كلبشات الكترونية
"قانون أبو كلبشة" كذلك سميت قانون الإعلام الإلكتروني في سورية الذي وزعت علينا وزارة الاتصالات مسودته قبل أسبوعين. وبالإطلاع على تعريفات القانون المذكور نلاحظ أنها تعريفات جامدة لاختراع متطور, أو يمكننا القول أنه قانون رجعي لإنجاز تقدمي, ولا يوجد مثيل له في العالم الذي اخترع (الحاسب) و (الشبكة) الأمر الذي دفع وزارة الاتصالات للاعتقاد أن سورية ستصبح (دولة رائدة عالمياً) بعد وضع (قانون الإعلام الإلكتروني) !
فيا حضرات الإخوان والحبايب والخلان, نذكركم بأننا استوردنا قوانين السير مع السيارات، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الاختراعات, فلماذا نتجاهل قوانين مخترعي الشبكة والحاسب ونخترع ما يجعل سورية مقيدة أكثر منها رائدة !؟ ففي الغرب الإلكتروني يوجد حقوق تأليف ويوجد شرطة إنترنت تعاقب أي مستخدم للشبكة بما قد يؤذي الآخرين، وتعوض أي صاحب ملكية فكرية يتعرض للقرصنة. إذاً فالقوانين الجزائية يجب أن توضع لكل مستخدمي الإنترنت وليس صحافة الإنترنت فقط، أما حقوق المؤلف فنحن غير قادرين على حماية أكثر من حقوق المؤلف السوري في أحسن الأحوال، لأن إقرارحقوق المؤلف الأجنبي سيؤدي إلى إدخال - كل ناشري الكتب المترجمة، وأساتذة الفروع العلمية الذين يضعون كتباً مترجمة بأسمائهم، وبائعي الاسطوانات، ومقرصني البرامج السوريين - إلى السجن.. باعتبار أن سوريا تأتي في المرتبة الثانية بعد الصين في قرصنة البرامج والقنوات والمعلومات ..
القانون الجديد المقترح، في حال تطبيقه، سيؤذي بالدرجة الأولى صحافة الإنترنت الجالسة في حضن الحكومة التي تملأ لها صفحاتها بالإعلانات أكثر مما يؤذي المواقع المستقلة, إذ يمكن لفرد (كجلبي سورية) نزار نيوف القيام بإغلاقها وإدخال أصحابها السجن بواسطة القانون المقترح، كما يمكن للجماعات كجماعة 14 آذار واللوبي الإسرائيلي في أميركا الإدعاء عليهم وإدخالهم السجن مع التعويض.. وبالطبع فإن واضعي مسودة القانون في وزارة الاتصالات غير مدركين لذلك، ونحن نفترض حسن نيتهم أكثر من سوئها، على الرغم من معرفتهم بأن قانونهم هذا يقيد أيدي صحافة الداخل ولا يطال صحافة الخارج السورية, كما يمكن استخدامه ضد الإعلام المطبوع وصحافييه بنفس القدر الذي ينال فيه من صحافة الإنترنت, باعتبار أن كل الصحف والمجلات الورقية لديها مواقع إلكترونية..
وبمراجعة متأنية لمسودة القانون، التي وضعها موظفوا الاتصالات، نرى أيضا أنه – بعد عشرة سنوات على إلغاء تأميم الصحافة- قد أعاد تأميمها, على الرغم من عدم وقوع مخدماتها ضمن حيز أراضي الجمهورية العربية السورية, وهذا ما سيدفع الصحافة الإلكترونية السورية إلى الاحتيال على كلبشات القانون الجديد, كعدم التعامل مع شركات سورية في حجز السيرفر ووضع ملكية صحفهم بأسماء وهمية أو حقيقية مقيمة خارج سورية واعتبار أنفسهم مجرد مراسلين لها من دون أجر.. أما بالنسبة للتمويل فليس أسهل من أن يجلسوا في حضن جهات خارجية بدءاً من التيارات السلفية وانتهاء بالمؤسسات الاستثمارية العربية والأجنبية, ومن لا يفعل ذلك فسوف يكتفي بأخبار "سانا" ورشاوي الإعلانات الرسمية مقابل مديح سادة المؤسسات الحكومية، أو يجلس في بيته ويلعن حياته.. لهذا نقول لسادتنا: أحسنوا الظن بنا فنحن مواطنون مثلكم ونخطئ ونصيب مثلكم, ونحن كقطاع ناشئ بحاجة إلى الدعم وليس إلى العرقلة, وكمثال انظروا إلى قطاع الدراما الذي تفخرون به, فلو وضِعَ له قانون كالذي وضع لصحافة الإنترنت, لما وصل إلى ما نراه اليوم.. أعود فأكرر: إن شبكة الإنترنت قد حققت وحدة الوجود المعرفية التي بشر بها متصوفونا الأوائل, ونحن متواصلون مع العالم ومندغمون فيه بمقدار الثقة والحرية المعطاة لنا كي نمثل وطننا وأمتنا بين الأمم، فاقصروا أيديكم وظنونكم يرحمكم الله..
أمثولة: قبل عقد من الزمان جاءنا إلى جريدة "تشرين" رئيس تحرير من خارج الإعلام، وقد أراد صادقا تطوير الصحيفة, فجمعنا وناقشنا في الأمر, وبعد جدال ساعات وأنا صامت أستمع, طلب د.خلف الجراد مني الكلام فقلت: بما أنكم غير قادرين على زيادة مكافآت الإستكتاب ورفع سقف الرقابة، أقترح, لكي تتحسن الجريدة جزئيا, عدم نشر المواد التي لا تقول شيئا, فأجابني بعفوية: وكيف بدنا نطالع الجريدة يوميا!؟ ثم انتبه, فضحك وضحكنا جميعا.. واليوم أقول أن الإعلام الإلكتروني, على علاته وسقطاته التي أشكو منها, شفويا وخطيا, فإنه يفعل ما قلته للدكتور جراد: يأخذ أفضل ما في المصادر الإخبارية المحلية والعالمية إضافة إلى أخباره الخاصة المثيرة ويقدمها كوجبة منوعة، الأمر الذي يجعل هذه الصحف مقروءة ومأكولة أيضاً...
مماحاكات قانونية: قبل أعوام ثلاثة طلب منا وزير الاتصالات السابق تقديم طلب ترخيص لمواقعنا الإلكترونية فنشرت إعلانا على (الجمل) أعرض فيه بيع وزارة الاتصالات ضمن مناقصة بالظرف المختوم, وقلت أن حقي ببيع شيء لا أملكه مثل حق الوزارة المذكورة بطلب ترخيص لشيء لا يقع ضمن حيز أراضي الجمهورية العربية السورية باعتبار أن المخدمات التي تقع عليها مواقعنا الإلكترونية تقع في أراضي بلدان أجنبية.. وهكذا أحجمت الوزارة عن لزوم مالا يلزم.. وبعد ثلاث سنوات من البحث والتفكير اهتدى موظفوا الوزارة إلى بند أضافوه إلى قانونهم الإلكتروني الفريد يقول: "يعد النطاق العلوي السوري في حكم الأرض السورية " ونحن نود الاستفسار منهم: إلى أي حد يبلغ ارتفاع (النطاق العُلوي) الذي أممه هذا البند؟ وهل يصل إلى طبقة الأوزون أم إلى ما قبلها؟ فإذا كان يصل إلى الأوزون فإننا نطالب الوزارة بصيانة ورتق ثقوب الأوزون فوق أراضي الجمهورية مقابل ضرائبنا التي تملأ خزائنها, وإذا كان النطاق العُلوي يعني امتلاك كل ما هو تحت الأوزون فإن من حقنا مطالبتها بفلترة الهواء الملوث وضخ الأوكسجين اللازم لحياتنا وحريتنا.. أما إذا كان قصدها من البند العُلوي هو تثبيت حق استثماره ومشاركتنا في ربع قيمة إعلاناتنا على الشبكة الافتراضية في النطاقات العُلوية للجمهورية العربية السورية، فإن هذا يعطيها الحق أيضا بمشاركة شركات الطيران العابرة للنطاق العُلوي السوري وإعلانات المحطات التلفزيونية الأجنبية التي يشاهدها رعايا الحكومة السورية بربع قيمة أرباحها (لصالح المؤسسة العربية للإعلان) ..
وفي الخاتمة نعطف على المقدمة لنقول أن مماحكات جمع مماحكة, وهي من الجذر (مَحَكَ) وهو مثل سحق وفتك ووَتَكَ, والأخيرة لفظة افتراضية غير موجودة في المعاجم العربية مثل قانون الصحافة الإلكترونية الذي سيجعل من سورية دولة رائدة.. افتراضيا..
تنويه: شخصيا، وعلى الرغم من احترام موقعنا لحقوق المؤلف والقارئ، أعتقد أني سوف أغادر مع جملي خارج النطاق العلوي لقبيلة بني عبس السورية, وفي أسوأ الأحوال قد أطلق مدونة بصفتي مواطنا وليس صحفيا حتى لا تطالني الكلبشات الإلكترونية للحكومة العطرية المستاءة منا لأننا لانتقن مديح أعمالها، وإننا لمهاجرون..
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد