الرواية السعودية: تفكيك المقدس بعصا المدنس
فجاجة لغوية، خطاب روائي سعودي يفتقر إلى الخيال، روايات فضائحية، بذاءة لفظية شوارعجية، كتابة غير معنية ببلاغة التعبير منهمكة باختراق الثالوث المقدَّس الدين والسياسة والجنس. تسالم، استسلام، تحديث وتجديد، احتجاج ورفض، تفكيك المقدَّس بعصا المدنَّس, بل وعلاقات مثلية متواطأ عليها. هذا بعض ما يذهب إليه الناقد محمد العباس (في كتابه مدينة الحياة - جدل في الفضاء الثقافي للرواية في السعودية، صادرعن دار نينوى / دمشق) والذي يجيء بعد سبعة كتب في نقد الحداثة وقصيدة النثر, فنراه وهو يسوق أمامه عشرات الروايات بدءا من أوَّل رواية سعودية (التوأمان) التي كتبها عبد القدوس الأنصاري عام 1930 إلى روايات: تركي الحمد وعبد الله التعزي وليلى الجهني وإبراهيم الخضير ويوسف المحميد ورجاء عالم ونورة الغامدي وطيف الحلاج التي جاءت روايتها (القران المقدس) كمرافعة صاخبة ضد الحيف الذكوري لإنقاذ جنس النساء من «بؤس الحريم» وكأنَّه يقوم بعملية تفكيك التقديس وإزاحة الهالة عنه, والذي يُنتج نفسه في الدين والسياسة ومن خلال الخطاب الروائي, الذي بدا كأنه ثورة أو أشبه بانقلاب اجتماعي وثقافي ضد سيرورة التقديس هذه التي تحنط الحياة وتسورها.
فالروائيون السعوديون أو من يكتبون الرواية السعودية ورغم حياة الوفرة والاستهلاك إلى حدٍّ ما قياساً إليها في دول كسوريا ومصر والمغرب والعراق, وتراكم رؤوس الأموال التي بيد القلَّة, يحاولون أن يؤسِّسوا لمعركة يفكِّكون فيها القيم التقليدية التي تحاول قهرهم. فيكشفون بذلك عن عقلٍ نقدي يريد أن يؤنسن العالم من حوله ويفرض عليه وجوده وليس هيمنته, فالحياد أو المحايدة مع الديني والسياسي أمرٌ صار يكرِّس التخلف, ويُغلق على العقل فلا ينتج معرفته ويحول دون امتلاكه لوعيه.
تفكيك وكسر
كأنَّ محمد العباس في تحليله أو قراءته لحال الرواية السعودية وهي قراءة على سرعتها في إطلاق أحكام القيمة إنَّما يقوم وبجرأة غير مسبوقة وكناقد سعودي بتفكيك وكسر طوق القداسة عبر الخطابين التراث التقليدي الذي سيطر والحداثي الذي يريد أن يثور, لكنه لا يملك معرفته فيجيء خطابه ضعيفاً - هنا الروائي - وغير مقترن بالإبداع. وهذا ما يؤرِّق العباس. فالرواية السعودية حسب ما يرى لا تتعامل مع الهوية إلا كمعطى مستقر الملامح, وعلى درجة من القدسية, وبالتالي فهي لا تموضعها كعملية اختلاق وتلفيق في مجرى التاريخ, ولا تغامر بإفقادها جذورها الأسطورية لتتشكَّل بحرية سردية, بمعنى أنها تخضع على الدوام لضراوة الحدث, وتبدو مأخوذة بتسارعه واتساعه, وبالتالي فهي لا تمتص بوعي فني روح اللحظة, بل غالبا ما تكون ضحية لمراوغاتها, وهذا ما يؤثِّر على صيرورتها الفنية, فتتحوَّل إلى بيان أو تقرير يكرِّر نفسه بل ويعتسف ويختزل مشروعه بدل أن يغنيه ويطوِّره .
محمد العباس في «مدينة الحياة» يذهب إلى الحرية حين لا تقترن بالعدم, فهو يريد من الروائيين السعوديين الذين يتناسلون/ يتكاثرون أن يعيشوا معاناة فعل الخلق, أن يتحدُّوا العبودية - عبودية الواقع, فيخلقوا بأ(نا)هم المفكِّرة الواعية العارفة حرِّيتهم, وإلاَّ لن يكتبوا روايتهم؛ تاريخهم.
أنور محمد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد