اجتماع وشيك في دمشق يمهّد لدخان أبيض في بغداد
تفيد المعلومات الواردة من أكثر من جهة معنية بملف تأليف الحكومة العراقية بأن الأطراف الداخلية والقوى الإقليمية توافقت على تسوية، وضعت اللمسات الأخيرة عليها الاثنين الماضي، ونقطة الانطلاق لعملية إخراجها ستبدأ بعد أيام قليلة من عيد الفطر، باستقبال الرئيس بشار الأسد لوفد من «دولة القانون»، للمرة الأولى علناً منذ الانتخابات العامة العراقية قبل نحو سبعة أشهر. وكان هذا الاجتماع مقرراً بعد ظهر الثلاثاء، لكنه أرجئ إلى ما بعد العيد لأسباب لوجستية.
وتفيد مصادر من شركاء السر في المفاوضات العراقية بأن «عقد هذا الاجتماع يعدّ حاسماً لتنفيذ الاتفاق. أي تطور يطرأ عليه، يعني أن هناك مشكلة استجدّت تستوجب جولة جديدة من الجهود»، وتضيف «لقد باركت سوريا الاتفاق. في النهاية، هي لاعب رئيسي في العراق».
بعد ذلك، يعقد التحالف الوطني العراقي بأعضائه الـ159 اجتماعاً يترشح فيه من يرغب لرئاسة الحكومة، على أن يُختار الفائز بغالبية الأصوات» المضمونة باتفاق مسبق للمالكي بين مكونات هذا التحالف»، علماً بأن هناك من يرجّح انسحاب عادل عبد المهدي من السباق، الذي يبدو شكلياً أكثر منه عملية اختيار لمرشح التحالف. انسحاب هيّأ أجواءه عبد المهدي شخصياً عندما أعرب علناً عن استعداده لخطوة كهذه قبل يومين.
ومعروف أنّ المشكلة الرئيسة داخل البيت الشيعي التي عرقلت الاتفاق على رئيس حكومة، خلال الفترة الماضية، كانت تصلُّب السيد مقتدى الصدر في رفضه للمالكي، بل حتى تملّصه من اتفاق موقّع مع دولة القانون في هذا الشأن.
لكن جهود الأسابيع الثلاثة الماضية و«المساعي الحميدة» التي شاركت فيها أكثر من جهة شيعية نافذة على المستوى الإقليمي، والضغوط التي مورست على مقتدى الصدر من جهات عديدة، بينها المرجعيات الشيعية، تحت عنوان أنّ «تصرفاته تهدد المصالح الاستراتيجية للشيعة في العراق والمنطقة»، قد أثمرت قبولاً صدرياً، انضمت إليه باقي مكونات الإئتلاف الموحّد، بمبدأ التجديد لنوري المالكي. ورغم التعتيم الذي تفرضه الشخصيات المطّلعة على هذا الاتفاق، على قلّتها، إلا أنّ المصادر تقاطعت على أنّ الاتفاق حصل على مجموعة من المبادئ، في مقدمتها وحدة الصف الشيعي، وأن يكون رئيس الحكومة العراقية المقبل حصراً من التحالف الوطني، وعلى قاعدة أن توزَّع المناصب بين مكوّنَيه، دولة القانون والائتلاف الموحد، على أساس أنّ من يأخذ منهما رئاسة الحكومة لا يحظى بأيّ من المناصب السيادية الأخرى والعكس صحيح (وهو ما حصل عندما اختير المالكي في ولايته الأولى) للحؤول دون الاستئثار بالسلطة، وعلى أن يكون رئيس الوزراء هذا شيعياً إسلامياً كي لا يُقال إن الإسلاميين فشلوا في الحكم.
أما بالنسبة إلى مقتدى الصدر، فقد حصل على وعود بالحصول على امتيازات وحصة أكبر من التي يستحقها تياره وفق النتائج الانتخابية التي حققها، كما حصل على «ضمانات بعدم استئثار المالكي بالسلطة». ومن المقرَّر أن تؤلّف لجنة مشتركة من التيار الصدري ودولة القانون، خلال الأيام القليلة المقبلة، بالتوازي مع بحث توزيع المقاعد الحكومية، من أجل الخروج بميثاق شرف أو وثيقة شراكة وطنية بين الجانبين، على ما تفيد المصادر نفسها.
مصادر من الدائرة الضيقة المحيطة بالمالكي أكدت حصول الاتفاق بالطريقة التي بيّناها في ما سبق، مشيرة إلى «أن هذا لا يعني أن دولة القانون لن تحظى سوى برئاسة الوزراء، لكن سيُعمل على إرضاء التيار الصدري بحصة مهمة». وأضافت أن «مسألة الحصص كانت القضية التي استغرقت الوقت الأكبر من الجهود. على سبيل المثال، طالب الصدريون بوزارة الداخلية، فقلنا مستحيل، كثير من الأطراف لن تقبل، في مقدمتهم الأكراد. الوزارات الأمنية يجب أن تُعطى لشخصيات يرضى عنها الجميع». وأوضحت، في ما يتعلق باللقاء الذي كان مقرراً الثلاثاء مع الأسد، فقد «أرجئ إلى ما بعد العيد بسبب تضارب في جدول مواعيد الجانبين».
في المقابل، فإن مصادر قريبة من المجلس الأعلى تنفي اكتمال الاتفاق، موضحة أن «كل ما جرى توافق مبدئي على مبدأ تقاسم السلطة ضمن التحالف على قاعد رئاسة الوزراء لمكوّن والمناصب للمكوّن الآخر»، وتضيف «العقدة في آلية انتخاب رئيس الوزراء ضمن التحالف. دولة القانون تطالب بأن يكون الفائز من يحصل على تأييد النصف زائداً واحداً، فيما يصرّ الائتلاف الموحد على الإجماع أو تأييد 80 في المئة في الحد الأدنى».
وفي السياق، كشفت مصادر من شركاء السر في هذا الاتفاق أن مقتدى الصدر أبلغ عادل عبد المهدي أن «لا مانع لديه في تولّيه رئاسة الحكومة شرط أن يحظى بموافقة دولة القانون وإيران على هذا الترشح الذي يجب أن يُبتّ ضمن الائتلاف لا في مجلس النواب، وقد أمهله 10 أيام لتحقيق ذلك»، تنتهي مع حلول العيد، اليوم. وتضيف «غير أنّ عبد المهدي يحاول تمديد هذه المدة لأسبوع أو أكثر، لكن لا يبدو أن هذا سيحظى بموافقة الصدر. وتؤكد المصادر نفسها أن هناك إجماعاً في صفوف الائتلاف والجهات التي تقف خلفه على ضرورة الحؤول دون أن تتولى القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي أي حقيبة أمنية في الحكومة المقبلة.
ويبدو أنّ الرهان الأخير لعلاوي لتحقيق حلمه بإعادة انتخابه رئيساً للوزراء، على ما تؤكد مصادر على علاقة مع أكثر من عاصمة إقليمية معنية بالملف العراقي، كان على الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للدوحة. هناك، في العاصمة القطرية، بادر أمير البلاد الشيخ حمد إلى مفاتحة الضيف الإيراني سائلاً عن فرص الموافقة على إياد علاوي تحت عنوان أنه يمثّل مدخلاً إلى المصالحة العربية مع العراق أو على الأقل إيجاد بديل من المالكي. جواب الرئيس الإيراني جاء، بحسب هذه المصادر، «حاسماً. رئيس الوزراء المقبل لا بد أن يكون من التحالف الوطني».
وتؤكد المصادر نفسها أنّ «جميع الأطراف العراقية والإقليمية المعنية قد أُبلغت من الجهات صاحبة المونة عليها باسم المالكي رئيساً للحكومة المقبلة». وتضيف أن «الأمور وصلت إلى حدّ أن نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن أبلغ رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، رداً على تشكيك الأخير في إمكان اقتناع علاوي بالانسحاب، ما مفاده أن: الحل عند السي آي إيه (وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية). إذا لم يقتنع، فإن الوكالة ستتولى هذه المهمة».
وتشدّد هذه المصادر، رداً على سؤال عمّا إذا كان التوافق على المالكي هو تكريس لشراكة أميركية ـــــ إيرانية في العراق، أنّ «أياً من الطرفين لم يكن لديه اعتراض على المالكي منذ البداية. صحيح أن كلاً منهما كان لديه مرشح يفضّله على المالكي، لكنهما لم يعارضاه يوماً. كان الأميركي لا يمانع توليه رئاسة الحكومة، لكن وفق تركيبة تجعل الشيعة ضعفاء. لقد سعوا منذ البداية إلى تركيب ائتلاف يجمع المالكي وعلاوي والأكراد. ما حصل هو أن الطرف المقابل، الإيراني ـــــ الشيعي، نجح في ضمان وصول المالكي وفق تركيبة الشيعة هم فيها المكوّن الأساس، والحاكم الفعلي الممسك بزمام السلطة، بوجود شريك كردي وآخر من العراقية».
وتلفت هذه المصادر إلى أن «السعودية تبدو المشاكس الوحيد هنا. لقد زارها عدد من الوفود العراقية الأسبوع الماضي، بطلب من الرياض، وحاول السعوديون أن يحرّضوا الزوار العراقيين للانقلاب على هذا الاتفاق. حتى الآن يبدو أن هذا التحريض لم يؤت ثماره».
شخصية عراقية مرموقة امتلكت من الخبث وخفة الدم ما مكّنها من أن تقول «إنه الإعجاز عن حق. الكل يجمع على الشخصية التي يرفضها الجميع في الداخل والخارج. نجح المالكي في فرض نفسه ضرورة على كل الأطراف. ليس واضحاً نجاحه بذلك بسبب صفاته الاستثنائية، أم لغياب البديل القوي».
مصادر عليمة بشؤون النجف وشجونها ترى أن «هذا الالتفاف من المراجع والأطراف الشيعية النافذة على مستوى المنطقة حول المالكي ينبع من كونه أثبت أنّه الشخصية الأقوى في الشارع الشيعي. يا رجل، حصل وحده على 89 مقعداً. كان سيحصل الأمر نفسه مع أي شخصية أخرى تحقق هذه النتائج. في النهاية لا يمكنك خوض سباق إلا بحصان قوي. هي القوة نفسها التي جعلت إيران تخوض معركة المالكي رغم تحفظاتها الكثيرة على أدائه خلال ترؤسه للحكومة السابقة. تراه الشخصية التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات المقبلة».
أما الولايات المتحدة، فترى، بحسب مصادر متابعة، في المالكي «الخيار الأسهل. كل همّها في الوقت الراهن استكمال الانسحاب وتطبيق الاتفاقية الأمنية التي وقّعتها مع المالكي. ومن أقدر منه على تنفيذها؟ يمتلك كل مقوّمات الحكم بأجهزته التنفيذية والأمنية، في النهاية الحكم استمرارية، يضمنها المالكي في الوقت الراهن».
الأوساط المقرّبة من المالكي ترى أن «المشكلة الأساسية بالنسبة إلى الإيرانيين أمنية بالدرجة الأولى، وتنحصر في تيار أساسي داخل القائمة العراقية شعاره الوقوف في وجه طهران التي كان همّها طوال الفترة الماضية الحؤول دون وصول القائمة العراقية إلى رئاسة الحكومة أو الحقائب الأمنية. تخيّل كياناً سياسياً معادياً على الحدود الإيرانية، هذا يهدد الوضع الاستراتيجي الإيراني». وأضافت «قد لا يكون إياد علاوي من هذا التيار، لكنه تيار قوي قدّم تعهدات لدول إقليمية بمحاربة إيران والوقوف في وجهها إذا ما استطاع بلوغ السلطة. بل أكثر من ذلك، لقد طالبت شخصيات من هذا التيار بإعادة الاعتبار إلى البعث ووقف اجتثاثه، وإطلاق سراح كل السجناء، حتى المحكومين منهم بالإرهاب، واعتبار (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين شهيداً». وتابعت «نُدرك أن كل الضغوط التي مارسها الإيرانيون من أجل ضمان بقاء المالكي، لم تكن حباً به. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأميركيين».
- وفي إشارة جديدة إلى قرب إعلان الاتفاق على التجديد لنوري المالكي لولاية حكومية ثانية، تلقّى رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، أمس، اتصالاً هاتفياً من نظيره السوري محمد ناجي عطري، وذلك للمرة الأولى منذ القطيعة بين البلدين، الصيف الماضي. وأوضح بيان حكومي عراقي أنّ «المالكي تلقّى اتصالاً من رئيس الوزراء السوري محمد عطري، بحثا خلاله العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وسبل تطويرها على الصعيدين السياسي والاقتصادي». وأكّد الجانبان «ضرورة العمل خلال المرحلة المقبلة على تنمية علاقات البلدين بما يحقق المصالح العليا للشعبين». وكانت علاقة المالكي بدمشق قد شهدت أسوأ أزمة في الصيف الماضي، عندما اتّهمت الحكومة العراقية، سوريا، بإيواء مخطّطي سلسلة تفجيرات عنيفة ضربت بغداد.
إيلي شلهوب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد