الدولي, والذي تطرق لعديد من الموضوعات والقضايا الشرق أوسطية, وكان اللافت للنظر في هذا التخمين الإسرائيلي, يتمثل في التحليل الذي أعدته الخبيرة الإسرائيلية بينيديتا بيرتي, والذي حمل عنوان "الميلاد الثاني لحزب الله: تحليل مانيفستو عام 2009": فما هو الإدراك الإسرائيلي الجديد لحزب الله اللبناني؟
توصيف التخمين الإستراتيجي الإسرائيلي:
يقع التخمين الإستراتيجي الإسرائيلي في حوالي 10 صفحات من القطع المتوسط, وقد ركز على المنهجية الآتية:
• رصد النقاط الأساسية الأساسية الواردة في بيان السيد حسن نصر الله, الذي صدر في مؤتمر بيروت الصحفي بتاريخ 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009م الماضي.
• اعتماد التحليل المقارن, بين منظور حزب الله الأخير في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009م, ومنظور حزب الله السابق في 26 شباط (فبراير) عام 1985م.
• تأسيس التحليل المقارن, على أساس ثلاثة متغيرات, أساسية, هي: متغير موقف الحزب إزاء الصراع العربي-الإسرائيلي.
تقول الخبيرة بينديتا بيرتي, بأن زعيم حزب الله قد أدهش الكثيرين عندما ألقى خطابه المباشر في مؤتمر بيروت الصحفي الذي انعقد في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009م, وطرح منظور المانيفستو الجديد, الذي يمثل حصيلة مؤتمر الحزب السابع عشر, وذلك لجهة أن هذا المانيفستو الجديد, كان بمثابة الوثيقة الأساسية الثانية التي أصدرها, الحزب, وبكلمات أخرى, تمثل هذه الوثيقة بمثابة ثاني أهم وثيقة سياسية يصدرها الحزب على مدى 24 عاما, بعد وثيقته الأساسية الأولى الممثلة في خطاب 26 شباط (فبراير) عام 1985م, والذي ظل الحزب يعتمد محتواه كمانيفستو أساسي لعمله وأنشطته.
السياسة الخارجية (1985-2009) منظور حزب الله إزاء العالم الخارجي:
يشير التخمين الاستراتيجي الإسرائيلي, إلى تطور منظور حزب الله اللبناني إزاء الأوضاع الخارجية, ضمن مرحلتين, هما:
المرحلة الأولى: بدأت في خطاب 26 شباط (فبراير) 1985م, وقد تأثرت وجهة نظر حزب الله فيها, بمعطيات الحرب الأهلية اللبنانية, والغزو الإسرائيلي ضد لبنان, وقد أدى تأثر إدراك حزب الله بهذه المعطيات, إلى دفع الحزب باتجاه موقف يقسم العالم إلى طرفين, الأول يتمثل في قوى الشر الممثلة في إسرائيل وأميركا والغرب وحلفاءهم الخارجيين والداخليين (اللبنانيين), والثاني يتمثل في حزب الله حصرا, وإضافة لذلك, فقد أكد منظور حزب الله على ضرورة: رفض أي وجود أجنبي في لبنان والعالم العربي والإسلامي, ورفض التدخل الأجنبي في لبنان والعالم العربي والإسلامي, إضافة إلى تأكيد الحزب على ضرورة التصدي لمقاومة الوجود والفساد الأجنبي في كافة أنحاء العالم العربي والإسلامي, والاستمرار في المقاومة والقتال حتى يتحقق دمار إسرائيل النهائي.
المرحلة الثانية: بدأت في خطاب 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009م الماضي, وتضمنت, ما يمكن الإشارة إليه ضمن نقطتين, الأولى هي انتهاج وتطوير نفس المفاهيم السابقة, تحديدا الخطوط العامة التي أوردتها وثيقة خطاب 1985م السابقة, أما الثانية, فتتمثل في أن وثيقة مانيفستو عام 2009م قد أظهرت المزيد من الخطوط والملامح الإضافية الجديدة.
تشرح الخبيرة بينديتا بيرتي, الفرق في معرض التحليل المقارن بين الوثيقتين, من خلال الإشارة إلى النقاط الآتية:
• أشارت وثيقة عام 1985م إلى أميركا والغرب باعتبارهم يمثلون الشر والقوى المعادية للإسلام والعالم العربي الإسلامي, أما وثيقة عام 2009م, فقد أشارت أولا إلى أميركا باعتبارها الدولة التي تتبنى خطة تهدف إلى إنفاذ سيطرتها وهيمنتها على العالم, وأشارت الوثيقة إلى الأوروبيين باعتبارهم أصبحوا أكثر خضوعا لسيطرة وهيمنة أميركا, وإضافة لذلك, شددت الوثيقة الجديدة, على مدى التأثيرات السالبة التي أصبح يتعرض العالم العربي والإسلامي, بسبب تداعيات عملية العولمة.
• تجاوزت وثيقة عام 2009م الجديدة, استخدام مفردات الخطاب السياسي الديني-الشيعي, واستخدمت المزيد من مفردات الخطاب السياسي الذي يجمع بين خطاب الجماعات المناهضة للعولمة, وخطاب الجماعات اليسارية.
• اعترفت وثيقة عام 2009م الجديدة, بوجود حلفاء إقليميين لحزب الله اللبناني, وعلى وجه الخصوص سوريا وحركات المقاومة الفلسطينية, وهو ما لم تفعله وثيقة عام 1985م القديمة, وإضافة لذلك, فما هو لافت للنظر هذه المرة, أن وثيقة حزب الله الجديدة, تفادت القيام بشكل مباشر بتصنيف إيران ضمن حلفاء حزب الله الإقليميين أو الدوليين, واكتفت بالإشارة إلى إيران كحليف بشكل ضمني, ويبدو أن السبب وراء ذلك يتمثل في رغبة حزب الله بالظهور كحركة وطنية لبنانية مستقلة عن التحالفات الخارجية.
• لم تتغير مواقف حزب الله ونظرته الادراكية نحو إسرائيل, فالحزب ظل ثابت الموقف, ويعتمد بشكل ثابت النظر إلى إسرائيل باعتبارها:
- الكيان المعادي للعالم العربي والإسلامي.
- الكيان الساعي لاحتلال لبنان ونهب موارده وقدراته.
وتأسيسا على ذلك, شددت وثيقة حزب الله على ضرورة استمرارية القيام بالآتي:
• استلهام المبادئ والقيم التي تفيد لجهة التعبئة والمقاومة ضد إسرائيل.
• رفض أي مساومات أو اتفاقيات سابقة أو حالية أو مستقبلية مع إسرائيل.
هذا, وقد سعت وثيقة عام 2009م إلى مناشدة الرأي العام الداخلي والخارجي لجهة الوقوف إلى جانب مساندة موقف حزب الله, وذلك على النحو الذي يشير إلى نوايا الحزب باتجاه اعتماد موقف عالمي أكبر وأوسع نطاقا.
السياسة الداخلية (1985-2009): منظور حزب الله إزاء الوضع الداخلي
رصد التخمين الإستراتيجي الإسرائيلي, تطور منظور حزب الله اللبناني إزاء السياسة الداخلية اللبنانية, ضمن مرحلة وثيقة عام 1985م, ومرحلة وثيقة عام 2009م, وما هو لافت للنظر أن التخمين الإستراتيجي, قد سعى لجهة التأكيد على أن منظور حزب الله إزاء معطيات السياسة الداخلية اللبنانية, قد شهد تطورا كبيرا, بحسب ما يعكسه التحليل المقارن في توضيح الفرق بين وثيقة عام 1985م, ووثيقة عام 2009م, هذا, وأشار التحليل المقارن إلى توضيح هذه الفروق والتطورات من خلال النقاط الآتية:
• بحسب ما ورد في وثيقة عام 1985م, فقد كانت توجهات حزب الله اللبناني إزاء مستقبل لبنان, تقوم أولا على أساس تأكيد الرغبة الثانية من أجل إقامة الدولة الإسلامية في لبنان, مع رفض مشاركة حزب الله في النظام السياسي اللبناني الذي كان قائما والذي كان حزب الله ينظر إليه باعتباره نظاما فاسدا, وثانيا على أساس اعتبارات أن تتم عملية إقامة الدولة الإسلامية بحيث تكون حصرا على غرار نموذج الدولة الإسلامية القائمة في إيران, وذلك بما يتيح أن يجعل من الدولتين الإسلاميتين الإيرانية واللبنانية أن تشكلا الخطوة الأولى التي تمهد لإقامة نظام إقليمي إسلامي معاصر يتجه لضم واستيعاب بقية الدول الإسلامية الأخرى.
• بحسب ما ورد في وثيقة عام 2009م, فقد تجاهل الحزب موقفه السابق إزاء إسلامية الدولة في لبنان, بدلا من ذلك, سعت الوثيقة الجديدة باتجاه التأكيد على أن النظام السياسي اللبناني الموجود القائم يشكل بيئة مناسبة وصالحة لعمل حزب الله اللبناني.
• تأكيد حزب الله من خلال الوثيقة الجديدة على ضرورة عدم القيام بعمليات الأسلحة العسكرية, والتركيز على مبدأ القبول الطوعي بالخيارات المتاحة.
• تأكيد حزب الله اللبناني على ضرورة تطبيق اللامركزية في الحكم كأساس للإصلاح السياسي, مع تشديد الحزب على رفض تطبيق النظام الفيدرالي, ورفض استمرارية تطبيق نظام المحاصصة الطائفية.
• تشديد حزب الله على ضرورة استمرار مبدأ الإجماع الديموقراطي, واعتماد صيغة حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية, كخيارات لابد منها لضمان تحقيق التوازن إلى حين اكتمال عملية الإصلاح السياسي.
• تشديد حزب الله اللبناني, على التمسك بهياكله العسكرية المؤسسية والوظيفية, بما يتيح لحزب الله استمرار وجوده العسكري-الحربي في لبنان, وإضافة إلى استمرار الحزب في رفض أي نقاش حول أسلحة حزب الله, فما هو جديد يتمثل في أن الحزب قد غير نظرته باتجاه قوات الجيش اللبناني ولم يعد ينظر إليها باعتبارها تمثل العدو, إضافة إلى أن الحزب قد سعى باتجاه القضاء الاستباقي على أي جهود محتملة لجهة قيام مجلس الحوار الوطني اللبناني تتعلق بإعادة النظر في مستقبل أسلحة حزب الله.
توصل تحليل التخمين الاستراتيجي إلى نتيجتين, الأولى أكدت بأن منظور حزب الله اللبناني, نحو العالم الخارجي, قد ظل كما هو, ولكن ما كان جديدا تمثل في سعي الحزب إلى تبني واعتماد خطاب سياسي خارجي يستوعب كافة المتغيرات الدولية والعالمية, وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة برفض الهيمنة الأميركية, ورفض مشروع العولمة, إضافة إلى حشد ومحاولة تعبئة كافة حركات التحرر من أجل مقاومة الهيمنة الأميركية, ومشروع العولمة, والثانية أكدت بأن منظور حزب الله اللبناني نحو الوضع الداخلي اللبناني قد اختلف وتغير بشكل كبير وواضح, فلم يتفادى الحزب مبدأ المطالبة بإقامة دولة إسلامية في لبنان وحسب, وإنما سعى الحزب إلى تحقيق المزيد من الاندماج ضمن بيئة النظام السياسي اللبناني القائم حاليا, مع تشديد المطالبة على ضرورة إجراء عملية الإصلاح السياسي.
نلاحظ أن التحليل المقارن الذي قامت بإعداده الخبيرة بينيديتا بيرتي, وتم نشره ضمن التخمين الإستراتيجي الموسع الدولي الخاص بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب, هو تحليل يختلف بقدر كبير عن التحليلات التي ظلت تقدمها مراكز الدراسات التابعة لمنظمات اللوبي الإسرائيلي الأميركية, ويختلف أيضا عن التحليلات التي ظلت تقدمها مراكز الدراسات الإسرائيلية الأخرى, مثل مركز أورشليم للسياسة العامة, ومركز دراسات مؤتمر هرتسليا, وبكلمات أخرى, وإن كانت الادراكات الإسرائيلية تنظر إلى حزب الله باعتباره يمثل العدو المشترك, فإن اختلاف وجهات النظر يتمثل في أن تحليل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي, قد تصدى لمعالجة حزب الله, كتنظيم, ورصد تطوره الهيكلي والوظيفي من خلال التحليل المقارن لأدائه السياسي الداخلي والخارجي, فهل يا ترى سوف تشهد الفترة القادمة تحولا في طبيعة الإدراك الإسرائيلي إزاء حزب الله اللبناني, أم أن النزعة الليكودية سوف تظل هي الطاغية على هذا الإدراك!؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد