نتائج الانتخابات السويدية والمكاسب الإسرائيلية المتوقعة
الجمل: ظلت الأوساط السياسية الشرق أوسطية أقل اهتماماً بالتطورات الجارية في الشمال الأوروبي وتحديداً البلدان الإسكندنافية، وبرغم ذلك تقول التقارير والمعلومات بأن الشرق الأوسط أصبح يشكل واحداً من الملفات الهامة في عمليات الاستقطاب السياسي، فالانتخابات العامة السويدية أصبحت نتائجها المتوقعة أكثر عرضة للتأثر بمدى مواقف القوى السياسية السويدية إزاء ملفات الشرق الأوسط: فما هي طبيعة الصراع السويدي؟ وإلى أي حد سوف تلعب نتائج الانتخابات السويدية العامة دوراً لجهة التأثير في مفاعيل تأثيرات العامل الإسرائيلي إزاء السياسة الخارجية الأوربية الشرق أوسطية والسياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية؟
* المسرح السياسي السويدي: ماذا تقول المعلومات والوقائع الجارية؟
شهدت الساحة السياسية السويدية انعقاد جولة الانتخابات البرلمانية العامة يوم أمس الأحد الموافق 19 أيلول (سبتمبر) 2010م، وبحلول تباشير صباح اليوم ظهرت نتائج الانتخابات على ضوء فرز ما نسبته 98% من الأصوات على النحو الآتي:
• 173 مقعداً حصل عليها تحالف يمين الوسط الحاكم بزعامة رئيس الوزراء السويدي فريدريك راينفيلديت.
• 156 مقعداً حصل عليها تحالف يسار الوسط المعارض بزعامة منى شاهلين زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي.
• 20 مقعداً حصل عليها حزب الديمقراطيين السويديين.
أبرز الملاحظات على نتائج الانتخابات العامة السويدية يتمثل في الآتي:
- انقسام الرأي العام السويدي ضمن ثلاثة كتل رئيسية: تحالف يمين الوسط، تحالف يسار الوسط، تحالف اليمين المتطرف.
- عدم وجود أي طرف قادر على تشكيل الأغلبية داخل البرلمان.
- حصول قوى اليمين المتطرف على عدد أكبر من المقاعد، بما يمكنها من الدخول لأول مرة في تاريخها إلى ساحة البرلمان السويدي.
أسفرت نتيجة الانتخابات العامة السويدية عن صعود صيغة جديدة لتوازن قوى برلماني سوف تنطوي تداعياته على المزيد من الصراعات الممتدة، والتي من الصعب التغلب عليها إلا بتقديم المزيد من التنازلات المؤلمة.
* سردية اليمين المتطرف السويدي: حصان طروادة الإسرائيلي الجديد
تقول المعلومات والتسريبات، بأن حزب الديمقراطيين السويديين الذي يمثل اليمين المتطرف السويدي قد حصل على دعم كبير للغاية بواسطة الجماعات اليهودية واللوبيات الإسرائيلية، وجماعات المسيحية الصهيونية التي تمثل الكنيسة البروتستانتية السويدية أحد معاقلها، إضافةً إلى الدعم الأمريكي المباشر وغير المباشر.
درجت حركات وقوى اليمين المتطرف الأوروبية على معاداة الجماعات اليهودية وجماعات اللوبي الإسرائيلي، ولكن ما هو مثير للانتباه في حالة اليمين المتطرف السويدي هذه المرة يتمثل في الآتي:
- تركيز اليمين المتطرف السويدي على إثارة نعرات العداء المتشدد ضد العرب والمسلمين.
- تجاهل اليمين المتطرف السويدي الكامل هذه المرة إزاء إبداء أي قدر من العداء للجماعات اليهودية وجماعات اللوبي الإسرائيلي.
بكلمات أخرى، تشير المعطيات الجارية إلى انخراط قد كبير من الجماعات اليهودية السويدية في دعم قوى اليمين المتطرف السويدي، وهو أمر يحمل في حد ذاته أكثر من دلالة:
• هل المقصود تعزيز وزن اليمين المتطرف السويدي بما يؤدي إلى خلق كتلة سياسية تقوم بدور الطرف الثالث داخل البرلمان السويدي، وضمن حجم برلماني يتيح لهذا اليمين تفعيل قدراته في الابتزاز السياسي لأي حكومة سويدية قادمة.
• هل المقصود بناء حركة يمينية متطرفة سويدية ضمن مذهبية جديدة تستبدل نزعة العداء للجماعات اليهودية وجماعات اللوبي الإسرائيلي بنزعة العداء ضد العرب والمسلمين، وذلك ضمن نموذج يشكل نقطة البداية التي سوف تنتقل عدواها إلى البلدان الإسكندنافية الأخرى ثم إلى بقية بلدان وسط وجنوب أوروبا، بحيث تصبح قوى اليمين المتطرف الفرنسي والألماني والإيطالي والبريطاني والإسباني والبولوني قوة مضافة لصالح كفة يمين الوسط الأوروبية التي تسيطر عليها الجماعات اليهودية وجماعات اللوبي الإسرائيلي.
تعود سردية اليمين المتطرف السويدي المعاصر إلى عام 1988، عندما تم تأسيس حزب الديمقراطيين السويديين، والذي وصف مؤسسوه نفسهم بأنهم حركة قومية اجتماعية سويدية، واستمر هذا الحزب كسائر بقية الحركات والأحزاب السياسية السويدية الصغيرة، التي لا يتوافر لها الحصول على نسبة الـ4% من أصوات الناخبين المقررة لجهة تحقيق ملاءة وأهلية الدخول إلى البرلمان. ولكن، وبحلول عام 2008، أشارت تحليلات استطلاعات الرأي العام السويدي إلى أن شعبية الحزب قد ارتفعت إلى حوالي 4.4% خلال شهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) 2008، ثم تقدمت هذه الشعبية حيث وصلت بحلول آذار (مارس) 2010 إلى 7.6%، ثم تقدمت مستويات هذه الشعبية أكثر فأكثر وبحلول انتخابات الأمس، فقد استطاع الحزب أن يحصل دفعة واحدة على 20 مقعداً في البرلمان السويدي على خلفية قوة تصويتية وصلت إلى 322 ألف صوت، وهو عدد كبير بالنسبة لقوة يمينية متطرفة حديثة النشأة مقارنة بإجمالي عدد الناخبين البالغ قدره 7.2 مليون سويدي.
* الشرق الأوسط ومأزق السياسة السويدية الجديدة
سوف تشهد الساحة السياسية السويدية خلال الأيام القادمة جولة مناورات وحراك سياسي، وذلك للأسباب الآتية:
• توجد ثلاثة خيارات لتشكيل الحكومة الجديدة:
- أن تتحالف كتلة يمين الوسط مع كتلة اليمين المتطرف.
- أن تتحالف كتلة يسار الوسط مع كتلة اليمين المتطرف.
- أن تتحالف كتلة يمين الوسط مع كتلة يسار الوسط.
• تتميز كتلة اليمين المتطرف بالتشدد لجهة رفضها الكامل إزاء تقديم أية تنازلات.
حالياً، تقول المعلومات والتسريبات بأن زعماء كتلة يمين الوسط وكتلة يسار الوسط قد أكدوا على عدم رغبتهما في عقد أي تحالفات مع كتلة اليمين المتطرف، وقد فسّر المراقبون والمحللون هذا الأمر على أساس اعتبارات أنه مؤشر يفيد لجهة صعود ائتلاف حكومة وسط تتكون وفق برنامج وسط يجمع بين قوى يمين الوسط وقوى يسار الوسط. ولكن الخطر الأكبر سوف يتمثل هذه المرة في انفراد قوى اليمين المتطرف السويدي بالمعارضة داخل البرلمان، الأمر الذي سوف يفسح المجال واسعاً أمام قوى التطرف لكي تقوم بتعبئة الرأي العام السويدي تمهيداً للانتخابات العامة القادمة، أو ربما لانتخابات مبكرة إذا اختلفت قوى يمين الوسط مع قوى يسار الوسط، وانهار الائتلاف الحاكم المتوقع.
ظاهرة صعود قوى اليمين المتطرف السويدي سوف تلقي بظلالها على توجهات السياسة الخارجية السويدية الشرق أوسطية والتي ظلت خلال السنوات الماضية أكثر اعتدالاً، وقد أثر هذا الاعتدال في توازنات المواقف داخل الاتحاد الأوروبي، بما انعكس مردوده على المواقف الأوروبية التي أثارت حفيظة الإسرائيليين، وعلى وجه الخصوص في حرب صيف عام 2006، وفي عملية الرصاص المسكوب ضد قطاع غزة، وأيضاً في العملية العسكرية الإسرائيلية ضد سفن قافلة الحرية لكسر الحصار ضد قطاع غزة، وإضافةً لذلك، فقد ظلت منظمات المجتمع المدني السويدية والإسكندنافية تلعب دوراً كبيراً في العمل من أجل تفعيل ملفات الملاحقات القضائية للزعماء الإسرائيليين. فهل يا ترى سوف تشهد صعود اليمين المتطرف السويدي على خلفية الدعم الأمريكي-الإسرائيلي، أم سوف تشهد نحر هذا اليمين المتطرف على يد منظمات المجتمع المدني السويدية والإسكندنافية؟ حتى الآن تبدو الإجابة غير واضحة بالشكل الكافي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد