تأثير العامل الإسرائيلي على دبلوماسية خط بيروت-طهران
الجمل: تشهد العاصمة الإيرانية طهران حالياً فعاليات زيارة وزير الخارجية اللبناني علي الشامي إلى إيران. فما هي أهمية زيارة وزير الخارجية اللبناني إلى طهران؟ وما هي التداعيات الماثلة والموجهة لهذه الزيا رة على الوضع الداخلي والخارجي اللبناني؟
* دبلوماسية خط بيروت-طهران: تأثير العامل الإسرائيلي
تشير المعطيات التحليلية السياسية إلى أن حادثة الانتهاك العسكري الإسرائيلي الأخير ضد لبنان قد بدأت تلقي بالمزيد من التداعيات السلبية إزاء الترتيبات الإسرائيلية المتعلقة بلبنان. وفي هذا الخصوص، أثبت الإسرائيليون بأنهم الأكثر قدرة على دفع التفاعلات الشرق أوسطية الجارية في غير صالح إسرائيل:
- استهداف الإسرائيليين للجيش اللبناني دفع الجيش اللبناني هذه المرة إلى الدخول في اشتباك مسلح ضد الإسرائيليين بما أدى إلى اصطفاف المؤسسة العسكرية اللبنانية إلى جانب المقاومة المسلحة اللبنانية.
- سعي الإسرائيليين إلى معاقبة الجيش اللبناني عن طريق حرمانه من المساعدات العسكرية الأمريكية هو أمر لم يؤدِّ سوى إلى دفع المؤسسة العسكرية اللبنانية إلى البحث عن مصادر التسلح البديلة لأمريكا.
- سعي الإسرائيليين إلى الاستعانة بحلفائهم الأمريكيين والأوروبيين لجهة فرض المزيد من الضغط على السياسة الخارجية اللبنانية، هو أمر دفع المعنيين بشأن الخارجية اللبنانية إلى تعزيز الروابط مع السياسات الخارجية البديلة الأخرى.
من المتوقع أن تتزايد وتائر علاقات التعاون الثنائي على كل خطوط دبلوماسية بيروت-طهران، وهو أمر سوف لن يؤدي سوى إلى إضعاف موقف حلفاء إسرائيل اللبنانيين.
* الدبلوماسية اللبنانية: أبرز حسابات المخاطر والفرص
تأثرت توجهات الدبلوماسية اللبنانية كثيراً بسسب الترابط بين جدول أعمال السياسة الداخلية اللبنانية وجدول أعمال السياسة الخارجية اللبنانية. وبكلمات أخرى، فقد ظلت صراعات القوى السياسية اللبنانية تدور في جزء كبير منها حول رهانات كل طرف على اصطفافات السياسة الخارجية، وعلى خلفية ذلك، شهدت السنوات الخمس الماضية الآتي:
- تزايد توجهات قوى 14 آذار إزاء ضرورة الرهان على جدوى ملف العلاقات الأمريكية-اللبنانية والفرنسية-اللبنانية كوسيلة ذات جدوى وفعالية في تعزيز قدرات الدولة اللبنانية.
- تزايدت توجهات قوى 8 آذار إزاء ضرورة الرهان على جدوى ملف علاقات لبنان مع دول جوار الشرق أوسطي، وعلى وجه الخصوص سوريا، إيران وتركيا إضافةً إلى السعودية ودول الخليج العربي.على خلفية الانتهاكات والتهديدات الإسرائيلية المتزايدة، أصبح اللبنانيون أكثر إدراكاً لطبيعة الخطر الإسرائيلي المتجدد. إضافةً إلى ذلك، إدراك مدى ارتباط واشنطن وباريس بمفاعيل هذا الخطر، و في هذا الخصوص، فقد ظلت عملية صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية اللبنانية تعاني المزيد من الضغوط بواسطة واشنطن-باريس، وتجاوزت ذلك الأمر باتجاه تزايد تدخلات السفارة الأمريكية والسفارة الفرنسية في ملفات الشأن الداخلي السيادي اللبناني، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بدور وطبيعة العلاقة بين الحكومة اللبنانية وفصائل المقاومة الوطنية اللبنانية.
استقرت العلاقة بين الفرقاء اللبنانيين، واستقرت علاقات لبنان مع دول الجوار الإقليمي، ونجح الزعماء اللبنانيون في بناء واستعادة الروابط والعلاقات مع دمشق متجاوزين بذلك شروط مثلث واشنطن-باريس-تل أبيب التي ظلت تنظر إلى علاقات لبنان مع سوريا باعتبارها تمثل تابو، وعلاقات لبنان مع إيران باعتبارها تمثل التابو الآخر.
نجحت الدبلوماسية اللبنانية في كسر الحواجز وتجاوز الخطوط الحمراء التي تم وضعها بواسطة واشنطن وباريس وتل أبيب للساسة اللبنانيين. وكما هو واضح، فإن الدبلوماسية اللبنانية سوف تشهد في الفترة المقبلة المزيد من التحولات الاستراتيجية باتجاه استقرار لبنان ضمن بنيته الشرق أوسطية التي تمثل النطاق الجيو-سياسي اللبناني، والذي يصعب –إن لم يكن من المستحيل- تجاوزه مهما كانت براعة الطرف اللبناني الذي يمسك بزمام المبادرة والسيطرة في العاصمة بيروت.
* الدبلوماسية اللبنانية: تجاوز عقدة الردع الإسرائيلي
عندما انعقدت قمة بيروت الثلاثية التي جمعت الرئيس السوري بشار الأسد، الرئيس اللبناني ميشيل سليمان والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز فقد حلقت طائرات الجيش الإسرائيلي طويلاً عشية القمة في سماء العاصمة بيروت كمؤشر أول للردع الإسرائيلي، ولاحقاً بعد ذلك، وعلى خلفية تزايد أواصر الثقة بين القيادة السورية والزعماء السياسيين اللبنانيين، جاء الانتهاك العسكري الإسرائيلي كؤشرٍ ثانٍ للردع الإسرئيلي.
لم تتوقف ماكينة مؤشرات الردع الإسرئيلي ضد لبنان، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- تهديد لبنان بأن القوات الإسرائيلية سوف تقوم بتدمير كل المواقع العسكرية اللبنانية المتقدمة على طول خط الحدود الإسرائيلية-اللبنانية إذا تعرضت القوات الإسرائيلية لنيران الجيش اللبناني.
- إتهام اللبنانيين بأنهم سمحوا لفريق من الخبراء العسكريين الإيرانيين بإجراء جولة تفقدوا فيها مناطق الحدود الإسرائيلية-اللبنانية.
- الزعم الإسرائيلي القائل بأن المنطقة المحصورة بين الخط الأزرق وخط الحدود اللبنانية-الإسرائيلية هي منطقة سيادة إسرائيلية وبالتالي، فإن دخول أي طرف لبناني أو غير لبناني في هذه المنطقة يمثل بالنسبة للإسرائيليين انتهاكاً للسيادة الإسرائيلية، وبالتالي يجوز للقوات الإسرائيلية حق المبادرة في إطلاق النيران دفاعاً عن السيادة الإسرائيلية.
- تزايد الأصوات الإسرائيلية القائلة بأن على تل أبيب أن تحذر بيروت من مغبة التمادي، وذلك لأن الحرب الإسرائيلية القادمة ضد لبنان سوف تكون حرباً ذات طبيعة مختلفة.
التحركات الدبلوماسية اللبنانية الجارية حالياً، هي تحركات تمثل في حد ذاتها مؤشراً رئيساً لجهة احتمالات المزيد من التحولات في طبيعة وخصوصية قضايا وملفات السياسة اللبنانية. وعلى ما يبدو، فإن المحطة الإيرانية سوف تعقبها المحطة التركية بما يمكن أن يتيح صعود مربع: دمشق، بيروت، أنقرة وطهران، فهل يا تُرى سوف تسعى الرياض إلى كسر التابو الأمريكي والانضمام بحيث يتحول المربع إلى مخمَّس، أم أنها سوف تكتفي بالمراقبة والمتابعة عن كثب؟!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد