يوم في حياة سائق إسعاف في مقديشو
حسن محمود محمد سائق، لا يقود شاحنة أو سيارة أجرة، إنما يقود سيارة إسعاف في الصومال.
كان محمد قد استغلّ هدوءاً وجيزاً وسط القتال العنيف في مقديشو ليغسل الدماء عن السيارة ذات المربعات الخضراء والصفراء، عندما تلقى نداء استغاثة، فإذا به يصرخ للصبي الذي لم يكن قد انتهى من غسلها «توقف، سأعود لاحقاً».
منذ 20 عاماً، وسائقو الشاحنات وسيارات الإسعاف، أمثال محمد، يعرّضون حياتهم للخطر، في كل مرة يهبون لنجدة جريح، أصيب بقذائف الهاون أو المدفعية أو حتى النيران العشوائية التي لا تهدأ في سماء هذه المدينة الساحلية. ومنهم من دفع حياته ثمناً للمهمات الإنسانية.
وبدأت منظمة «مقديشو لخدمة إسعاف شريان حياة افريقيا»، التي أسستها شركة اتصالات بمساعدة تبرعات صومالية، عملها قبل سنتين، وهي تضم سبع آليات للإنقاذ في مقديشو، و11 موظفا غير مدرب يجنون 100 دولار كراتب شهري.
قبل تأسيس المنظمة، كان الجرحى يموتون حيث يسقطون، أو خلال نقلهم إلى المستشفى. أما الآن، فباتت فرص إنقاذ الجرحى أكبر، بفضل المنظمة، التي تواجه بعض الصعوبات، بما أن الدولة تشتبه في أن تكون تابعة لمسلحين ينوون مهاجمتها.
وزادت ريبة السلطات الصومالية إزاء المنـظمة، عندما حصلت الأخيرة على آليتين من تنظيم معاد للدولة. هذه الريبة يدفع ثمنها «جرحى كثر يموتون على الحواجز التي توقف سيارات الإسعاف»، حسبما قال مدير المنظمة علي موس.
ومحمد ليس استثناء. وعندما وصلت سيارة الإسعاف التي يقودها إلى نقطة تفتيش تابعة للدولة، صوّب جندي سلاحه نحو الآلية قائلا «هل هذه سيارة إسعاف حقيقية أم سيارة للانتحاريين؟». لم يسمح له بالمرور إلا بعد أن جعله ينتظر لعشر دقائق.
وصل محمد إلى موقع الحادث، لكنه وصل متأخراً، جداً. بالكاد تسنى له سماع تنهدات الطفل الأخيرة، يقطعها نحيب أم ثكلى، تعاتب محمد، مات ابنها ذو السنوات العشر. غادر محمد المكان بعد أن تأكد أنه ما من جرحى فيه.
يصادف السائقون، كما محمد، مواقف فوضى وذعر. هدفهم نقل الجرحى لإنقاذ حياتهم، لكن حشوداً من الجيران والأقارب يقومون بإقحام الجثث داخل السيارة حيث يصل عدد الناس في السيارة إلى ستة بينما هي مجهزة لنقل اثنين فقط.
وقال محمد حسين «ترى الناس في حالة جنون، الكل يريد إنقاذ من هو عزيز على قلبه، فيصعب أحياناً تمييز الجريح من الجثة».
وبعد أن غادر محمد موقع الحادثة، وصله نداء استغاثة جديد من سوق البركة، معقل حركة «الشباب المجاهدين»، وهو حي شديد الخطورة للصحافيين، بحيث اضطر محمد إلى الطلب من الصحافي والمصور اللذين يرافقانه، الترجل من السيارة وانتظاره ريثما يعود.
ثم عاد محمد بعدما أخّرته القوات الصومالية كالعادة، حاملاً امرأة جسدها مخضب بالدماء تئن من الوجع، كانت في السوق لشراء الطعام لأطفالها.
يعمل فريق الإنقاذ 24 ساعة على 24، حتى حدود الإرهاق. ويتمنى موس لو يحصل فريقه على تدريب لائق، وأن يحصل على معدات أفضل «صدقوني، نحن سعداء لأننا قادرون على إنقاذ الجرحى». وهي مهمة تصبح أصعب عندما يحل الليل ويشتد القتال.
ويقول السائق عبدالله أحمد إنه يحب عمله، لكنه يشتكي من الاضطراب النفسي الذي يسببه له. إذ ما «نكاد أن نغسل الدماء عن أيدينا، حتى تدوي صفارة الإنذار. يومض الضوء.. وننطلق، نلملم الأشلاء أو من بقي في الميدان حياً جريحاً».
وذكرت جمعية «ألمن» لحقوق الإنسان أن 185 شخصاً قتلوا الشهر الماضي، وكان العدد ليكون أكبر لو لم تقم مؤسسة مقديشو التي يديرها موس بإنقاذهم.
المصدر: أ ب
إضافة تعليق جديد