حملة اعتقالات البحرين إلى أين؟
الجمل: برزت على سطح الأحداث المزيد من الوقائع التي تفيد لجهة تزايد مفاعيل ووتائر الصراع الداخلي البحريني-البحريني: فمل هي طبيعة هذا الصراع؟ وإلى أي مدى يمكن النظر إلى مفاعيل ومحفزات هذا الصراع باعتبارها انعكاساً داخلياً بحرينياً لظاهرة الانقسام الجاري حالياً على ضفتي مياه الخليج؟
* الجزيرة المضطربة: ماذا تقول المعلومات؟
تحدثت التقارير الإخبارية عن قيام السلطات البحرينية باعتقال أكثر من 20 ناشطاً سياسياً على خلفية اتهامهم بالتدبير لمحاولة الانقلاب على النظام الملكي وتقويض سلطة العائلة المالكة. ولكن، وبرغم ذلك، فقد تضمنت التقارير والتسريبات الإشارة إلى النقاط الآتية:
• الذين تم اعتقالهم في البحرين هم حصراً من أبناء الطائفة الإسلامية الشيعية.
• العديد من الذين تم اعتقالهم هم ناشطون سياسيون في البرلمان والحياة السياسية العامة.
• الذين تم اعتقالهم ظلوا خلال الفترة الماضية يطالبون بإجراء المزيد من الإصلاحات الدستورية والسياسية وبشكلٍ علني.
تأسيساً على هذه النقاط، فقد تزايدت الشكوك إزاء مدى مصداقية الأسباب التي تذرعت بها السلطات البحرينية لاعتقال هؤلاء الناشطين السياسيين الشيعة.
هذا، وبرغم أن السلطات البحرينية لم تقدم أي بيانات أو أدلة سوى الإعلان عن محاولة الانقلاب كذريعة للاعتقال، فإن المتوقع هو أن تسعى السلطات البحرينية إما إلى إطلاق المعتقلين أو تقديمهم للمحاكم، أو ربما –كما هو متوقع- أن تستمر عملية احتجازهم لفترة أطول، تحت ذريعة إجراء وإكمال التحقيقات والتحريات اللازمة.
* الصراع البحريني-البحريني: معطيات خبرة الأزمة
شهدت الساحة السياسية البحرينية العديد من جولات الصراع الداخلي، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الآتي:
- المرحلة الأولى: السيطرة السورية على جزيرة البحرين والتي امتدت لفترة 178 عاماً، وذلك عندما تقدم الآشوريون من منطقة الجزيرة السورية وفرضوا سيطرتهم على المنطقة والجزيرة من عام 681 ق.م إلى عام 707 ق.م.
- المرحلة الثانية: السيطرة الأخمينية الفارسية على جزيرة البحرين والتي استمرت أكثر من ثلاثة قرون كاملة، بدأت من القرن السادس وحتى القرن الثالث قبل الميلاد.
ظلت البحرين بعد هاتين المرحلتين تعبر عن مفهوم سياسي إقليمي يضم ما أطلق عليه الخبراء اسم «إقليم البحرين» والذي كان يشمل بالإضافة إلى جزيرة البحرين كل من منطقة البصرة الواقعة جنوب العراق وشط العرب إضافةً إلى ساحل الخليج الغربي بما في ذلك منطقة الكويت والإحساء والقطيف السعودية إضافةً إلى قطر وبقية الجزر الموجودة في منطقة الخليج العربي. وعلى هذه الخلفية، فقد ظلت البحرين تمثل مركزاً للمسيحية النسطورية ومكاناً للرهبنة، وبحلول عام 629م جاء الإسلام إلى البحرين، وبحلول مطلع القرن السابع الميلادي أصبحت البحرين أول دولة إسلامية في منطقة الخليج برغم بعدها عن مركز الدولة الإسلامية الموجود في المدينة.
في عام 899م حدث نزاع في البحرين استولى بموجبه القرامطة الإسماعيليون على البحرين وسعوا لإقامة مجتمع يقوم على العقل وتوزيع الملكية. وقد أدت دولة القرامطة إلى حدوث نزاع عابر للحدود في المنطقة استطاعوا فيه الاستيلاء على مكة والمدينة في عام 930م حيث قاموا بنقل الحجر الأسود إلى منطقة القطيف، هذا وقد استمر القرامطة في البحرين حتى تمكن العباسيون من هزيمتهم في عام 976م.
ظلت البحرين تمثل مركز الإشعاع الشيعي التاريخي في منطقة الخليج، وامتد تأثيرها التنويري الشيعي إلى منطقة القطيف السعودية وبقية الساحل السعودي الشرقي إضافةً إلى منطقة الخبر السعودية أيضاً، وحتى الآن يتميز سكان البحرين وهذه المناطق باستخدام اللهجة العربية التي يطلق عليها نمط «اللهجة البحرانية».
أدى هذا التكوين إلى تشكيل خلفية الصراع السياسي الذي ظلّ يترافق مع كل مراحل التاريخ السياسي البحراني المعاصر.
* محفزات الصراع البحريني
جاءت أسرة آل خليفة الحاكمة إلى البحرين في عام 1783م واستمرت في المنطقة حتى الآن، وخلال هذه الفترة ظلت البحرين تتمتع بالحد الأدنى من التعايش الديني-الطائفي الشيعي-السني، هذا وقد تم حفر أول بئر للنفط في البحرين عام 1932م. وبعد نيل البحرين لاستقلالها في شهر كانون الأول (ديسمبر) 1971 تجدر الإشارة إلى أن البريطانيين، وبرغم خروجهم، فبموجب اتفاق مع أسرة آل خليفة الحاكمة ظلوا يسيطرون على العديد من مفاصل ومرافق الدولة الحساسة مثل الأمن والمخابرات:
• في آذار (مارس) عام 1965 اندلعت انتفاضة في البحرين كانت تقودها بعض الجماعات اليسارية المنضوية تحت اسم الجبهة الشعبية لتحرير البحرين، ومعها جبهة التحرير الوطني البحريني، وكانت الجبهتان تطالبان بإنهاء الوجود البريطاني في البحرين، الأمر الذي أدى إلى قيام شركة بريتش بتروليوم بتشريد مئات العمال البحرينيين في 5 آذار (مارس) 1965م، وقد أدت أعمال العنف إلى قتل المئات في تلك الانتفاضة.
• استمرت الأوضاع حتى مطلع تسعينات القرن الماضي، حيث اندلعت انتفاضة أخرى، وكانت هذه المرة تتميز بطابعها الإسلامي، واستمرت بشكل متقطع طوال الفترة الممتدة بين عامي 1994-2000، وكانت تطالب بإجراء الإصلاحات السياسية الديمقراطية، وقد نظر المراقبون لهذه الانتفاضة باعتبارها أول انتفاضة في المنطقة العربية تجمع بين اليساريين والليبراليين والإسلاميين في تكتل واحد لجهة التأكيد على المطالب الدستورية والبرلمانية.
على أساس اعتبارات الخصائص السياسية العامة تبلغ مساحة البحرين 750 كم2 بعدد سكاني كلي يبلغ حوالي 800 ألف نسمة مع ناتج محلي إجمالي يبلغ في حده الأقصى 28.2 مليار دولار وفي حده الأدنى 20.1 مليار دولار مع متوسط دخل سنوي للفرد يبلغ حده الأعلى 27 ألف دولار وحده الأدنى 20 ألف دولار، وتعتبر البحرين من بين دول الخليج التي تعاني من ثنائية ارتباطية إقليمية مثيرة للاهتمام يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
- العائلة المالكة الحاكمة ومعها الأقلية السنية يرتبطون بشكل وثيق بالمملكة العربية السعودية والنخبة السعودية السنية الوهابية الحاكمة.
- الأغلبية العظمى من السكان المحليين هم من الشيعة ويرتبطون بشكل وثيق بالشيعة الخليجيين والشيعة العراقيين والإيرانيين.
خلال الحقب الماضية لم تكن هناك تنافرات عدائية إزاء صيغة توازن المصالح وقسمة السلطة والثروة في البحرين، فقد كانت الأزمات تتعلق بقضايا الإصلاح العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن لاحقاً، ومع صعود مشروع الهيمنة الأمريكية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، فقد بدأت صيغة توازن المصالح أكثر تنافراً، وأصبحت تنحدر يوماً بعد يوم نحو السياقات الأكثر عدائية، فقد أصبح الشيعة البحرينيون من أغلبية السكان ينظرون إلى الوجود العسكري الأمريكي المكثف في المنطقة، وعلى وجه الخصوص وجود القوات الأمريكية وتحديداً قيام السلطات البحرينية بالسماح للأسطول الخامس الأمريكي بالتمركز بالبحرين واستضافة المزيد من الوجود العسكري الأمريكي، قد أدت مجتمعة إلى جعل السكان الشيعة ينظرون إلى هذا الوجود باعتباره يستهدف ليس الشيعة الإيرانيين وحسب وإنما الشيعة الخليجيين والعراقيين، ولم يتوقف الأمر عند ها الحد، فقد أدى انخراط العائلة الحاكم البحرينية السنية مع مجموعة دول المعتدلين العرب في مواقفهم المعادية لمقاومة الشيعة اللبنانيين وتحديداً حزب الله اللبناني ضد القوات الإسرائيلية في عدوان صيف عام 2006 إلى المزيد من التوترات في علاقة النخبة الحاكمة البحرينية (إسلامية سنية) مع أغلبية القاعدة الشعبية العظمى البحرينية (إسلامية شيعية).
يقوم النظام السياسي في البحرين على وجود ملكية دستورية برئاسة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الذي يتولى منصب الملك، ويأتي بعده ولي العهد ابنه الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، أما منصب رئيس الوزراء فيتولاه خليفة بن سلمان آل خليفة، وهو الذي يباشر مهام السلطة التنفيذية، أما السلطة التشريعية فهناك برلمان يتكون من مجلسين هما المجلس الاستشاري (مجلس الشورى) ومجلس النواب، هذا، ويتميز البرلمان البحريني بصغر الحجم ومحدودية عدد الأعضاء:
• المجلس الاستشاري البحريني: يمثل الغرفة العليا ويتكون من 40 عضواً يتم تعيينهم حصراً بواسطة الملك.
• مجلس النواب: ويتكون من 40 عضواً يتم انتخابهم.
ونلاحظ أن مجلس البرلمان البحريني يتكون من اجتماع المجلسين، أي من الـ (80) عضواً، وهو المجلس المعني بإصدار القرارات النهائية، وبكلمات أخرى، يقوم مجلس النواب بإعداد التشريعات بينما يقوم مجلس المستشارين بمتابعة أداء أجهزة السلطة والدولة، وهو مجلس موالي للملك، وبكلمات أخرى أيضاً، عندما يجتمع البرلمان يكون هناك 50% من أعضاء البرلمان يمكن القول بأنهم أعضاء معينون حصراً بواسطة الملك، وهذا معناه، أن البرلمان لا يستطيع عملياً إصدار أي قرار لا يحظى بموافقة الملك المسبقة.
وتأسيساً على ذلك، فقد ظلت في البحرين حركة سياسية ناشطة في خوض الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب، وحالياً يوجد في البحرين 16 حزباً سياسياً يمكن تقسيمها ضمن الفئات المذهبية الآتية:
- الأحزاب الإسلامية: وهي حزب الإصلاح، حزب المنبر، حزب الوفاق، حركة الحق، حزب العمل الإسلامي، حزب الوفا الإسلامي إضافة إلى حركة الحرية البحرينية التي تتمركز حالياً في العاصمة البريطانية لندن
- الأحزاب العلمانية: وهي حزب الميثاق، حزب المنبر الديمقراطي التقدمي، حزب كتلة الاقتصاديين، حزب العمل الوطني الديمقراطي، حزب العدالة الوطنية وحزب التجمع الوطني الديمقراطي.
- الأحزاب المنشقة عن النظام الملكي: جبهة التحرير الوطني البحريني، الجبهة الشعبية لتحرير البحرين والجبهة الإسلامية لتحرير البحرين.
على أساس اعتبارات الصراع السياسي الانتخابي الداخلي، فقد جرت آخر جولة انتخابات في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 حول مقاعد مجلس النواب (40 مقعداً) وأيضاً انتخابات مقاعد البلديات، وقد أسفرت النتائج عن صعود أغلبية إسلامية شيعية في أوساط الرأي العام البحريني، وقد حدثت خلافات كثيرة حول مدى نزاهة ومصداقية نتائج الانتخابات بما أدى إلى حدوث حالة من الغليان والغضب في أوساط الرأي العام البحريني. ولكن، كعادة كل المجتمعات الخليجية، فإن حالة الغضب تم احتواءها بتقادم الزمن خاصة وأنها كخلافات سياسية، لم تكن مصحوبة بضغوط اقتصادية، فوجود عامل الثراء النفطي في البحرين، كما يرى العديد من المراقبين، قد خفف من مخاطر تداعيات ظاهرة الفقر.
الآن، هناك جولة انتخابية في البحرين يتوجب عقدها في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 القادم، وكما هو واضح، فإن أطراف الصراع الرئيسية في الساحة السياسية البحرينية وتحديداً النخبة السنية الحاكمة من جهة والأغلبية الشيعية المعارضة والتي يقودها حزب الوفاق البحريني الذي يمثل الفصيل الشيعي السياسي الرئيسي.
اعتقلت السلطات البحرينية أكثر من 20 ناشطاً سياسياً شيعياً، وفي حالة تزايد التوترات ومع اقتراب موعد الانتخابات فمن المتوقع أن تحدث المزيد من الاعتقالات، وهو أمر برأينا قد لا يفيد كثيراً بل ربما يؤدي إلى تعميق الأزمة، إن لم يكن إلى انفصام العلاقة بين القاعدة الشعبية الشيعية والنخبة الحاكمة السنية البحرينية. وفي هذا الخصوص، من الأفضل إن لم يكن من الأفضل جداً، أن تسعى السلطة في المنامة إلى تحقيق المزيد من التوازنات في مجالي السياسات الداخلية البحرينية والسياسات الخارجية البحرينية، وبكلمات أخرى، إذا لم تسعَ المنامة إلى تقليل روابطها مع واشنطن وتقليل الوجود العسكري-الأمني الأمريكي المكثف في البحرين، فإن الضغط الشعبي البحريني الرافض سوف يزداد، وإضافة لذلك، إذا لم تسع المنامة إلى إحداث المزيد قسمة السلطة والثروة عن طريق إشراك يحقق الانفتاح الأكبر من المشاركة للقاعدة في المناصب العليا، فإن الضغط الشعبي سوف يزداد أيضاً، ولما كانت الوقاية خير من العلاج، فإن الجميع في منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص في منطقة الخليج لا يتمنون أن تصبح البحرين بؤرة لإشعال فتنة الحرب السنية-الشيعية في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وهي الحرب التي سبق وأن سعت إسرائيل إلى إشعالها في لبنان وفشلت، وسعت أمريكا إلى إشعالها في العراق ومازالت تسعى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد