إسـرائيـل تعتـرف: إلغـاء هويـة شـعب
للمرة الأولى في تاريخها تعترف إسرائيل رسمياً بجانب من السياسة العنصرية التي انتهجتها طوال سني احتلالها للأراضي الفلسطينية لتفريغ المنطقة من سكانها.
فقد أبلغت قيادة الحكم العسكري في الضفة الغربية مركز حقوق الفرد «هموكيد» بأن إسرائيل سحبت بين العامين 1967 و1993 هويات حوالى 140 ألف فلسطيني من الضفة الغربية والقدس الشرقية. ولا يشمل هذا الرقم أعداد الفلسطينيين الذين سحبت هوياتهم من أبناء الضفة وقطاع غزة الذين غادروا عبر معبر رفح الحدودي أو عبر مطار اللد. كما لا يشمل العدد أعداد الفلسطينيين ممن كانوا يُطردون عبر الحدود مع الأردن أو مع لبنان.
وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أن نظاماً سرياً لسحب هويات الفلسطينيين في الضفة والقطاع قد تم انتهاجه طوال فترة الاحتلال، حتى إبرام اتفاقية أوسلو في العام 1993. ويقضي هذا النظام بأن يمنع كل من يعيش خارج الأراضي الفلسطينية لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة من العودة إلى هذه الأراضي، وبالتالي يفقد حقه في الإقامة فيها. وشرحت وثيقة رسمية أعدت في مكتب المستشار القضائي لقيادة «يهودا والسامرة» في الجيش الإسرائيلي، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة شؤون الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، أن الأمر تعلق بسحب هويات 140 ألف فلسطيني على مدى 27 عاما.
وكانت الوثيقة قد وضعت بناء على طلب مركز حقوق الفرد «هموكيد» الذي استند في طلبه إلى قانون حرية المعلومات. ويُفهم من الوثيقة أنه حتى اتفاق أوسلو، فإن أحد سكان الضفة الذي سافر إلى الخارج عبر الأردن كان مطالباً بأن يُسلم بطاقة هويته في معبر الحدود، وبالمقابل كان يحصل على «تصريح خروج». هذا التصريح كان ساري المفعول لثلاث سنوات، ولكن كان يمكن تمديد فترته لثلاث مرات، بسنة كل مرة. وحسب هذا النظام، إذا لم يعد الفلسطيني بعد نصف سنة من انتهاء مفعول تصريحه، يُسجل كـشخص «توقف عن أن يكون مقيماً». ويصدر القرار من دون إشعار من يتم إنهاء حقهم في الإقامة أو العودة إلى الأراضي المحتلة.
في مركز حماية الفرد «هموكيد» قالوا أمس إنهم كانوا يعرفون بوجود نظام ما في هذا الشأن، ولكن تفاصيله وعدد الفلسطينيين الذين سُحب منهم الحق في العودة من خلاله بقيت سرية. وادعى أحد رؤساء الإدارة المدنية في التسعينيات بأنه فوجئ عندما سمع مؤخرا بوجود هذا النظام. بل ان الجنرال احتياط داني روتشيلد، الذي شغل منصب منسق شؤون الحكومة في المناطق بين العامين 1991 و1995، قال انه سمع بالنظام للمرة الأولى من «هآرتس» رغم انه كان ساريا في زمنه.
وحسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فإنه في العام 1994 كان يعيش في الضفة الغربية مليون وخمسون ألف فلسطيني. ومن هنا يُفهم أن عدد الفلسطينيين الذين كانوا سيحملون في العام 1994 هوية مقيم أكبر بنحو 14 في المئة لولا هذا النظام. وتجدر الإشارة إلى أن الفلسطينيين الذين هاجروا من الضفة بعد إقامة السلطة الفلسطينية حافظوا على حقهم في الإقامة، حتى لو لم يعودوا حتى اليوم. وهكذا مثلا، فإنه منذ بداية الانتفاضة الثانية حتى العام 2007، ترك الضفة 250 ألف فلسطيني.
وأشارت «هآرتس» إلى أنه يُستخدم نظام مشابه على سكان شرقي القدس المحتلة الذين يحملون بطاقات هوية إسرائيلية. وحسب هذا النظام فإن الفلسطيني الذي انتقل من شرقي القدس إلى خارج الدولة وغاب عن المدينة سبع سنوات، يفقد حقه في العودة إليها.
بين الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم في مكانة «كف عن أن يكون مقيماً» طلاب أنهوا دراستهم في الخارج، وكذلك رجال أعمال وعمال سافروا للعمل في دول الخليج. وعلى مدى السنين أقام الكثير من المغادرين عائلات، بحيث إن عدد الفلسطينيين الذين كفوا عن أن يكونوا مقيمين وأنسالهم لا بد يصل اليوم إلى مئات الآلاف. ومع ذلك، فالكثيرون منهم لا بد توفوا.
وأفاد مركز «هموكيد» أمس بأن «سحب الإقامة الجماعي من عشرات آلاف السكان من الضفة الغربية، والذي يعني طردهم إلى الأبد من وطنهم، كان ولا يزال سياسة ديموغرافية مرفوضة، تشكل إخلالا خطيرا بالقانون الدولي. إضافة إلى ذلك هناك عدد غير معروف من سكان قطاع غزة ممن سحبت إسرائيل مكانتهم بشكل مشابه. هذا المعطى لا يزال قيد السر ونحن سنعمل على كشفه. يجدر بدولة إسرائيل أن تصلح فوراً الظلم المتواصل، وتعيد لكل أولئك الفلسطينيين مكانتهم وتسمح لهم بالعودة مع عائلاتهم إلى وطنهم».
وأعلن رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات أن التقرير «يؤكد ادعاءنا بأن إسرائيل مارست على مر السنين سياسة دؤوبة لاقتلاع السكان ونقلهم من أجل كسب المزيد من الأراضي لتوسيع المستوطنات بهدف تغيير الميزان الديموغرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة». وأشار إلى «وجوب التعامل مع سياسة إسرائيل هذه على أساس أنها ليست فقط جريمة حرب بل ذات بعد إنساني. فالأمر يتعلق بأناس غادروا فلسطين من أجــل الدراســة أو العمل مؤقتاً ومن أجل العودة».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد