الأطماع الأميركية في منطقة آسيا والباسفيك
الجمل: تعتبر منطقة آسيا والباسفيك من أكثر مناطق العالم الغنية بالتفاعلات الإقليمية والدولية, وبرغم بعدها عن مناطق العالم الساخنة التقليدية مثل الشرق الأوسط والقوقاز وشبه القارة الهندية, فإن ما يدور حاليا في منطقة آسيا والباسفيك, سوف تترتب على نتائجه المزيد من التداعيات المؤثرة على مناطق العالم الأخرى: ما هي مكونات منطقة آسيا والباسفيك, وما الذي يدور فيها حاليا, وما هي تداعيات ذلك على الأوضاع الإقليمية والدولية؟
توصيف الوقائع والأحداث الجارية: ماذا تقول المعلومات
اهتمت الأوساط الإقليمية والدولية خلال الأيام الماضية كثيرا بالأحداث الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية, وبرغم أهمية هذه المنطقة, فإن هناك أحداثا ووقائعا فائقة الأهمية حدثت خلال نفس الفترة في منطقة آسيا والباسفيك, ومن أبرزها:
• التواترات المتزايدة في ملفات شبه الجزيرة الكورية بسبب حادثة إغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية.
• التواترات المتزايدة في ملفات العلاقات الأميركية-اليابانية بسبب استمرار وجود القواعد العسكرية الأميركية في اليابان.
• الخلافات المتزايدة في ملفات العلاقات الأميركية-الصينية, وتفاهمات خط بكين-واشنطن وما ترتب عليها من تحول الموقف الصيني لصالح العقوبات ضد إيران.
• التواترات المتزايدة في ملفات منطقة الهند الصينية, وعلى وجه الخصوص أزمة تايلاند.
• الانتشار العسكري-الأمني الأميركي المتزايد في جزر الباسفيك.
• المساعي الأميركية المتزايدة لجهة إحكام السيطرة على جزر جنوب شرق آسيا وممراتها البحرية.
• تزايد الروابط الاستراتيجية الأميركية-الأسترالية, والأميركية-النيوزيلندية, والأميركية-الفلبينية.
• صراعات السيطرة البحرية على بحر الصين الجنوبي, وبحر الصين الشرقي, وبحر الصين الشمالي, إضافة إلى المناطق البحرية الباسفيكية المطلة على الصين.
تشير المعلومات والتقارير إلى أن كل واحدة من هذه النقاط, تشهد يوميا المزيد من التطورات والتوترات والخلافات التي تدفع باتجاه خيار السيناريوهات الحرجة, وعلى وجه الخصوص في المناطق البرية والبحرية ذات الأهمية الجيو-ستراتيجية.
ترسيمات الصراع في منطقة آسيا والباسفيك:
تمثل كل من الصين والولايات المتحدة الأميركية الطرفان الرئيسيان في صراعات آسيا والباسفيك, وبقية الأطراف, مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والفيليبين هي مجرد أطراف ثانوية لجهة اصطفافها إلى جانب خيارات النفوذ الأميركي, وحاليا, لا يوجد أي طرف رئيسي في هذه المنطقة يمكن وصفه بأنه يمثل الحليف الرئيسي للصين, سوى كوريا الشمالية, وروسيا, على أساس اعتبارات أن الجزء الشرقي من روسيا يطل على شمال غرب الباسفيك.
واشنطن ونسق علاقات عبر الباسفيك:
سعت الإدارة الأميركية خلال الحقب الماضية إلى التعامل بحساسية فائقة مع منطقة الباسفيك, وعلى وجه الخصوص إزاء جمهورية الصين, وبإلقاء نظرة على خارطة المنطقة يمكن ملاحظة اللآتي:
• السعي الأميركي المتزايد لجهة إقامة القواعد العسكرية الجوية والبرية في البلدان المجاورة للصين.
• السعي الأميركي المتزايد لجهة نشر الأساطيل العسكرية البحرية الأميركية في المناطق البحرية المواجهة لللصين, إضافة إلى الممرات البحرية ذات الأهمية الفائقة الحساسية لحركة الملاحة الدولية والإقليمية الصينية, مثل ممر ملقة البحري على سبيل المثال لا الحصر.
• انتقاء الدولة الرئيسية لجهة إقامة الاتفاقيات الاستراتيجية, بحيث أصبحت لأميركا اتفاقيات استراتيجية مع كل من: الهند – كوريا الجنوبية – باكستان – الفلبين, وجميعها تمثل دولا ذات أهمية إقليمية لجهة وقوعها في مناطق الجوار الصيني.
تعتبر معطيات توجهات الإدارة الأميركية الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة على مدى العشرين عاما الماضية التي أعقبت لحظة انتهاء الحرب الباردة, إلى أنها توجهات وإن كانت صادرة من طرفين سياسيين أميركيين مختلفين, فإنها ظلت تعبر عن نفس الشيء إزاء منطقة آسيا والباسفيك, وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالحضور الدائم لمفهوم الصين باعتبارها مصدرا للخطر الكبير الذي يهدد مستقبل أميركا في العالم.
على أساس اعتبارات هاجس الخطر الصيني, ظل الإدراك الدبلوماسي, والأداء السلوكي السياسي الأميركي يعطي الأولوية القصوى للاعتبارات الآتية:
• تأمين مصالح الأمن القومي الأميركي في منطقة آسيا والباسفيك.
• التأكيد على الدبلوماسية الوقائية, بما يتيح دفع حلفاء أميركا في المنطقة باتجاه تهديد الأمن القومي الصيني.
• الضغط على الكيانات الإقليمية والدولية الأخرى من أجل إضعاف روابطها مع الصين, وحاليا تقوم واشنطن بالضغط على السعودية ودول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي, من أجل تقليل معدلات مبادلاتهم التجارية مع الصين وذلك على النحو الذي يقلل من انفتاح الاقتصاد الصيني مع الأسواق العالمية الرئيسية.
• الضغط على المؤسسات الاقتصادية الدولية (صندوق النقد الدولي – البنك الدولي – منظمة التجارة العالمية) لجهة فرض المزيد من القواعد الصعبة والقيود المتشددة في التعامل مع الاقتصاد الصيني, وذلك على النحو الذي يقلل من فرص حصول الصين على تدفقات رأس المال الأجنبي الاستثماري المباشرة وغير المباشرة.
يعكس الأداء السلوكي السياسي الخارجي الأميركي, مدى الطبيعة الثابتة لجهة تحقيق هدف فرض القبضة الحديدية الأميركية على الكيانات الآسيوية الباسفيكية الآتية مهما كان الثمن فادحا:
• اليابان: تزايد المعارضة الشعبية اليابانية لاستمرار وجود النفوذ الأميركي, وعلى وجه الخصوص وجود القواعد العسكرية الأميركية في اليابان, وبالفعل فقد نجحت المعارضة الشعبية في إسقاط الحزب الليبرالي المؤيد لواشنطن, ودعمت هذه المعارضة صعود الحزب الديمقراطي المعارض للوجود الأميركي في اليابان, ولكن, وعلى خلفية الضغوط الأميركية, وتوظيف واشنطن لخطر التهديد الكوري الشمالي بإشعال الحرب في المنطقة, فقد وافق رئيس الوزراء الياباني الجديد (زعيم الحزب الديمقراطي) على تمديد فترة وجود القواعد العسكرية الأميركية, وعلى وجه الخصوص تلك الموجودة في جزيرة أوكيناوا اليابانية, ولكن, وفي أقل من أسبوع تحرك الشارع الياباني, وتحركت عناصر الحزب الديمقراطي الياباني, بما أدى إلى الإطاحة برئيس الوزراء الجديد, وبرغم ذلك فقد ظلت واشنطن تمارس المزيد من الضغوط والتهديدات بأنها سوف لن تقبل بأقل من استمرار وجود القوات العسكرية الأميركية في اليابان, إضافة إلى قيام اليابان بتمويل الجهود العسكرية-الأمنية الأميركية في منطقة آسيا والباسفيك.
• الفلبين: تعتبر من أقدم بلدان جنوب شرق آسيا استضافة للقوات الأميركية, الجوية, البرية والبحرية, وتقول المعلومات والتقارير بأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية قد ظلت على مدى عشرات السنوات تدير جيشا ضخما من العملاء الفلبينيين, سعت واشنطن إلى استخدامه مرارا وتكرارا في حروب منطقة الهند الصينية مثل حرب فييتنام وحرب لاوس وحرب كمبوديا.
• تايلاند: شهدت تايلاند خلال الحقب الماضية قيام وكالة المخابرات المركزية الأميركية بتحويلها إلى محطة رئيسية لشتى العمليات السرية والحروب السرية الأميركية, ضد شتى مناطق جنوب شرق آسيا, بما في ذلك عمليات غسيل الأموال, وتهريب المخدرات وتجارة الأسلحة, وعلى خلفية التطورات السياسية الجارية فقد حدث انقسام واسع النطاق بين منطقة جنوب تايلاند الواقعة تحت سيطرة الأثرياء وكبار الجنرالات والحزب الحاكم, وسكان وسط وشمال تايلاند الذين يغلب عليهم طابع الفقر الريفي, وحاليا فقد أصبحت تايلاند تحت خطر احتمالات اندلاع الحرب الأهلية بين سكان الوسط والشمال والجيش الحكومي الذي يحمي النظام, وتقول المعلومات والتسريبات, بأن واشنطن تبذل جهدا كبيرا لدرء شبح الحرب الأهلية والإبقاء على حكومة تايلاند الحالية الموالية لها, بما يتيح للقوات الأميركية التمتع بمزايا خليج تايلاند الذي ظل طوال الحقب الماضية يلعب دور الـ(كراج) الرئيسي لسفن البحرية الأميركية الناشطة في منطقة جنوب شرق آسيا.
إضافة إلى مثلث اليابان-الفلبين-تايلاند, توجد مساعي أميركية متزايدة لجهة بناء التحالفات والروابط الاستراتيجية مع الهند, وأيضا مع حكومة كيرغيزستان, الجديدة وذلك بسبب الموقع الاستراتيجي الهندي الهام المطل على جنوب غرب الصين, وموقع كيرغيزستان الاستراتيجي الهام المطل على شمال غرب الصين.
خيارات سيناريو الصراع في منطقة آسيا والباسفيك:
تقول المعلومات, بأن خيارات واشنطن إزاء كل دول منطقة آسيا والباسفيك, باستثناء الصين, هي خيار التعاون طوال ما كانت هذه الدول تتعاون مع مشروع استهداف الصين, وخيار الصراع مع كل دولة غير متعاونة أو تسعى لوقف تعاونها مع واشنطن, أما الصين, فالخيار الوحيد الذي تتمسك به واشنطن, هو العمل عن طريق استهداف الصين المستمر بما يؤدي إلى إضعافها, ثم إلى تفكيكها إلى عدد من الدول الصغيرة: دولة التيبت – دولة تركستان الشرقية (الأيغور) – دولة منشوريا – دولة الهان وهلمجرا..
تنشط حاليا بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية الأميركية في دراسة العمق التاريخي ومعطيات خبرة التاريخ السياسي الخاص بأقاليم الصين, بما يتيح التعرف أكثر فأكثر على نماذج الممالك والإمبراطوريات القديمة التاريخية التي كانت موجودة في مختلف مناطق الصين ثم العمل بعد ذلك لجهة إذكاء النزعات القومية الاجتماعية لكل واحدة من الجماعات الإثنية والعرقية والدينية والطائفية الموجودة. وبناء ودعم النخب السياسية القومية الاجتماعية التي تسعى من جهة إلى المطالبة بحث الانفصال وحقوق تقرير المصير, وما شابه ذلك وفي نفس الوقت من الجهة الأخرى تقوم واشنطن باستخدام منظمات حقوق الإنسان وحقوق الأقليات ذات الطابع الدولي-العالمي لجهة القيام بدعم مطالب الأقليات والجماعات الانفصالية الصينية.
ظلت القيادة الصينية أكثر إدراكا لمخاطر الأداء السلوكي الأميركي في منطقة آسيا والباسفيك, ولكن, وما هو مثير للاهتمام والدهشة, أن القيادة الصينية مازالت أكثر اهتماما بمجريات الأداء السلوكي في منطقة الشرق الأوسط, وعلى ما يبدو أن بكين حتى الآن ما تزال عاجزة عن إدراك مدى أهمية ما يدور في هذه المنطقة ومدى خطورته على مستقبل مصالح الأمن القومي الصيني, وعلى ما يبدو أيضا أن العقل السياسي الصيني, الذي أصبح أكثر قابلية في الآونة الأخيرة لإجراء المساومات وعقد الصفقات مع واشنطن حول ملف إيران, وربما ملفات الصراع العربي-الإسرائيلي, سوف لن يدرك مدى خطورة ذلك إلا بعد معاناة الخسائر ودفع التكاليف الباهظة, ولن تستطيع الصين وبقية حلفاء أميركا في آسيا والباسفيك الخروج من هذه الأزمة إلا إذا أدركوا جيدا تقنية حسابات معادلة المخاطر الأميركية-الإسرائيلية الجارية في منطقة الشرق الأوسط والأدنى ومدى تأثيراتها على مصالح بلدان منطقة آسيا والباسفيك.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد