نتائج انتخابات قبرص الشمالية وورطة أنقرة الجديدة
الجمل: أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت بالأمس في جمهورية قبرص الشمالية (التركية), عن فوز المرشح درويش إروغلو والذي حصل على 50,4% من الأصوات الإجمالية في مواجهة منافسه الرئيس محمد طلعت الذي حصل على 42,9% من الأصوات. وما هو مثير للاهتمام يتمثل في أن برنامج المرشح الرئاسي الفائز درويش إروغلو يعارض بشدة إعادة توحيد الجزيرة القبرصية: فما هي دلالة صعود إروغلو على مستقبل قبرص وعلى الأوضاع السياسية التركية والشرق أوسطية؟
الأوضاع السياسية في قبرص الشمالية:
نشأت جمهورية قبرص الشمالية على خلفية نتائج الحرب التركية-اليونانية التي اندلعت في عام 1974م بسبب التنافس التركي-اليوناني على جزيرة قبرص, وأيضا بسبب تنافس النخب السياسية القبرصية التركية الموالية لأنقرة والنخب السياسية القبرصية السياسية اليونانية الموالية لأثينا, وما أدى إليه هذا التنافس من انقلاب قاده حلفاء أثينا في المؤسسة العسكرية القبرصية من أجل تحقيق هدف ضم الجزيرة إلى اليونان.
انقسمت جزيرة قبرص على غرار الأمر الواقع إلى دولتين بحيث تكونت جمهورية قبرص الشمالية في الثلث الشمالي من أراضي الجزيرة, وفي بقية الثلثين وتحديدا في وسط وجنوب الجزيرة تشكلت جمهورية قبرص اليونانية والتي احتفظت باسم جمهورية قبرص, وأما خط الحدود بين الدولتين فهو خط وقف إطلاق النار بين الثلث الشمالي الذي سيطرت عليه القوات التركية وبقية الثلثين الذين سيطرت عليهما القوات اليونانية.
شكل القبارصة الأتراك جمهورية قبرص الشمالية على أساس المعطيات الآتية:
• نظام رئاسي-برلماني, يتم فيه انتخاب الرئيس بالاقتراع المباشر ويتولى منصب رئيس الدولة, ورئيس الوزراء يتم انتخابه بواسطة البرلمان ويتولى منصب رئيس الحكومة.
• نظام تعددي-ديمقراطي وفيه يتم انتخاب البرلمان المكون من خمسين عضوا عن طريق الانتخابات العامة التي تشارك فيها الأحزاب السياسية, وتجدر الإشارة إلى أن التمثيل في البرلمان يتم عن طريق التمثيل النسبي ولكي يحصل أي حزب على تمثيل برلماني فيجب عليه الحصول على نسبة أصوات لا تقل عن 5% من إجمالي أصوات الناخبين.
استمرت جزيرة قبرص منقسمة على هذا النحو وزاد من مفاعيل الانقسام العداء بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونان, إضافة إلى الدور المزدوج الذي قامت به تركيا واليونان وما ترتب عليه من عمليات الشحن والتعبئة السلبية الفاعلة في جزيرة قبرص, بما أدى إلى تحويلها إلى ساحة لتصفية الصراعات التركية اليونانية.
أزمة جمهورية قبرص الشمالية:
من المعروف أن اليونان هي بلد عضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي, وتتمتع بدعم بلدان الاتحاد الأوروبي, أما تركيا فهي لا تتمتع بمثل هذه العضوية وعندما اندلعت الحرب اليونانية-التركية في قبرص سارعت البلدان الأوروبية إلى دعم اليونان, كذلك أميركا، وبرغم علاقاتها الوثيقة مع تركيا, فقد سارعت أيضا إلى الوقوف بجانب اليونان ولم تكتف بذلك وإنما قامت بفرض عقوبات على تركيا, هذا وكان من أبرز تداعيات هذه المواقف على مستقبل جمهورية قبرص الشمالية السياسي ما تمثل في الآتي:
• عدم الحصول على أي اعتراف سياسي دولي إلا بواسطة تركيا.
• قيام الاتحاد الأوروبي بفرض الحظر على أي معاملات أوروبية مع جمهورية قبرص الشمالية.
• الضغط على تركيا لكي تقوم بسحب قواتها من قبرص الشمالية.
• الضغط على تركيا لكي تقوم بالضغط على القبارصة الأتراك لكي يقبلوا بالعودة إلى الاندماج ضمن الجمهورية القبرصية.
لم تستطع تركيا الاستجابة للضغوط الأميركية والأوروبية, وذلك لأن الرأي العام التركي كان يقف إلى جانب القبارصة الأتراك إضافة إلى أن الخلافات التركية-اليونانية الأخرى المتعلقة بالمضائق والممرات البحرية وجزر بحر إيجه قد لعبت دورا أكبر في تصلب مواقف أثينا وأنقرة.
انعكست هذه الأوضاع المتعاكسة بما أدى إلى تشكيل حزام سياسي قبرصي تركي شمالي يتضمن المزيد من تعارضات الأهداف و المصالح. وفي هذا الخصوص تشكلت خارطة الصراع السياسي في جمهورية قبرص الشمالية وفقا للآتي:
• ظهور قوى سياسية تقوم بعمليات التسويق السياسي حول مستقبل جزيرة قبرص على خلفية المفاضلة بين خيار حل الدولة الواحدة والاندماج, أو خيار حل الدولتين والانفصال النهائي.. والأحزاب القبرصية الشمالية هي (أحزاب كبيرة) تتمثل في: حزب الوحدة الوطنية-الحزب التركي الجمهوري- الحزب الديمقراطي-حزب المجتمع الديمقراطي-حزب الحرية والإصلاح, و(أحزاب صغيرة) تتمثل في: الحزب الجديد-حزب قبرص الجديدة-حزب الميلاد الوطني-حزب السلام القومي-حزب خيار الاتحاد الأوروبي.
• تبلورت عملية استقطاب سياسي في أوساط الرأي العام القبرصي التركي الشمالي حول خيار حل الدولة الواحدة بالاندماج مرة أخرى مع القبارصة اليونان ضمن صيغة جمهورية قبرص بشكلها السابق وهو أمر سوف يتيح للقبارصة الأتراك الدخول تلقائيا في عضوية الاتحاد الأوروبي, وخيار حل الدولتين بحيث تكون دولة قبرصية شمالية خاصة بالقبارصة الأتراك ودولة قبرصية جنوبية خاصة بالقبارصة اليونان.
استمرت حالة الانقسام وما ترتب عليها من معاناة جمهورية شمال قبرص من الضغوط والعزلة وعدم الاعتراف, وبالمقابل تمتعت جمهورية قبرص الموجودة في الجنوب بعضوية الاتحاد الأوروبي والدعم والتسهيلات, وعلى ما يبدو أن هذه الوضعية قد أثرت بقدر كبير في توجيه مفاعيل الصراع القبرصي-القبرصي, والصراع داخل كل شطر من شطري قبرص, إضافة إلى الصراع التركي-التركي, والصراع اليوناني-اليوناني, والصراع التركي-اليوناني.
ورطة أنقرة الجديدة في قبرص: تداعيات ما بعد انتخابات قبرص الشمالية
قبل بضعة أعوام طرح أمين الأمم المتحدة العام السابق كوفي عنان مشروع مبادرة أطلق عليها تسمية خطة عنان, وهدفت إلى حل أزمة توحيد قبرص وقد أيدت الحكومة التركية وأيضا اليونانية هذه الخطة, وكانت أبرز العراقيل تتمثل في الخلافات بين القبارصة الأتراك. وقد أدت الخلافات إزاء هذه الخطة إلى صعود شعبية حزب الوحدة الوطنية الذي يتزعمه المرشح الرئاسي الفائز الحالي درويش إروغلو وانخفاض شعبية الحزب الجمهوري التركي الذي يتزعمه الرئيس السابق محمد طلعت, هذا, وتشير المعلومات إلى أن التحول في الرأي العام التركي القبرصي الشمالي قد بدأ منذ انتخابات عام 2009م البرلمانية فبرغم وجود الرئيس محمد طلعت زعيم الحزب الجمهوري التركي فإن حزب الوحدة الوطنية ذي التوجهات القومية الاجتماعية القبرصية التركية الشمالية الذي يتزعمه درويش إروغلو حصل على 25 مقعدا أي ما يعادل نصف مقاعد البرلمان البالغ عددها الكلي 50 مقعدا وحصل الحزب الجمهوري التركي على 15 مقعدا وحصل الحزب الديمقراطي على 5 مقاعد وحصل حزب المجتمع الديمقراطي على مقعدين وحصل حزب الحرية والإصلاح على مقعدين أما بقية الأحزاب فلم تحصل على شيء وبالتالي فقد بقيت خارج البرلمان, وبكلمات أخرى فقد أدت نتيجة انتخابات عام 2009م إلى ظهور مفارقة سياسية تمثلت في وجود برلمان يؤيد نصف أعضاءه حل الدولتين في ظل وجود رئيس جمهورية يؤيد حل الدولة الواحدة. والآن اكتملت الصورة أكثر فأكثر، فقد صوت القبارصة الأتراك لرئيس يؤيد حل الدولتين مما أدى إلى تصحيح المفارقة وبالتالي وفي ظل وجود أغلبية برلمانية ورئيس جمهورية يؤيدون خيار حل الدولتين للأزمة القبرصية فمن المتوقع أن لا تنجح جهود أنقرة وغيرها الساعية إلى إعادة توحيد قبرص.
لقد التزمت حكومة حزب العدالة والتنمية التركية الحالية للاتحاد الأوروبي بحل أزمة انقسام قبرص وإعادة توحيدها خلال عام 2010م الحالي ولكن كما هو واضح فإن نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة والرئاسية الحالية في جمهورية شمال قبرص قد أثرت لجهة خلق وضع يجعل من قيام أنقرة بتنفيذ تعهداتها أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا, وبالتالي يمكن القول وبكل بساطة أن الاتحاد الأوروبي سوف يطالب أنقرة بإنفاذ تعهداتها المتعلقة بإعادة توحيد قبرص, وهي تعهدات أصبحت على خلفية نتائج الانتخابات القبرصية الشمالية, لا تتمتع بأي مصداقية فأنقرة لن تستطيع كسر إرادة القبارصة الأتراك, وأيضا لن تستطيع أن تتورط في أي مؤامرة مع اليونان والقبارصة اليونان ضدهم, وذلك لأن أنقرة إن لجأت إلى سحب قواتها من قبرص الشمالية وترك سكانها القبارصة الأتراك فريسة للقوات اليونانية وقوات قبرص اليونانية, فإن حكومة حزب العدالة والتنمية لن تستطيع البقاء في أنقرة لأكثر من 72 ساعة, خاصة وأن المؤسسة العسكرية التركية, سوف تجد الفرصة لكي تتحالف مع الحزب القومي التركي وحزب الشعب الجمهوري التركي وتقوم بالعملية الجراحية: استئصال حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي وحكومته, وهو حلم جنرالات هيئة أركان الجيش التركي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد