حادث مروري من غير قصد يفضي لجريمة قتل
تشير وقائع هذه القضية إلى تدهور سيارة بيجو 504 على طريق دمشق الدولي ما بين مفرقي جرمانا وعقربا واستقرارها- في منتصف ليلة وقوع هذه الحادثة- على الحافة الترابية إثر انقلابها عدة قلبات، وبدأت السيارات تتجمع والناس تتجمهر لرؤية الحادث وبعد ربع ساعة وأثناء قيام الرافعة بقطر سيارة البيجو خفف سمير الذي يركب سيارة بيك آب مع عائلته من سرعته وتوقف لمشاهدة الحادث كما توقف خلفه شقيقه عبد الناصر الذي كان يسير خلفه في سيارة بيك اب مغلقة مع عائلته وفي نفس اللحظة وصلت سيارة شاحنة كيا خلفهما مباشرة ولم يتمكن سائقها من التحكم بالفرامل والمكابح بسبب السرعة والزيوت المتسربة من السيارة المنقلبة على أرض الحادث والتوقف المفاجىء للسيارتين، ما أفضى لارتطام الشاحنة الكيا بالبيك آب الأخيرة التي كان يقودها عبد الناصر ما أدى إلى خلع الكبين الخلفي للسيارة وسقوط الأولاد من ضمن الكبين أرضاً. إصابة عبد الله وشادي وراضي وعبد الهادي وفادي وإثراء وحسام بأضرار جسدية.
لدى نزول عبد الناصر من البيك آب المصدومة ومشاهدته النساء تصرخ والأطفال على الأرض مضرجين بالدماء فقد صوابه فأنزل سائق الشاحنة الكيا التي صدمته من سيارته وطعنه (حسب أقوال شهود عيان) عدة طعنات بالموس الكباس كما هجم عليه أيضا أخوته بسكاكين مختلفة ومن حلاوة الروح حاول المطعون الهروب قاطعاً الشارع الرئيسي والاحتماء بأشخاص في مزرعة كانوا في (سيران ليلي) ولكن مطارديه أدركوه وأجهزوا عليه بعدة طعنات أخرى بعد أن هددوا الموجودين بعدم التدخل ومن ثم غادروا المكان إلى مسرح الحادث وأسعفوا الأطفال إلى مشفى الرحمة ونجوا من الموت جميعاً بينما توفي السائق المصاب متأثراً بجروحه المختلفة (خمس طعنات ثلاث) في منطقة الظهر وأخرى في الإلية وطعنة خامسة في الركبة، ورجح أطباء الخبرة الطبية أن الطعنة القاتلة هي التي تقع في أسفل العنق من الناحية الخلفية.
في تلك الأثناء قام عبد الناصر سائق البيك آب المغلقة بتسليم نفسه من تلقاء ذاته مع (موس الكباس) لسيارة شرطة في مكان الحادث معترفاً أنه كان قد لحق بالسائق الصادم الذي كان يهم بالفرار وأقدم على طعنه عدة طعنات وهو في حالة نفسية ثائرة وقد نفى تدخل أي من أشقائه في ضرب أو طعن السائق الصادم وطلب اعتبار فعله من قبيل القتل بثورة غضب ومنحه الشفقة والرحمة.
غير أن قاضي الاحالة بريف دمشق أصدر قراراً اتهم فيه كل من المدعى عليهم (عبد الناصر) تولد 1967 وأشقائه عبد الحكيم تولد 1974 وطلال تولد 1982 وياسر وسمير (اللذين فرا من وجه العدالة) بجناية القتل قصدا وفق أحكام المادة 533 من قانون العقوبات العام ولزوم محاكمتهم لأجل ذلك أمام محكمة جنايات ريف دمشق التي ذهبت إلى أن اعترافات المتهم عبد الناصر بأنه وحده القاتل ما هي إلا محاولة منه لحمل المسؤولية عن باقي أشقائه ولم يجد هذا الاعتراف ما يؤيده قانوناً ما يؤكد اشتراك (الجميع) دون معرفة الفاعل الحقيقي بقتل المغدور دون اتفاق أو نية مسبقة للقتل وإن فعلهم هذا جاء نتيجة ما أتاه المغدور من فعل غير مقصود بصدم سيارة المتهم عبد الناصر ووقوع الأطفال أرضا وهم مضرجين بالدماء ما أثار غضب المهتمين فأقدموا على فعلتهم هذه بتهور ناتج عن عدم توازنهم من الناحية النفسية وبالتالي فقد اعتبرت هيئة المحكمة فعلهم هذا في سياق جناية القتل قصداً مع جهالة الفاعل المستقل بثورة غضب شديد وفق أحكام المادة 533 ودلالة المادة 546 من قانون العقوبات العام وإفادتهم من العذر المخفف وفق المادتين 243و 241 من نفس القانون وحيث أن فعلهم هذا بعد استفادتهم من العذر المخفف أضحى مشمولاً بقانون العفو العام ما يستدعي إسقاط دعوى الحق العام بمواجهتهم لهذه الناحية مع إلزام المتهمين جميعاً بالتكافل والتضامن بدفع مبلغ مليون ليرة سورية للجهة المدعية تعويضا ماديا ومعنويا عن وفاة مؤرثهم توزع وفق الأنصبة الشرعية فيما بينهم واسترداد كافة المذكرات الصادرة بحق المتهمين الفارين من وجه العدالة (ياسر وسمير).
يذكر أن أحد المستشارين في هيئة المحكمة المذكورة خالف رأي الأكثرية لجهة اعتبار أن القتل كان بثورة غضب شديد، ورأى أنه من الثابت بوقائع الدعوى وأدلتها أن المتهمين بعد حادث التصادم قد انهالوا طعنا بالسكاكين على المغدور ولم يكتفوا بذلك بل لحقوا به عبر الشارع بعد أن هرب منهم للنجاة بحياته، وعندما أمسكوا به ثانية قاموا بضربه بحجر واستمروا بطعنه بالسكاكين رغم محاولة بعض الأشخاص المتواجدين في (سيران ليلي) في المزرعة التي لجأ المغدور حينئذ إليها إبعادهم عنه ورغم ذلك أكد الشهود المستمع إليهم بهذه القضية أنهم لم يتركوه إلا بعد أن سقط أرضا ولم يعد يستطيع الحراك.
ومن هنا ارتأى المستشار المخالف أن أركان عناصر ثورة الغضب غير متوافرة وكانت نية القتل قد نشأت لدى المتهمين أثناء المشاجرة وخلال لحاقهم به والاستمرار بطعنه وبالتالي هو رأى أنه لا مجال لإعمال المادة 242 (أي المتعلقة بثورة الغضب) في هذه القضية ولا موجب لتطبيقها على فعل المتهمين طالما أن المغدور لم يكن قاصداً عملية الصدم في هذا الحادث الذي وقع قضاء وقدر ولم يكن متعمداً ذلك ولم يأت إليهم من تلقاء ذاته غير أن هيئة المحكمة وجدت مخالفة المستشار المذكورة لا تأتلف مع حقائق الدعوى وأدلتها وخاصة أن فعل القتل تم في مكان وقوع الحادث نسبة إلى -الطعنة القاتلة- المرجحة في أسفل العنق من الخلف.
هذا وقد عللت هيئة المحكمة الحكم الذي صدر عنها -بالأكثرية- وليس بالاتفاق بالقول في معرض النقاش والتطبيق القانوني.أن اللحاق بالمغدور كان في ذات الوقت وبذات الدافع والانفعال، ولا يغير من الشدة النفسية التي تعرض لها المتهمون لدى مشاهدتهم أطفالهم مضرجين بدمائهم.
ملك خدام
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد