ملامح برنامج «نفط مقابل غذاء» لليبيا و«الأطلسـي» نحـو قيـادة الهجـوم
كثف التحالف الغربي ضد ليبيا، أمس، هجماته على ليبيا وقوات العقيد معمر القذافي، في اليوم السادس من عملياته، إذ شن ضربات جوية جديدة في طرابلس ومحيطها وغارات مكثفة على معقل قبيلته في سبها في جنوب البلاد، قبل تسليمه مهامه إلى الحلف الأطلسي حسبما أكد وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو، في وقت ما زال الوضع الميداني يراوح مكانه مع إخفاق الثوار في إحداث خرق في مدينة اجدابيا ذات الأهمية الإستراتيجية في الشرق، وفشل قوات القذافي في استعادة السيطرة على مدينة مصراتة في الغرب، ما يعزز المخاوف من احتمال تكرار إجراءات الحظر على العراق خلال التسعينيات، على غرار برنامج «النفط مقابل الغذاء» سيء الصيت.
وفيما قال المتحدث باسم نظام القذافي موسى ابراهيم إن 100 مدنيّ قتلوا في الغارات الغربية على ليبيا، فتحت المضادات الجوية الليبية نيرانها فوق العاصمة الليبية، كما هزت ثلاثة انفجارات على الاقل طرابلس وضاحية تاجوراء شرقا، فيما نقل التلفزيون الليبي عن مصدر عسكري قوله ان «مواقع مدنية وعسكرية في طرابلس وتاجوراء تتعرض الان الى قصف العدوان الاستعماري الصليبي بصواريخ بعيدة المدى».
وشن التحالف الدولي، أمس، غارات جوية مكثفة على مدينة سبها، الواقعة على بعد 750 كيلومترا إلى الجنوب من طرابلس، والتي تعد معقل قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها القذافي. وقال شاهد عيان إن «الغارات بدأت اعتبارا من الساعة الثانية فجرا بالتوقيت المحلي». وأضاف «سمعنا تحليق طائرات ونيران مضادات ثم عدة انفجارات»، لافتاً الى أن «الغارات استؤنفت عند الساعة الرابعة فجراً»، لكنه لم يتسن له تحديد المواقع التي استهدفها التحالف الدولي.
وتقع عدة مواقع عسكرية في مدينة سبها، التي تعتبر القاعدة الخلفية للنظام، حيث تتمركز القبائل المسلحة الأكثر وفاء للقذافي. وبحسب سكان من المدينة فان العديد من أنصار النظام، لا سيما المتواجدين في سرت، توجهوا إلى سبها منذ بدء عمليات التحالف الدولي السبت الماضي.
وشن الطيران الفرنسي هجوما على قاعدة جوية ليبية على بعد 250 كيلومتراً من السواحل.
وقال المتحدث باسم هيئة الأركان الفرنسية الكولونيل تييري بوركار ان الهجوم تم بصواريخ «سكالب» أطلقت من طائرات «رافال» و«ميراج 2000- دي». ولم يحدد المتحدث مكان القاعدة، لكنه أشار إلى أن الهجوم استهدف موقعا غربي المنطقة التي ركزت عليها الطائرات الفرنسية قصفها حتى الآن، أي في ضواحي مدينة بنغازي.
وأعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن غواصة بريطانية أطلقت مجموعة صواريخ «توماهوك» على أنظمة المضادات الأرضية في ليبيا. وقال المتحدث باسم الجيش البريطاني الجنرال جون لوريمر ان «القوات المسلحة البريطانية شاركت مرة جديدة في هجوم منسق على نظام المضادات الأرضية الليبية بموجب القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن الدولي»، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل حول الأهداف ونتيجة هذه الهجمات.
في هذا الوقت، تواصلت المعارك بين قوات القذافي والثوار في مدينة أجدابيا. وقال سكان من اجدابيا، لدى فرارهم من جحيم المعارك، إن الوضع داخل المدينة سيئ للغاية، متحدثين عن شن غارتين جويتين، لم يتمكنوا من تحديد ما إذا كانت طائرات القذافي أو التحالف الغربي قد شنها.
ونقلت صحيفة «برنيق» الليبية عن مصادر في اجدابيا ذكرها أن قوات الكتائب الأمنية تتفاوض مع الثوار. وأوضحت المصادر أن «الكتائب (الأمنية) تريد الخروج من المدينة بشرط أن يخرج عناصرها بكامل آلياتهم ومعداتهم وألا يتعرضوا للخطر»، مضيفة أن «الثوار رفضوا هذا الطلب، وأنهم أمهلوا هذه القوات حتى صباح اليوم وإلا سوف يزحفون لتحرير المدينة من قبضتهم».
وفي الغرب الليبي، حاولت قوات القذافي مهاجمة مدينة مصراتة، الواقعة على مسافة 200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، لكنها اضطرت للتراجع بسبب غارات شنتها طائرات غربية. وقال طبيب في مصراتة إن قصف قوات القذافي استهدف مسجداً ومستشفى في المدينة، لكنه أوضح أنه «مع بدء تحليق طائرات التحالف في الأجواء، توقف القصف وتراجعت الدبابات»، مضيفاً أنه «ينبغي علينا حالياً التعامل مع القناصة المتمركزين في شارع رئيسي في مصراتة، الذين يواصلون إطلاق النار لترويع الناس».
وقال متحدث باسم القوات المسلحة الفرنسية إن طائرة حربية فرنسية أطلقت صاروخ جو-أرض على طائرة عسكرية ليبية ودمرتها بعد هبوطها في قاعدة مصراتة، مشيراً إلى أن الطائرة التابعة للجيش الليبي انتهكت حظر الطيران.
وأعلن حلف شمال الأطلسي، الذي بدأ دورياته قبالة سواحل ليبيا، أنه بدأ بإغلاق «المنفذ الرئيسي» لتهريب الأسلحة للنظام الليبي. وقال الأميرال الايطالي رينالدو فيري، الذي يقود هذه العملية، إن «المنفذ البحري هو الأسهل والأسرع والمباشر لنقل أسلحة إلى ليبيا. إننا نقوم بإغلاقه»، مضيفاً «آمل في ان ننجح في إغلاق كل النوافذ وشيء واحد أكيد هو أننا سنغلق المنفذ الرئيسي».
وأشار فيري إلى أن العملية ترمي إلى «خفض كمية الأسلحة والمعدات المرتبطة بها والمرتزقة الوافدين أو المغادرين من المياه الإقليمية الليبية».
وينشر الأطلسي 16 قطعة بحرية قبالة سواحل ليبيا، وهي: سفينة ايطالية للقيادة، و10 فرقاطات (أربع تركية وواحدة لكل من كندا واسبانيا وبريطانيا واليونان وايطاليا والولايات المتحدة)، وثلاث غواصات (اسبانيا وايطاليا وتركيا)، وسفينتا دعم (ايطاليا وتركيا).
-من جهته، حسم وزير الخارجية التركي قضية تسلم الحلف الأطلسي لقيادة المهام الغربية في ليبيا وقال أحمد داود اوغلو عقب مؤتمر عبر الهاتف مع نظرائه الأميركي والفرنسي والبريطاني إن «التحالف الذي تشكل بعد اجتماع في باريس سيسلم مهامه بالسرعة الممكنة على مستوى العملية بأكملها إلى الحلف الأطلسي»، وقال للصحافيين في أنقرة إنه «تمت تلبية مطالب ومعالجة مخاوف تركيا».
وكان دبلوماسيون قالوا إن تركيا هي الطرف الرئيسي الذي كان يحول دون التوصل لاتفاق في هذا الصدد. وتردد أن أنقرة تطالب بأن يوقف التحالف الغربي، الذي يعمل على فرض منطقة الحظر الجوي، كافة أنشطته العسكرية أولا، فضلاً عن قصر مشاركة الناتو على فرض منطقة حظر الطيران إذا كان سيتولى قيادة العملية في ليبيا.
وأشار دبلوماسيون إلى أن المطالب التركية تلقى معارضة من فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص. وطالبت تركيا بأن تكون السيطرة على جميع العمليات العسكرية في ليبيا لحلف شمال الأطلسي وحده، معبرة عن تشككها في أن بعض الشركاء الذين يسعون إلى التحرك خارج إطار الحلف عيونهم على الثروة المعدنية لليبيا.
في موازاة ذلك، قال دبلوماسي من دول التحالف الغربي ضد ليبيا، إن حلف شمال الأطلسي وضع اللمسات الأخيرة على الجزء الأساسي من بنيته لقيادة المهمة في ليبيا. وأوضح أن القيادة العملانية للتحركات اليومية ستتمركز في القيادة الخاصة بالعمليات البحرية في قاعدة الحلف في نابولي جنوبي ايطاليا، بينما ستجري قيادة العمليات الجوية في قاعدة بودجو ريناتيكو في شمالي ايطاليا، لافتاً إلى أن الإشراف الشامل على العمليات سيجري من المقر العام للقوات الحليفة في بلجيكا، بينما من المقرر ان يتم الإشراف على المهمات الجوية من قاعدة أزمير في تركيا.
وأجاز البرلمان التركي، أمس، للحكومة الانضمام إلى عملية بحرية لحلف شمال الأطلسي لفرض حظر تسلح على ليبيا. ووافقت تركيا، العضو في الحلف، على إرسال أربع فرقاطات وغواصة وسفينة دعم للمشاركة في العملية. وجرى التصويت في جلسة مغلقة برفع الايدي حيث صوتت المعارضة لصالح دعم إرسال السفن والغواصة.
من جهته، قال المتحدث باسم الرئاسة الاميركية جاي كارني ان البيت الابيض يعتبر ان مسألتي القيادة والتحكم سيتم بتهما «قريبا جدا».
- وفي ظل هذا الانقسام، الذي يأتي متوازياً مع الجمود الميداني، تتجدد المخاوف من احتمال أن تواجه ليبيا سيناريو الحظر الغربي على العراق في بداية التسعينيات، بما يترتب على ذلك من خسائر فادحة على الاقتصاد، تطال المواطن الليبي بشكل خاص، إذ أن قرار مجلس الأمن الذي أجاز استخدام القوة ضد نظام القذافي، فرض أيضاً أول عقوبات اقتصادية من نوعها على دولة بعد تلك التي فرضها على العراق خلال المرحلة التي سبقت حرب الخليج في العام 1991.
وبحسب موقع «فورين بوليسي» فإن من شأن هذه الخطوات الهادفة إلى قطع موارد القذافي أن تلحق ضرراً اقتصادياً واسع النطاق على المواطنين الليبيين العاديين. وقال الباحث في معهد «كروك» للسلام الدولي، وأحد أكبر الخبراء في العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة، دايفيد كوترايت أنه «في حال استمرّ الجمود الميداني والسياسي ولم يتغير النظام، ستؤدي هذه العقوبات إلى إفلاس الاقتصاد»، لافتاً إلى أنه «عاجلاً أم آجلاً، والأرجح عاجلاً، ستواجه ليبيا صعوبات اقتصادية داخلية، وبالتالي، مشاكل إنسانية»، ما يعني احتمال أن يلجأ الغربيون إلى إجراءات لتبرير محاصرة ليبيا على غرار برنامج «النفط في مقابل الغذاء».
وإذا صدقت التوقعات، سيقوم المجتمع الدولي بالسيطرة على ثروة ليبيا النفطية بهدف تغطية كلفة العمليات. ويعطي القرار 1973 أصلاً مجلس الأمن كامل السلطة لإعادة توجيه الأموال الليبية المجمّدة وثروتها النفطية «لما يخدم مصالح شعب الجماهيرية العربية الليبية». فهل سيطول الأمر بمجلس الأمن قبل أن يبتدع بيروقراطية جديدة بحساب خاص لتحديد كيفية صرف الأموال الليبية؟
وفي باريس، قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إن الضربات الجوية التي تشنها قوات التحالف ضد النظام الليبي قد تستمر لمدة «أيام وأسابيع»ولكن «ليس لشهور»، مضيفا أن الوقت قد حان لـ«بدء التفكير الآن بشأن تنظيم السلام».
في هذا الوقت، قال دبلوماسي غربي في القاهرة ان مصر لن تتدخل في النزاع الجاري في ليبيا، موضحاً «اعتقد ان المصريين كانوا واضحين تماما ولا نية لديهم بالتدخل في النزاع في ليبيا».
كما أكدت الحكومة الأردنية ان لا مشاركة عسكرية للأردن في العمليات الدولية في ليبيا معربة عن استعداد المملكة لتقديم دعم إنساني ان طلب منها ذلك، فيما اعتبر وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي أن الوضع في ليبيا سيتفاقم بفعل التدخل الأجنبي الذي سيعطي مبررا للعمل الإرهابي.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد