مسلسل 'وراء الشمس' هل يشكل علامة فارقة في الدراما السورية؟
من لعل الوقت لم يزل مُبكراً، بل هو مبكر جداً للحكم على الدراما السورية في موسمها الرمضاني 2010، الذي يُقدّم عبر ثلاثين عملاً متنوّعا ما بين التاريخي والاجتماعي المعاصر، كما أعمال البيئة الشامية والكوميديا، وصولاً إلى الأعمال الموجهة إلى القضية الفلسطينية، وأعمال السيرة الذاتية.
كذلك فإنّ متابعة كل تلك الأعمال مع بعضها وبشكلٍ ثابت يفوق قدرة أي مشاهد، لذلك تبقى الأيام الأولى فترة اختبار لهذه الأعمال، فالعمل الذي ينجح خلالها بكسب جمهور المشاهدين يربح في السباق الرمضاني بشكلٍ عام، وفي هذا الصدد يلعب وقت عرض المسلسل دوراً كبيراً، إلى جانب الإعلان الذي سبقه، وفي اغلب الأحيان يُضاف إلى هذين العنصرين أثر أسماء الممثلين المشاركين فيه وما ذيع عن قصته ومن هو مخرجه. في هذا المستوى جذب مسلسل 'وراء الشمس' جمهوراً حتى قبل بدء عرضه، والفضل يعود بالدرجة الأولى إلى ما كُتب عنه حول خصوصيّة القضية التي يتناولها العمل.
تبدأ شارة 'ما وراء الشمس' بصورة الممثل بسام كوسا ثم اسم العمل ومن ثمّ اسم المخرج سمير حسين، لتنطلق بعدها أسماء المشاركين، وأولهم صبا مبارك وباسل خياط، بمشاركة الفنانة ذات البصمة الخاصة منى واصف. مع إشارة خاصة إلى الشاب علاء الدين الزيبق (22 عاماً) المريض بما يُعرف بـ 'متلازمة داون' التي تعرف بالاسم الشائع 'منغوليا'، وهو يؤدي في العمل شخصيته الحقيقية، ويعرض لتلك الشريحة الواسعة من المرضى بهذه المتلازمة من ذوي الاحتياجات الخاصة.
من جهته يلعب الفنان بسام كوسا دور 'بدر' الأربعيني المُصاب بمرض التوحّد، يعيش بدر وحيداً مع والدته الفقيرة منى واصف التي تعمل عاملة تنظيف في أحد الحمامات، بعد أن هجرتهم أخته 'بدرية' ميسون أبو أسعد في محاولة منها للبحث عن حياة قد تكون أفضل. أمّا 'منى' صبا مبارك و'عُبادة' باسل خياط فهما زوجان يبدوان سعيدين بوضعهما الاجتماعي والمادي الجيّد، وبحبهما الذي انتهى إلى الزواج وبمولودهما المُنتظر. هذا المولود الذي سوف يُغيّر حياتهما إلى الأبد منذ لحظة وجوده الأولى. خاصة بعد أن كشفت التحاليل الطبية أنّ المولود القادم مُصاب بمتلازمة 'داون'، إذ يضعنا العمل أمام تساؤل خطير وقاسٍ ألا وهو حق 'الإجهاض'، وصراع الوالد العقلاني والأم العاطفية حول هذا المصير.
يتخلل المسلسل، كأي عمل آخر، مجموعة ضخمة من الفواصل الإعلانية، لكنّ ميزتها هنا أنها تبدأ وتنتهي جميعها بإعلانات توعية حول مرض التوحد. منها: 'أرى، ولا أراكم. أسمع، ولا أسمعكم. أعيش وحيداً بينكم. أعيدوني إليكم'. تتضمّن أرقاماً عن عدد الأطفال المصابين بهذا المرض، ونسبتهم بين الذكور والإناث، والأهم أنها تقول: قد يكون طفلك واحداً منهم. في ذات السياق تتعرّف 'منى' إلى ابن جيرانهم 'ماجد' علاء الدين الزيبق المريض بمتلازمة 'داون'. فبعد أن اكتشفت أنّ طفلها سيكون واحداً من الأطفال المريضين بهذه متلازمة تبدأ بالانتباه إلى ذلك المراهق، وتبدأ في محاولة دخول حياته والتعرّف إلى عالمه.
لم يقتصر الأمر في الحلقات الأولى من المسلسل على تعريفنا بالشخصيات والخطوط الدرامية الأساسيّة، بل تجاوزها إلى تأسيس مشهديّة فنية ودراميّة خاصة به. حتى أنّ كلا من بسام كوسا والشاب علاء الدين قدما مشاهد لا تنسى، نذكر منها 'ماجد' وهو يتصرّف بكل عفوية مع نادين التي تؤدي دور والدته، حين يمازحها قائلاً: (ماما فخامة.. ماما..). وكذلك نذكر واحداً من أصعب مشاهد العمل حتى الآن على الأقل، وذلك حين يقع مريضاً في الشارع، إذ بدا من الصعوبة بمكان لمس الفرق بين أدائه الصادق والقوي والمضبوط وبين ما يمكن أن يكون عليه الأمر في الواقع. وهنا تجدر الإشارة إلى الدورة التدريبية الخاصة بالتمثيل التي خاضها علاء الدين لقرابة الأربعة أشهر، بعد أن وقع عليه الاختيار من مئات المرضى. كذلك تجدر الإشارة إلى آلية العمل الطويلة والبطيئة التي اشتغل بها المخرج مع علاء، تماشياً مع شرطه الخاص الذي يبدو أنّ علاء قد نجح في تجاوزه مُقدماً أداءً فنياً سيبقى طويلاًُ في ذاكرة المشاهدين.
أمّا بسام كوسا الذي اشتغل على الأفلام والكتب والمراجع، مستعيناً بالأخصائيين الطبيين الذين استعانت بهم مجموعة العمل، بالإضافة إلى التعرّف إلى مرضى التوحد أكبر قدرٍ ممكن، فقد تفوّق في مشهد طويل على مستوى الزمن الافتراضي والذي يمتد من الليل إلى صباح اليوم التالي، كما في مستوى التصوير الذي يمتد حوالي الخمس دقائق. ألا وهو المشهد الذي يعود فيه 'بدر' من عمله ظهراً فلا يجد والدته، ليبدأ قلقه عليها وخوفه من وحدته واضطرابه بالتصاعد اضطراباً مع مرور الوقت، يبحث عنها في أرجاء المنزل الصغير القديم، يتناوب الدخول على غرفته والعودة إلى غرفتها علها تكون قد عادت من دون أن ينتبه، وينتهي به الأمر نائماً في سريرها، مُتكوّراً بوضعية الجنين، وهو يقول كلمة واحدة طوال هذا الوقت.. 'إمي.. إمي'.. في هذا المشهد يسرقنا بسام كوسا من أنفسنا إلى دوامة القلق والخوف التي يعيشها 'بدر' طوال هذا الوقت، وهو بمفرده يبحث عن الشخص الوحيد الذي كان سنداً له، الشخص الوحيد الذي يُحبه ويتكلم معه، ويمزح ويضحك معه، وكل هذا من خلال تعابير وجهه، حركة جسده وارتجافه، نبرة صوته، من دون الحاجة إلى الصراخ أو حتى الكلام.
هل السبب براعة الفنان بسام كوسا وحدها، وعمله المُتقن على الشخصية بكافة تفاصيلها الجسدية والنفسية وحتى الذهنية، أم يُضاف إلى هذا جهود طاقم العمل كلها من كاتب السيناريو محمد العاص إلى المخرج سمير حسين وباقي الفنيين؟ إنّ الجواب الوحيد الذي يضمن ألاّ يكون هذا العمل مُجرّد طفرة في سياق الدراما السورية، أن تأتي باقي الحلقات ومشاهده التي نأمل أن تكشف عن جهود جميع الممثلين والطاقم في تقديم عمق وغنى للأحداث التي سيعرضها العمل، وذلك عبر الجودة والجدّة في طرائق تقديم هذه المواقف إن كان للناحية الفنية، أو الأدائية أياً كانت مساحة الدور وأياً كان المؤدي، وهو ما لم نلحظه حتى الآن من ميسون أبو أسعد على سبيل المثال، إذ لم تزل تستخدم ذات العلامات التعبيريّة (الجسدية منها أو الصوتية) على اختلاف الحالات النفسية والدرامية التي تمرّ بها الشخصية. وإلا ظهر تعكيز العمل على براعة بسام كوسا وعلاء الدين الزيبق، وربما متانة الحبكة الدرامية لكاتب السيناريو وحساسيّة طرحها، من دون أن ينجح العمل في تشكيل علامة فارقة في الدراما السورية، والتي نأمل أن تكون قد وصلت إلى ذلك الحد من الخبرة والإمكانات يؤهلها لتأسيس منهج درامي خاص بها، على مستوى الأداء كما الإخراج وكتابة السيناريو وباقي العمليات من تصوير وإضاءة إلى تصميم الملابس وصولاً إلى المؤثرات الصوتية والبصرية.
بطاقة العمل:
المسلسل: وراء الشمس.
سيناريو: محمد العاص.
إخراج: سمير حسين
بطولة: بسام كوسا- علاء الدين الزيبق- منى واصف- صبا مبارك- باسل خياط- ثناء دبسي- نادين- سليم صبري- حسن عويتي- ضحى الدبس- ميسون أبو أسعد... وآخرون.
يارا بدر
المصدر: القدس العربي
التعليقات
شو بدك يا يارا بدر
إضافة تعليق جديد