مدارس عدن مأوى «آمن» وسكانها يخشون «استيطان» النازحين
«زنجيبار صارت مدينة أشباح»، بهذه الكلمات المقتضبة تصف فاطمة محسن عضو المجلس المحلي في محافظة أبين الجنوبية، الوضع في مدينتها التي تشهد قتالاً عنيفاً بين القوات الحكومية وجماعات إسلامية متشددة، ما أدى إلى نزوح آلاف الأسر هرباً من القصف الذي أصاب عدداً من المساكن والمواطنين.
وباتت عدن مقصداً رئيساً للنازحين الهاربين من «جحيم القتال» الذي تشهده زنجيبار ومناطق أخرى من محافظة أبين، ويقدّر عدد النازحين الذين تمّ إيواؤهم في عدد من مدارس عدن بنحو 40 ألفاً.
وتخشى منظمات إنسانية من حدوث كارثة إنسانية، خصوصاً مع استمرار تدفق النازحين وشحّ الخدمات أو عدم كفايتها. وكانت الأحداث الدراماتيكية التي شهدها نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، جعلت أنظار العالم تتجه نحو الحدث السياسي والعسكري وغيّبت الاهتمام بالكارثة الإنسانية التي يواجهها المدنيون خصوصاً في أبين. ومع الشلل الكلي لأجهزة الدولة وتدهور الخدمات وشحّ المساعدات، تضاعفت معاناة السكان سواء أولئك الذين نزحوا إلى مناطق مثل عدن ولحج أو الذين بقوا في منازلهم.
ويروي النازحون قصصاً أليمة عن معاناتهم جراء الوضع المأسوي الذي تشهده المدينة منذ أن استولت عليها جماعة دينية مسلحة يُعتقد بأنها من تنظيم «القاعدة».
وتشهد زنجيبار منذ أيار (مايو) قتالاً عنيفاً استخدمت فيه مختلف الأسلحة والطيران. ويشكو النازحون من شح الخدمات والمواد الغذائية والدواء، وقد غادر بعضهم سكنه من دون مال خصوصاً مع توقف صرف رواتب الموظفين منذ شهرين.
ويذكر المشرف على الإيواء في مدرستَيْ ابن الهيثم وابن خلدون،عبد الإله بركات، أن 38 أسرة فقط من إجمالي 110 أسر تقيم في المدرستين حصلت على دقيق وزيت من منظمة اليونيسيف، فيما لم تحصل بقية الأسر على أي شيء، مؤكداً حاجة النازحين للدواء والغذاء والتطبيب. ويتكدس نحو 30 شخصاً من فئات عمرية مختلفة، في قاعات صغيرة، وبخاصة تلك التي يوجد فيها جهاز تكييف. ويشير بركات إلى أن بين الذين تضمهم القاعات، شاباً يعاني من حال نفسية سيئة يُعتقد بأنه أصيب بها منذ حادثة مقتل صديق له كان بجواره ذبحته قذيفة مدفعية.
ولا تزال أعمال الإغاثة بطيئة وثمّة من يشير إلى أخطاء ترافق عمل مؤسسات الإغاثة. ويذكر أحد المتطوعين في عدن، معاذ مهدي، أن أكثر من 500 فرش اختفت من مخزن إحدى المدارس المخصصة للنازحين، ويقول إن بعض المدارس تحصل على مواد تفوق أحياناً حاجة النازحين، في حين تحصل مدارس أخرى على أقل من حاجتها، مُرجعاً ذلك إلى غياب التنظيم والتنسيق بين المنظمات العاملة وإلى من يسميهم «الوسطاء المحليين».
ولا تزال أعمال الإغاثة مقتصرة على مناطق النزوح خارج محافظة أبين فيما تغيب المساعدة عن السكان الواقعين في مناطق القتال أو قريباً منها. وتفيد الناشطة المدنية تيسير في محافظة أبين أن نحو 35 أسرة نزحت إلى منطقة شقرة القريبة من زنجيبار تقيم في العراء وتفتقر لأي نوع من الخدمات. وتقول إن بعض الأسر لم تستطع مغادرة مناطق القتال لأسباب متعددة ومختلفة من بينها عدم توافر أجرة السيارة للذهاب إليها، وذكرت تيسير أنها حاولت التواصل مع منظمات إنسانية في شأن أوضاع الأسر النازحة إلى شقرة لكنها لم تحصل على أي تجاوب.
وتواجه بعض المدارس التي يصل عدد النازحين فيها أحياناً إلى 200 أسرة نقصاً في خدمات المياه والصرف الصحي، والعدد المحدود لحمامات المدارس فضلاً عن حالتها السيئة. ويخشى البعض أن تؤدي الحرارة المرتفعة وتدهور المرافق الصحية إلى انتشار الأوبئة والأمراض، خصوصاً مع غياب تجهيزات التبريد أو المراوح في المدارس. وتقول إشراق المقطري، من مكتب منظمة أوكسفام في اليمن، إنها لاحظت أعراض قيء لدى الأطفال في بعض المدارس، ويغيب حتى الآن أي جهد للسلطات الرسمية، وكان نائب الرئيس اليمني أوعز مطلع الأسبوع الجاري بتشكيل لجنة رسمية لمساعدة النازحين.
ومن اللافت النظرة «القاصرة» التي ينظر بها النازحون إلى أنفسهم، وذكرت ناشطة أن بعض الأسر رفضت تسلم ملابس لأنها مستعملة، ويُبدي كثير من النازحين نفوراً من الكاميرا ويرفضون التقاط صور لهم، قائلين: «لسنا لاجئين (من بلاد أخرى)».
ويقول ناشطون إن المعونات لا تزال محدودة، وقد لا تكفي لوقت طويل، موضحين إن بعض الأسر التي تستضيف نازحين، قد تتوقف عن ذلك بسبب محدودية إمكاناتها، خصوصاً في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يشهدها البلد منذ اندلاع حركة الاحتجاجات الشعبية في شباط (فبراير) الماضي.
وفي حين أشاد كثيرون من النازحين بجهود سكان مدينة عدن في مدّ يد العون إليهم، إلاّ أنّ ثمّة من بين العدنيين مَن يتخوف من أن تتحول موجة النزوح إلى استيطان دائم على غرار ما حدث مع اللاجئين الصوماليين الذين صار البعض يبالغ في خطر وجودهم إلى درجة القول بطمس الهوية.
وأشيع أن من بين «البدو» النازحين من مناطق محافظة أبين من حمل سلاحه معه، وكانت عدن في القرن الماضي مسرحاً لمعارك دامية بين قبائل متناحرة تنتمي إلى محافظتي الضالع وأبين.
علي سالم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد