انهيارات الدبلوماسية العامة الإسرائيلية من 2006 حتى اليوم
الجمل: أكدت بعض التقارير والتسريبات بأن العديد من الخبراء الإسرائيليين يعكفون حاليا على دراسة أسباب تراجع قدرات الدبلوماسية العامة الإسرائيلية, وكيفية استعادة إسرائيل لهذه القدرات التي سوف يؤدي فقدانها إلى إلحاق المزيد من الأضرار الفادحة بقدرات إسرائيل السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية: ما هي حقيقة الدبلوماسية العامة الإسرائيلية وما مدى قدرة الدبلوماسية العربية العامة على استخدام وتوظيف تراجع قدرات الدبلوماسية العامة الاسرائيلية؟
سياق الدبلوماسية العامة الاسرائيلية؟
يوجد فرق بين الدبلوماسية الرسمية, والدبلوماسية العامة, فعلى أساس اعتبارات الدور الوظيفي, تتضمن الدبلوماسية الرسمية ما يقوم به الرسميون في الدولة من تحركات خارجية مع رصفائهم في الدول الأخرى, والمؤسسات الدولية, أما الدبلوماسية العامة فتتضمن ما تقوم به الدولة من تحركات تهدف إلى التأثير في المكونات غير الرسمية للدول الأخرى, وتأسيسا على ذلك, فقد ظلت الدبلوماسية العامة الإسرائيلية تتضمن الفعاليات الآتية:
• استخدام التواصل الثقافي المباشر وغير المباشر.
• توظيف الوسائط الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة.
• توظيف المعلومات بكافة أنواعها.
• توظيف البرامج التعليمية في المؤسسات الأكاديمية ومراكز الدراسات.
• توظيف الفعاليات السياسية والاجتماعية.
استطاعت الدبلوماسية العامة الإسرائيلية على مدى عشرات السنوات من تحقيق المزيد من النجاحات, بما أدى بدوره ليس إلى تعزيز قدرة الدبلوماسية العامة الإسرائيلية وحسب, وإنما إلى تعزيز قدرة الدبلوماسية الرسمية الإسرائيلية في تحقيق الاختراقات الكبيرة, بحيث ما من انتهاكات أو جرائم ارتكبتها إسرائيل في المنطقة, إلا وتحركت المواكب في شوارع المدن الغربية الكبرى لجهة مطالبة حكوماتها بضرورة دعم إسرائيل وحمايتها من خصومها الذين يهددون أمنها واستقرار سكانها الإسرائيليين "المدنيين الأبرياء"!!!
على مدى الفترة الممتدة من لحظة قيام إسرائيل في عام 1948م, وحتى لحظة اندلاع حرب صيف عام 2006م بين القوات الإسرائيلية وحزب الله اللبناني, ظلت إسرائيل تخرج منتصرة في معادلة الحرب النفسية, محققة من المزايا وعناصر القوة المضاعفة بأكثر مما تحققه القوات الإسرائيلية في مسرح المواجهات العسكرية...
تفوق الدبلوماسية الإسرائيلية العامة في الحرب الثقافية: الآليات والوسائط
نجاح الدبلوماسية العامة الإسرائيلية في تحقيق التفوق في الحرب الثقافية, تم بسبب تفعيل حملة من الوسائط والآليات, لجهة الالتزام الإسرائيلي الصارم في انتهاج وتطبيق الممارسات الأفضل في عمليات الدبلوماسية العامة, ويمكن الإشارة إلى أبرز عناصر الدبلوماسية العامة الإسرائيلية خلال الفترة الممتدة من عام 1948 وحتى عشية حرب صيف عام 2006م وعلى النحو الآتي:
• تأمين فهم وإدراك خارجي ينسجم مع توجهات وأهداف الدولة الإسرائيلية.
• إدماج غايات وأهداف الدبلوماسية العامة الإسرائيلية ضمن أهداف وغايات الدبلوماسية الرسمية الإسرائيلية.
• إسناد محتوى الدبلوماسية العامة الإسرائيلية إلى القيم والثقافة الخاصة بالدولة الإسرائيلية.
• بناء وتشكيل محتوى الدبلوماسية العامة الإسرائيلية بحيث يبدو متميزا بالانسجام وجعل الأكاذيب المصطنعة تبدو وكأنها حقائق تتسم بالمصداقية.
• تكييف محتوى الدبلوماسية العامة الإسرائيلية وفقا لطبيعة بيئة المجال الخارجي الذي تستهدفه.
• استخدام المسار المزدوج في توجيه محتوى الدبلوماسية العامة الإسرائيلية, بحيث لا تتوجه نحو النخب وصناع الرأي العام وحسب, وإنما أيضا وفي نفس الوقت تتوجه نحو الجمهور الخارحي المستهدف باعتباره صاحب الرأي النهائي.
• مراعاة توريط المنظمات غير الحكومية (أي منظمات المجتمع المدني) إضافة إلى الفاعلين غير الحكوميين مثل كبار الكتاب والمثقفين, بما يتيح توظيفهم لصالح محتوى الدبلوماسية العامة الإسرائيلية, أو على الأقل تحييدهم إذا كانوا مناوئين, على أمل استقطابهم لاحقا..
• إعطاء الدبلوماسية العامة الإسرائيلية طابع وصفة الحوار الثقافي-التفاعلي مع الآخر, مع التأكيد على خلق الانطباع لدى الآخر بالرغبة في التفاعل الثقافي الإيجابي معه, إضافة إلى الرغبة في حسن الإنصات له, وإيهامه بالإدراك الإيجابي لوجهة نظره.
• سعي الدبلوماسية الإسرائيلية من أجل تعريف الآخر بالذات الإسرائيلية من خلال التركيز على المبادئ القيمية والمؤسسية.
• التوظيف بأكبر ما يمكن لقدرات منظمات المجتمع المدني الإسرائيلي مع نظريتها في العالم الخارجي..
على خلفية هذه المرتكزات الثقافية-النفسية, استطاعت الدبلوماسية العامة الإسرائيلية أن تقوم بواحدة من أكبر عمليات تمهيد المسرح الفكري-الثقافي-النفسي العالمي لصالح الدبلوماسية الرسمية الإسرائيلية, وعلى سبيل المثال لا الحصر, ظلت كل برامج جولات وزيارات المسئولين الإسرائيليين للدول الأخرى تتضمن عقد اللقاءات مع صناع الرأي ورموز المجتمع المدني, إضافة إلى إلقاء المحاضرات في كبرى الكليات الجامعية ومراكز الدراسات, ومخاطبة الجماهير عبر الوسائط الإعلامية في البلدان المضيفة.
معهد الأمن القومي الإسرائيلي يقرع ناقوس الخطر:
نشر الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد الأمن القومي الإسرائيلي اليوم ورقة بحثية أعدها الخبير الإسرائيلي هيرش غودمان, وحملت عنوان (مصدر الفشل: دبلوماسية إسرائيل العامة ومجمع المخابرات), وقد ركزت الورقة على قرع ناقوس الخطر للإسرائيليين من التداعيات الخطيرة لإخفاقات الدبلوماسية العامة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة, وقد سعى الخبير هيرش غودمان إلى تحميل أجهزة المخابرات الإسرائيلية مسئولية هذا الإخفاق, وذلك من خلال الإشارة إلى النقاط الآتية:
• أصدرت الأجهزة الإسرائيلية فيلما توثيقيا يوضح أن الجنود الإسرائيليين الذين اقتحموا سفن قافلة الحرية, قد تعرضوا للأذى بواسطة الناشطين الأتراك الذين كانوا على متن السفن, وعلى وجه الخصوص الباخرة التركية مرمرة.
• لم ينجح الفيلم التوثيقي في التأثير على الرأي العام التركي والعالمي, إضافة إلى أنه ترتب عليه المزيد من النتائج العكسية وردود الفعل العدائية.
• يعود السبب الرئيسي لفشل الفيلم ليس في مدى جودته وتقنيته, أو حتى في مصداقيته, وإنما لأن الأجهزة الإسرائيلية قامت بنشر الفيلم التوثيقي بعد مرور فترة تتراوح من 12 إلى 14 ساعة على عملية الاقتحام.
• تسبب التأخير من 12 إلى 14 ساعة في إلحاق خسارة فادحة بالعملية النفسية-الإعلامية.
• الخسارة القادحة في العملية النفسية-الإعلامية الإسرائيلية أدت تداعياتها إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالدبلوماسية العامة الإسرائيلية.
استنتج الخبير الإسرائيلي هيرش غودمان أن السبب الرئيسي في هذا الإخفاق يعود إلى وجود فجوة بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية وأجهزة الإعلام الإسرائيلية, ويشير الخبير الإسرائيلي هيرش غودمان إلى أن نفس هذه الفجوة قد تسببت في خسائر الدبلوماسية العامة الإسرائيلية بسبب حرب غزة, وذلك لأن أجهزة المخابرات الإسرائيلية التي تملك المعلومات تتلكأ وتتباطأ في إطلاقها, لا يتم نشرها في الوقت الحقيقي الذي تكون فيه عملية نشر وبث المعلومات ذات القيمة الضرورية لجهة حشد وتعبئة الرأي العام لجانب إسرائيل, بالشكل المطلوب لجهة إسناد ودعم جهود الدبلوماسية العامة الإسرائيلية.
تشير عملية تحليل الدبلوماسية العامة الإسرائيلية إلى أن إطارها الكلي المتمثل في فعاليات الجماعات اليهودية وجماعات اللوبي الإسرائيلي والقوى الأخرى الحليفة لإسرائيل, هو إطار ظل يعتمد بشكل رئيسي على إطار جزئي يتمثل في فعاليات العمليات النفسية-الدعائية التي يتم بثها عبر الوسائط الإعلامية الإسرائيلية وفقا للمحتوى الكاذب التي تقوم "معامل" أجهزة المخابرات الإسرائيلية بصناعته, وبالتالي كلما كانت عملية صناعة المحتوى سريعة ومتقنة كلما تمكنت الأكاذيب الإسرائيلية من السيطرة على أذهان الجماهير, وعلى غرار المبدأ القائل بأن الفكرة عندما تتملك أذهان الجماهير فإنها –مهما كانت خاطئة- تتحول إلى قوة مادية, وبالنتيجة إذا كان تأخير 12 إلى 14 ساعة قد ألحق ضررا فادحا بالدبلوماسية العامة الإسرائيلية فإن الدبلوماسية العامة العربية تعاني من معدل تأخير وتباطؤ يقاس بالسنوات وليس بالساعات, فهل ياترى سوف يتنبه المسؤولون عن دوائر صنع واتخاذ القرار الرسمي العربي بمدى أهمية الدبلوماسية العامة العربية, ومدى أهمية الإعلام العربي في بث المعلومات الجارية في وقتها الحقيقي, أم أن "فجوة السنوات" سوف تستمر؟ وحتى لا يقال بأننا نطلب الدعم المؤسسي الرسمي, للمواقع الإلكترونية فإننا لن نتحدث عن مدى أهمية المواقع الإلكترونية العربية في بث المحتوى المعلوماتي في الوقت الحرج الضروري المطلوب, وبالشكل الذي يحقق الفاعلية المطلوبة, وفقط نكتفي بالقول بأن ما يتم نشره في أي موقع إلكتروني تتم قراءته في سائر أنحاء العالم وخلال أقل من ثلاث دقائق!!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد