«الأطلسي» سيتولى حرب ليبيا بغطاء عربي أوسع
اقترب حلف شمال الأطلسي من الدخول في حملة عسكرية جديدة تضاف إلى سلسلة طويلة من حروبه الدموية، التي كان آخرها في أفغانستان، بعدما وافق الغربيون، من حيث المبدأ، على انخراط «الناتو» في عملية فرض الحظر الجوي فوق ليبيا، بانتظار الاتفاق على هيكل هذا التدخل، لجهة تحديد المهام القيادية على المستويين العسكري والسياسي، في وقت بدا أن الغربيين قد انتقلوا إلى مرحلة أكثر تقدماً من هجومهم على نظام الرئيس الليبي معمر القذافي، إذ بدأت طائراتهم، ابتداء من فجر يوم أمس، بشن الغارات على قواته البرية، إثر التأكد من تدمير قدراته الجوية، وهو ما ترجم بهجمات جوية وصاروخية استهدفت المدن الليبية التي تحتدم فيها المعارك بين الثوار والكتائب الأمنية التابعة للنظام.
وقال مساعد القائد العملاني الأميركي الأميرال جيرارد هوبر إن قوات التحالف الغربي تشن غارات جوية في ليبيا على قوات القذافي التي تهاجم مدن أجدابيا ومصراتة والزاوية، وذلك لإرغامها على الانكفاء، موضحاً أن طائرات التحالف «تضغط على القوات البرية التي تهدد المدن».
ورداً على أسئلة الصحافيين عما إذا كان ذلك يعني ضربات جوية، أجاب هوبر، الموجود على متن السفينة الأميركية «ماونت ويتني» قبالة سواحل ليبيا، بـ«نعم»، موضحاً أنه «بهدف حماية السكان المدنيين، وبالاتفاق مع شركائنا في التحالف، نحن نهاجم قوات القذافي التي تهاجم المراكز السكنية وتضغط عليها».
لكن الأميرال الأميركي تجنب الإجابة عن سؤال عما إذا كان يمكن أن تستهدف هذه الضربات قوات القذافي داخل هذه المدن، مكتفياً بالقول إنه «ينبغي على قوات القذافي أن تنسحب من مصراتة واجدابيا والزاوية».
وكانت غارات غربية قد استهدفت مواقع لقوات القذافي على مشارف مصراتة (200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس) وداخلها. وقال متحدث باسم الثوار في المدينة إن «قوات التحالف شنت غارات مكثفة على مواقع لقوات القذافي وألحقت بها خسائر فادحة». وأضاف «أمضينا خمسة أيام صعبة. كنا على حافة اليأس. إنها مبادرة مشجعة من التحالف وعليهم أن يواصلوا قصف قوات القذافي»، مشيراً إلى أن «الهدوء ساد المدينة اليوم (أمس)، ولم يعد هناك سوى قناصة يترصدون السكان... وإذا واصل التحالف غاراته والتشويش على اتصالات قوات القذافي، فسنطرد القناصة من المدينة في غضون ثلاثة أيام». واعتبر المتحدث أنه «يجب ألا تتوقف الغارات... يجب استهداف طرق إمداد هؤلاء القتلة، وخصوصا في زليتان (غرب) وبني وليد (جنوب)»، مشيراً إلى أن «الأمر يحتاج إلى ثلاثة أيام من دعم (التحالف الغربي) قبل تحرير مصراتة مجددا».
في هذا الوقت، واصلت كتائب القذافي قصفها لمدينة الزنتان (90 كيلومتراً جنوبي غربي طرابلس). وقال أحد السكان إن المدينة تشهد وضعاً سيئاً حيث إنها محاصرة من جانب كتائب القذافي التي تتلقى تعزيزات بقوات مدعومة بالدبابات والمركبات. وكان الثوار قد نجحوا في وقت سابق في تطهير غابة الكشافة الواقعة شرقي المدينة، كما نجحوا في صد محاولة دخول قوات القذافي من الجهة الشمالية.
كذلك، هاجمت كتائب القذافي منطقتي جالو وأوجلا جنوبي غربي ليبيا بثمانين آلية محملة بالأسلحة, وتمكنت من اعتقال 15 شخصا بعد مواجهات مع الثوار.
ووقع انفجار كبير في قاعدة للقوات البرية الليبية تبعد 32 كيلومتراً إلى الشرق من طرابلس. وقال شهود عيان إنهم شاهدوا ألسنة اللهب ترتفع من القاعدة العسكرية التي تقع في منطقة تاجوراء، وهي من أبرز المناطق التي شهدت تظاهرات مناهضة للقذافي منذ بدء «ثورة 17 فبراير»، علماً بأن القاعدة العسكرية المذكورة سبق أن تعرضت للغارات في اليوم الأول من العمليات العسكرية ضد ليبيا يوم السبت الماضي.
أما في الشرق، فاحتدمت المعارك بين الثوار وقوات القذافي قرب اجدابيا (160 كيلومتراً إلى الجنوب من بنغازي)، دافعة بالسكان إلى الفرار من هذه المدينة المحورية في شرقي ليبيا. وتمكن الثوار الليبيون من تدمير دبابتين تابعتين لكتائب القذافي قرب أجدابيا، كما نجحوا في قتل عدد من جنود الكتائب التي تحاصر المدينة. وحتى مساء يوم أمس كان الثوار يحاولون منذ أمس فك الحصار المفروض على المدينة عبر التقدم نحو المدخل الشرقي لها، في حين تحاول كتائب القذافي التمسك بمواقعها لقصف الثوار بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ. وقال شهود عيان إن معارك دارت في مدخلي المدينة الشرقي والغربي، بينما سيطر الثوار على مدخل المدينة المؤدي إلى طبرق في الشرق.
الدفاعات الليبية
في هذا الوقت، قال نائب الماريشال الجوي البريطاني غريغ باغويل إنه تم تدمير القوات الجوية التابعة للقذافي، وانها «لم تعد موجودة كقوة مقاتلة». ونقلت شبكة «بي بي سي» عن باغويل قوله إن قوات التحالف تستطيع العمل حاليا «من دون مواجهات تقريبا» في الأجواء الليبية، وانها تقوم بتنفيذ «ضغط مستمر» على القوات المسلحة الليبية. وأضاف «نحن نحرس الأشخاص الأبرياء في ليبيا ونضمن حمايتهم من الهجوم... ونراقب القوات البرية الليبية باستمرار ونهاجمها عندما تهدد السكان المدنيين أو تهاجم مراكز سكانية».
بدوره، أكد متحدث باسم الجيش الأميركي أن الدفاعات الجوية الليبية أصبحت شبه عاجزة الآن، وأن الطائرات من دون طيار يمكنها التحليق بحرية والقيام بجميع المهمات المطلوبة.
- في هذا الوقت، واصلت الدول الغربية مشاوراتها للتوصل إلى تسوية تضمن تكليف حلف شمال الأطلسي مهمة تنفيذ حظر الطيران فوق الأجواء الليبية. وتواصلت اجتماعات سفراء الدول الأعضاء في الحلف لليوم الثالث على التوالي، لكن الخلافات استمرت بشأن تطبيق قرار الحظر الجوي، وحماية المدنيين في ليبيا، ومدى ضرورة توسيع العمليات العسكرية.
وذكرت مصادر دبلوماسية في بروكسل أن سفراء دول الناتو فشلوا مجدداً في التوصل إلى اتفاق حول تسلم مهمات قيادة العمليات العسكرية من الولايات المتحدة، لكنها أوضحت أن مساعيَ جدية تبذل لرأب الصدع، متوقعة صدور قرار بهذا الشأن خلال مباحثات جديدة تعقد اليوم.
وكانت باريس وواشنطن قد أعلنتا التوصل إلى اتفاق حول دور حلف شمال الأطلسي في التحالف، لكنهما أعلنتا عنه بشكلين مختلفين. وأشار البيت الأبيض إلى أن حلف الأطلسي سيقوم بدور مهم في قيادة مهمة ليبيا لكنه أوضح أن الهيكل المحدد ما زال قيد النقاش بين الحلفاء، فيما قال وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه ان حلف شمال الأطلسي لن يتولى «القيادة السياسية» للتحالف الدولي في ليبيا لكنه سيتدخل «كأداة تخطيط وقيادة عملانية»، موضحاً أن القيادة السياسية ستوكل إلى لجنة تضم وزراء خارجية دول مشاركة في التدخل والجامعة العربية.
وفي تطور جديد، قال المسؤول العسكري في الحلف الأطلسي بيير سانت اماند إن تركيا وفرت أربع فرقاطات وغواصة بحرية وسفينة احتياط لفرض حظر بحري على تصدير الأسلحة لليبيا. وأوضح أن سفينة قيادة ومراقبة إيطالية تتقدم المهمة، مضيفاً أن سفن الحلف مصرح لها باستخدام القوة لفرض الحظر، مشيراً إلى أن الدول الأخرى المشاركة في المهمة البحرية تشمل كندا وأسبانيا وبريطانيا واليونان وإيطاليا والولايات المتحدة.
في المقابل، قال متحدث باسم البحرية الألمانية إن كل السفن الحربية الألمانية في مياه المتوسط، التي تخضع لقيادة الحلف الأطلسي أعيدت للقيادة الوطنية، مشيراً إلى ان الأمر ذاته ينطبق على طائرات الإنذار المبكر «أواكس»، بحيث إنه لم تعد تخضع لقيادة الناتو الآن. ويعود السبب إلى أن ألمانيا تعهدت بعدم المشاركة في أي عمليات عسكرية ذات علاقة بقرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بليبيا.
- من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن الكويت والأردن وافقا على تقديم الدعم اللوجستي كمساهمة في الجهود الدولية المتعلقة بالعمليات الدائرة في ليبيا، لكنه لم يقدم أي تفاصيل أخرى حول طبيعة هذا الدعم اللوجستي.
وكان مسؤول عسكري أميركي قد أشار إلى أن العديد من الدول العربية ما زالت تعيد صياغة خططها لدعم العملية العسكرية، مضيفاً أن إدارة الرئيس باراك أوباما لديها «قناعة بأننا سنلقى دعماً واسعاً، بكل الأشكال».
وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إنها تتوقع ان تعلن دول عربية أخرى في الايام المقبلة عن المشاركة في العمليات العسكرية في ليبيا، مضيفة «أنا مسرورة من المشاركة العربية».
وفي وقت سابق كشف قائد عسكري إماراتي أن سربي طائرات جاهزان للانتشار خلال 48 ساعة، للمشاركة في المهمة الدولية في ليبيا، لتكون بذلك الدولة العربية الثانية التي أبدت استعدادها للمشاركة في تنفيذ قرار الحظر الجوي على ليبيا، إلى جانب قطر.
- يأتي ذلك، فيما أعلن جوبيه أن وزراء خارجية الدول الغربية المشاركة في الائتلاف الغربي ضد ليبيا سيجتمعون في لندن يوم الثلاثاء المقبل. وقال جوبيه أمام البرلمان «أخذت المبادرة مع زميلي البريطاني لنجـــمع في لنــدن يوم الثلاثاء المقبل مجموعة اتصال تضم كل الــدول (في الائتلاف) بالإضافة إلى الاتحــاد الأفريــقي والجامعة العربية والــدول الأوروبية المعــنية».
من جهته، شدد وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ، على أهمية ان تتحرك المجموعة الدولية بطريقة «منسقة وموحدة»، مشيراً إلى أن ان اجتماع مجموعة الاتصال في لندن «سيستعرض تطبيق قراري مجلس الأمن 1970 و1973» حول ليبيا. وأضاف أن «الحاجات الانسانية للشعب الليبي ووسائل دعم تطلعاته إلى مستقبل أفضل» ستناقش أيضا خلال الاجتماع، معتبراً أنه «من الأهمية بمكان ان تواصل المجموعة الدولية تحركها بطريقة موحدة ومنسقة».
-وفي القاهرة، قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، الذي بدأ زيارة لمصر، انه لا جدول زمنياً لنهاية العمليات التي أقرها مجلس الأمن الدولي في ليبيا. وأوضح غيتس أن «مجلس الأمن الدولي لم يحدد مهلة لمنطقة الحظر الجوي، ولذلك أعتقد انه لا جدول زمنياً لنهاية العملية»، مشيراً إلى أن أحداً لا يستطيع التكهن بنتيجة ما يحدث في ليبيا.
وقال غيتس إن الليبيين هم الذين سيحسمون أمور بلادهم في نهاية المطاف، موضحاً «يتراءى لي أنه إذا كانت هناك وساطة (بين القذافي والثوار)، وإذا كان هناك دور ينبغي القيام به... فسيكون بين الليبيين أنفسهم. وهذا الأمر هو في النهاية ينبغي أن يحسمه الليبيون، فهذه بلادهم»، لكنه أشار إلى أنه غير واثق من أنه ستكون هناك أي فائدة من محاولة جمع المعارضين والقذافي في محادثات.
(أ ف ب، رويترز، اب، د ب ا، أ ش أ)
إضافة تعليق جديد