سورية ترفع سن تشغيل الأولاد إلى 15
لا يعرف ناصر، الفتى ذو الثلاثة عشر ربيعاً والمعيل الوحيد لأسرته، أن عمله أضحى اليوم مخالفاً للقانون وموجباً للعقوبة لأن من حقه أن يكبر بعيداً من رائحة صهر الحديد في الورشة حيث يعمل. من حقه أن يكبر كما أقرانه في صفوف المدرسة وباحات اللعب، لم يعد يتذكر أنه طفل تقر اتفاقية حقوق الطفل له حقه بأن يعيش فرح الصغار، كبر فجأة بعد وفاة والده المبكرة، فأدرك أن عمله هو السبيل الوحيد لنجاة عائلة بأكملها من الجوع.
عمل ناصر أصبح اليوم خارجاً عن القانون في سورية، بعدما كان مشرعاً لأكثر من خمسين عاماً، وذلك إثر إقرار قانون العمل الجديد الرقم 17 للعام 2010 في الثاني عشر من نيسان (أبريل) الفائت، الذي رفع الحد الأدنى للسن المسموح فيه بعمل الطفل إلى 15 سنة غير قابلة للاستثناء، وكان 12 سنة فقط بحسب أحكام القانون القديم المعمول به منذ 1951. وتسري أحكام القانون الجديد على كل شركات ومعامل القطاع الخاص والتعاوني وحتى المشترك غير المشمول بأحكام العاملين في الدولة.
15 سنة أو السن التقريبية لإنهاء مرحلة التعليم الإلزامي، هي أول الشروط الناظمة لتشغيل الأطفال، وتليها مجموعة من القواعد التنظيمية التي تلزم رب العمل توفير الشروط الملائمة لعمل الحدث (المراهق) الذي، وإن كان أتم الخامسة عشرة من عمره، لا يزال طفلاً يستوجب الرعاية والاهتمام، فهل من سيمتثل الى القانون هذه المرة؟ «أعمل منذ الصباح حتى المساء ولكن يسمح لي معلمي بأن أعود ساعتين إلى البيت لاستراحة الغداء»، يقول ناصر الذي يبدو شاحباً وقد نال العمل المضني من فتاوة جسده، بينما تمكنت روائح صهر الحديد التي تعبق بها غرف الورشة من التأثير في نقاوة صوته، وأجبرته على السعال كل دقيقة. وعن توقيع عقد عمل يضمن أجره الزهيد يجيب: «أبو سليم صاحب الورشة مفضل على راسي والله. هو لا يتأخر بدفع أجرتي الأسبوعية، بل ويكرمني كل عيد كي أفرح قلب أمي وأخوتي».
يفرد القانون الجديد اليوم قسماً خاصاً بتنظيم تشغيل الأحداث وضمان حقوقهم من خلال شروط مفصلة، أهمها حظر تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً (ثلاث متواصلة على الأكثر)، تتخللها فترات للاستراحة وتناول الطعام لا تقل في مجموعها عن ساعة كاملة. كما حظرت مواد هذا القانون تكليف الحدث بساعات عمل إضافية، مهما كانت الأحوال، أو تركه في محل العمل بعد المواعيد المقررة، أو تشغيله في أيام الراحة أو في العمل الليلي، إضافة إلى أنها فرضت استحقاق الحدث لإجازة سنوية مأجورة (مدفوعة) لا تنقص عن ثلاثين يوماً، كما ألزمت رب العمل بالحصول على موافقة ولي الحدث أو الأوصياء عليه، قبل تشغيله.
ويعاقب القانون الجديد رب العمل الذي لا يمتثل لأحكام وشروط تشغيل الأحداث بغرامة مالية رُفع حدها الأدنى إلى 25000 ليرة سورية. ويستثني الأحداث الذين يشتغلون في الصناعات المنزلية، التي لا يعمل فيها سوى أفراد العائلة تحت إشراف الأب أو الأم أو الأخ أو العم أو الخال.
وتشيع حالات هذا الاستثناء في مجتمعنا، إذ غالباً ما يكون الوالدان أو غيرهما من الأوصياء على الطفل السبب الأول في حرمانه من طفولته الطبيعية وذلك لعدم قناعتهم بجدوى التعليم، وثقتهم المطلقة بأن احتراف طفلهم صنعة أبيه وأجداده هي الضمان الأقوى لمستقبله ولإرث العائلة في آن. وهذا الأمر أكدته آخر تقارير التنمية البشرية التي شددت على ضرورة محاربة الفقر، كعامل أول ورئيس للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال، وبالطبع، إلى جانب رفع مستوى الوعي الأسري بأهمية التعليم لنماء الطفل.
نعم بين الفقر والعقوبات غير الصارمة وغير المتوافقة مع أهمية ظاهرة مؤلمة كتشغيل الأطفال، وفي ظل غياب الدراسات والاحصاءات المحلية، تزداد في سورية وجوه الأطفال التي تخفي خلفها طفولة ضائعة بين تنظيف الأحذية وبيع العلكة على أرصفة الشوارع وفي غرف الورش المخنوقة التي شكلت ولا تزال بؤر خطر لا تتوقف آثارها السلبية عند إعاقة النمو الصحي الجسدي والنفسي للطفل، بل تتعداها إلى الأسوأ، كأن يتحول الطفل ضحية للعنف أو الإدمان أو غيرها من الآثار التي من شأنها أن تضر بصحة الطفل وسلامته وسلوكه. وهذه من الأمور التي تجعل كثرة من حالات التشغيل، بحسب تعريف منظمة العمل الدولية، من أسوأ أشكال عمل الأطفال.
ناصر اليوم قد يفقد عمله إذا قرر رب العمل الالتزام بالقانون، ومن المفترض أن يعود الى دراسته. ولكن وتحت وطأة واقع حال أسرته، قد يزيد وضع ناصر سوءاً فيضطر للعمل بظروف أكثر شدة وخطورة من أجل إنقاذ أفرادها من العوز، الأمر الذي سيفتح من جديد باب التساؤل عن جدوى تبني الأطر القانونية الصارمة، على أهميتها الكبيرة، في غياب مبادرات أشمل تسمح بتكامل عملية التنمية وضمان أدنى حقوق أجيال المستقبل.
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد