الموقف التركي من سوريا: يد مع النظام وأخرى مع المعارضة
يصل اليوم إلى دمشق مبعوث، أو أكثر، من جانب رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان للقاء الرئيس بشار الأسد في ما يبدو على انه تحذيرتركي إلى القيادة السورية قبل احتمال تحرك القوى الكبرى ومجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات ضد دمشق في أعقاب التطورات الدامية التي شهدتها مدينة درعا خصوصاً.
ويبدو الموقف التركي واقعاً تحت ضغوط أكثر من عامل. الأول الحملة الانتخابية النيابية والتي يسعى خصوم حزب العدالة والتنمية لإظهاره على انه نصير الأنظمة «الدكتاتورية» ويستحثون الرأي العام على التصويت ضده.
الثاني ضغوط الإعلام التركي على حكومة رجب طيب اردوغان لاتخاذ مواقف واحدة وموحدة من عمليات قتل المتظاهرين في سوريا.
الثالث هو عدم رغبة تركيا في أن تكرر «الخطأ» الليبي بمعارضة أي تدخل خارجي، لكن بعد صدور القرار 1973 اضطرت أنقرة إلى الالتزام به عملا بسياستها عدم معارضة الشرعية الدولية.
وهنا تحتاط أنقرة لأي قرار دولي قد يصدر ضد سوريا، بالظهور على أنها لم تكن تعمل عكسه قبل صدوره، لكن أنقرة تشعر بدافع اكبر للتحرك من جديد تجاه دمشق. فسوريا لتركيا ليست ليبيا، وسوريا جارة مباشرة لتركيا، وحدود تركيا معها تمتد على 800 كلم كما تتشارك معها في تحديات مشتركة كثيرة. لذا فإن الوضع في سوريا يؤثر مباشرة على تركيا كما على المنطقة، وتركيا لا تريد أن تجد بجانبها عراقاً آخر. لذا تبذل تركيا جهدها من أجل أن تنزع فتيل التدويل عن سوريا من خلال حثّ الأسد على تقديم المزيد من التنازلات وعلى وقف استخدام النار ضد المتظاهرين.
وتعتمد تركيا للوصول إلى هذا الهدف على التواصل تارة مباشرة وتارة عبر الإعلام مع دمشق في موجة من الرسائل المتتالية التي لا تنتهي، وآخرها اعتبار اردوغان أن الوضع في سوريا يشكل قلقاً لتركيا. لكن تركيا تستخدم أيضا أسلوب الضغط على الأسد من خلال التلويح بورقة المعارضات في سوريا، تارة عبر الإخوان المسلمين بالمؤتمر الصحافي الذي عقده سابقاً مراقبهم العام محمد رياض الشقفة في اسطنبول، وتارة بورقة المعارضة ككل التي اختارت بسحر ساحر أيضاً اسطنبول أمس الأول لتعقد اجتماعاً يذكّر باجتماعات المعارضة العراقية في لندن قبل غزو العراق.
ومع أن الأتراك يكررون أنه لا يمكنهم منع أحد من الاجتماع غير أن «الرسالة» التركية واضحة، وتأتي في إطار «إقناع» الأسد بتقديم تنازلات لا يعرف أحد حدودها النهائية.
وتبدو الصورة غير واضحة تماما لدى أنقرة عما يمكن فعله لإنهاء الأزمة في سوريا، لكن فكرة عقد مؤتمر للحوار الوطني تقوده تركيا، وعلى أراضيها، يضم النظام والمعارضة غير مطروحة حالياً على ما ذكره مستشار رئيس الحكومة إبراهيم قالين.
وفي هذا الإطار يبرز عامل مهم، وهو أن الأتراك وعلى لسان أكثر من مسؤول لا يجدون أي مشكلة في التعامل مع أي بديل للنظام السوري، حتى لو كان الإخوان المسلمين شرط أن يلتزم «البديل» بخطوات وضع البلاد على سكة الحريات والديموقراطية.
وما يمكن أن يخشاه البعض أو يفسّره من نشاط المعارضة السورية في دمشق ومن «الرسائل القوية» التي سيحملها مبعوثو اردوغان إلى الأسد اليوم أن تكون مؤشرات على أن البحث في «صيغة» ما بعد المرحلة الجارية الآن في سوريا قد بدأ، وبالتنسيق بين أنقرة والقوى الدولية المؤثرة. وبين رسائل «النصح» ورسائل «البديل» تواصل أنقرة أداء دور مركزي في الأزمة السورية، حيث الامتحان الأصعب والأكثر حساسية للسياسة الخارجية التركية حتى الآن.
من جهة ثانية (ا ف ب، ا ب) وجه معارضون سوريون في المنفى، في بيان مشترك في اسطنبول أمس، «نداءً عاجلاً لإجراء انتخابات ووقف القمع» في بلادهم.
وقال المعارضون، في البيان، «إن على سوريا أن تتخلص من نظام الحزب الواحد، وإقامة التعددية الحزبية بغية ضمان المساواة السياسية والتنافس. كما ينبغي تنظيم انتخابات تشريعية على الفور وصياغة دستور جديد». ويشارك حوالى 40 شخصاً وفدوا من بريطانيا وفرنسا ومصر في منتدى اسطنبول. وطالبوا «بالإفراج عن السجناء السياسيين» وبحرية التظاهر وبحرية الصحافة في سوريا.
وكان ناشطون سوريون معارضون اعتبروا، في بيان نشر في نيقوسيا ما أسموه «المبادرة الوطنية للتغيير»، أن «سوريا اليوم أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، إما أن يقود النظام الحاكم نفسه مرحلة التحول الآمن باتجاه التحول الديموقراطي، ويحدونا أمل كبير في أن يمتلك النظام الشجاعة الأخلاقية التي تدفعه إلى انتهاج هذا الخيار، أو أن تقود مرحلة الاحتجاجات الشعبية إلى ثورة شعبية تسقط النظام وندخل بعدها في مرحلة التحول بعد موجة من العنف والاضطرابات».
واعتبروا أن «المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها قيادة هذا التحول هي الجيش، وتحديدا وزير الدفاع العماد علي حبيب ورئيس الأركان العماد داود راجحة»، وذلك عبر «الدخول في مفاوضات مع القادة المدنيين الممثلين لقيادات المعارضة أو أية شخصيات أخرى تحظى باحترام السوريين من أجل تشكيل حكومة انتقالية، تفضي إلى إنجاز جدول زمني لإنجاز عملية التحول الديموقراطي، تبدأ بكتابة دستور مؤقت جديد للبلاد يجري التصديق عليه عبر استفتاء وطني».
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد