استقراء إشاعة انقسام حركة فتح والتحاقها بحزب الله
الجمل: أشارت بعض التقارير الأخيرة إلى معلومات تقول بأن حركة فتح الفلسطينية "جناح محمود عباس" قد تعرضت لعملية انقسام وخروج جماعي, وبرغم قيام الحركة على وجه السرعة بنفي هذه المعلومات, فإن مجرد صدور هذه المعلومات هو أمر يحمل أكثر من دلالة.
ماذا تقول المعلومات؟
نقلت بعض التقارير خبرا يقول بأن العقيد المقدح ومعه 2000 عنصر, قد قاموا بحركة خروج جماعي من صفوف قوات حركة فتح الفلسطينية "جناح محمود عباس" المتمركزة في لبنان, وعلى وجه الخصوص في مخيم عين الحلوة, وانضموا بكامل أسلحتهم وعتادهم إلى حزب الله اللبناني, وبعد صدور التقارير وبوقت قصير جدا, قامت حركة فتح بنفي الخبر, وبرغم ذلك فما هو جدير بالملاحظة يتمثل في الآتي:
• توجد الكثير من الخلافات الجارية بين زعماء حركة فتح "جناح محمود عباس" فهناك خلافات بين قيادات الداخل وقيادات الخارج, وهناك خلافات بين القادة العسكريين والقادة الأمنيين والقادة السياسيين.
• توجد الكثير من الخلافات بين زعماء حركة فتح, وبين قواعد هذه الحركة, وذلك بسبب شكوك القواعد في مدى مصداقية تصرفات قيادة الحركة.
• توجد الكثير من الخلافات بين زعماء حركة فتح وحكومات البلدان العربية الداعمة للقضية الفلسطينية.
التقرير الأخير الذي تطرق إلى عملية الخروج الجماعي, بغض النظر عن صحته أو عدم صحته, ليس هو التقرير الوحيد الذي تطرق لهذه الظاهرة, فهناك تقارير سابقة أشارت إلى وجود خلافات بين قيادة حركة فتح في رام الله وممثل حركة فتح في لبنان سلطان أبو العينين, وأشارت آخر هذه التقارير إلى أن سلطان أبو العينين قد أصبح على وشك تقديم استقالته ومغادرة صفوف الحركة.
أزمة حركة فتح: هيكلية أم وظيفية؟
تشير معطيات خبرة حركات المقاومة المسلحة, إلى أن التنظيمات والفصائل التي تضطلع بمهام المقاومة-وبحسب المعايير- لا بد أن تتميز بتوافر أربعة عوامل أساسية, تتيح لها على الأقل المضي قدما, وبثبات من أجل تحقيق أهداف وغايات المقاومة, وهذه العوامل هي:
• عامل النخبة القيادية: يجب أن تتميز النخبة القيادية, بالقدرة على تطبيق أسلوب القيادة الجماعية, وأسلوب تطبيق مذهبية واحدة وشاملة, وفي هذا الخصوص نلاحظ أن حركة فتح أصبحت أقل اهتماما بتطبيق مبدأ القيادة الجماعية, إضافة إلى أن مذهبية الحركة قد تعرضت إلى الكثير من الانحلال, والغموض, الأمر الذي انعكس بدوره على مدى مصداقية الحركة, وعلى وجه الخصوص عدم قدرة الحركة على المفاضلة بين خيار المقاومة وخيار المساومة, وذلك على النحو الذي ألغى الفواصل بين الاثنين, وأصبحت قيادة الحركة تطبق ما يمكن أن نطلق عليه خيار المقاومة بالمساومة, وخيار المساومة بالمقاومة.
• عامل الظروف المواتية: المقصود بالظروف المواتية هو متغير الأوضاع الجارية وتطوراتها المحتملة, ومتغير الاستجابة الشعبية, وفي هذا الخصوص نلاحظ أن قيادة حركة فتح قد أصبحت تتعامل مع الأوضاع الجارية وفي نفس الوقت تتجاهل التطورات المحتملة وذلك بحيث وافقت الحركة على التفاوض مع إسرائيل ولكن كم مرة انهارت المفاوضات, ثم تم استئناف المفاوضات مرة أخرى ولكن ضمن شروط إسرائيلية أكثر إجحافا وظلما, أما متغير الاستجابة الشعبية, فقد أصبحت قيادة حركة فتح لا تهتم كثيرا أو قليلا بمدى قبول أو عدم قبول الرأي العام الفلسطيني, الأمل الذي وصل إلى مرحلة عدم احترام قيادة الحركة لتفضيلات الفلسطينيين, والذين أسقطوا مرشحي الحركة في الانتخابات الفلسطينية, وبرغم ذلك فقد ظلت قيادة الحركة أكثر حرصا على الاستمرار في فرض نفوذها وسيطرتها على المؤسسات الفلسطينية, والتي قال الشعب الفلسطيني كلمته الواضحة في الانتخابات حول من يجب أن يتولى الإمساك بزمام هذه المؤشرات!.
• عامل وسائط العمل: تتمثل وسائط العمل في الأدوات التي تستخدمها حركات المقاومة من أجل تحقيق أهدافها, ومن أبرزها: الأدوات العسكرية-الأدوات السياسية-الأدوات الدبلوماسية-الأدوات الاقتصادية-الأدوات الإعلامية. وما شابه ذلك, وبرغم أن من المشروع لكل حركة أن تستخدم ما تشاء من هذه الأدوات, فإن ما هو مهم وحصري يتمثل في ضرورة أن تلجأ الحركة إلى استخدام الأداة التي تتيح لها الحصول على أكبر ما يمكن من المزايا وفي نفس الوقت تقلل الخسائر والأضرار المترتبة عليها إلى أقل ما يمكن وفي هذا الخصوص نلاحظ أن حركة فتح الفلسطينية قد تخلت عمليا عن خيار استخدام الأدوات العسكرية ضد الإسرائيليين, وأصبحت تستخدم الأدوات السياسية والدبلوماسية وبرغم أن الأدوات الدبلوماسية والسياسية قد جعلت الحركة تتعرض لأكبر ما يمكن من الخسائر والأضرار, وتحصل على أقل ما يمكن من المزايا فإن قيادة الحركة ما تزال أكثر إصرارا على رهان استخدام الأدوات السياسية والدبلوماسية.
• عامل قواعد الحرب: لم تعد الحرب عملية عشوائية أو مجرد عمليات عنف فوضوية, وإنما أصبحت الحرب علما قائما بحد ذاته, يأتي في مقدمة العلوم السلوكية المعترف بها في أوساط كل الخبراء والأكاديميين, وبرغم أن خبرة فصائل المقاومة الفلسطينية تعتبر من بين الأكثر ثراء في العالم, فإن قيادة حركة فتح بدأت ومنذ فترة طويلة تتصرف وكأنما هي تجهل أو لا تعرف قواعد الحرب, أو حتى اعتماد أبسط مبادئ إدارة لعبة الصراع مع الإسرائيليين, وفي كل مرحلة وكل جولة من جولات الصراع, تبدو حركة فتح وكأنها قليلة حيلة وبلا فهم في مسائل الاستراتيجية والتكتيك.
استمرت حركة فتح "جناح محمود عباس" في أدائها الضعيف على مسرح الصراع العربي-الإسرائيلي وعلى وجه الخصوص في الجانب المتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وكان طبيعيا أن يمل الجمهور, ويسعى إلى الخروج من المسرح, وتأسيسا على ذلك, علينا أن نتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من التطورات التنظيمية السلبية داخل وبين صفوف حركة فتح, وبكلمات أخرى من يدري, ربما تتحول أكذوبة الخروج الجماعي إلى حقيقة ثانية غدا, وعلى وجه الخصوص إذا لم تسعى قيادة الحركة إلى تصحيح مواقفها, بحيث لا تشمل العملية تصحيح المواقف السياسية, وإنما محاربة الفساد الذي أزكمت رائحته أنوف الجميع.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد