حزب المستقبل يتهم أميركا وإسرائيل باغتيال رفيق الحريري
كثيرة هي النظريات التي طرحتها وسائل الإعلام المحلية والأجنبية منذ 14 شباط 2005 وحتى اليوم حول كيفية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، فمنذ ذلك التاريخ لعب الإعلام دور المحقق والمدعي والقاضي دون أي أدلة ملموسة أو مصداقية أو حياد. الروايات حول هذا الموضوع لا تنتهي، حتى المعطيات التي اعتمدتها لجنة التحقيق الدولية لم تكن سوى روايات لشهود زور ضللوا التحقيق باعتراف اللجنة نفسها وولي الدم. ومع كثرة الروايات التي طرحت، نسي الناس الكثير من الوقائع التي تلت عملية الإغتيال، ومن هذه الوقائع أن الكثير من لجان التحقيق الأجنبية كشفت على موقع التفجير وجمعت الأدلة وأدلت باستنتاجاتها قبل أن يسمع اللبنانيون بإسم ديتلف ميليس.
ولعله من أهم تلك الوقائع التي أراد البعض لها أن تندثر هي إتهام إعلام تيار المستقبل لأميركا وإسرائيل باغتيال رفيق الحريري. قد يتفاجأ البعض بكلامنا وسيتهمنا أنصار المستقبل بالتحريف والتزوير، إنما ما سنعرضه في هذا التقرير ليس مقالاً في وسيلة إعلامية تابعة لحزب الله أو حلفائه أو حتى مقرّبة منهم، بل هو بعض مما ورد على صفحات "جريدة الشرق" التابعة بشكل مباشر لإعلام الحريري. ولعل السؤال الذي سيراودكم أثناء قراءتكم للتقرير هو: ما الذي تبدّل منذ 6 سنوات لكي يُتهم حزب الله باغتيال رفيق الحريري؟
في صباح يوم الأربعاء 2 آذار 2005، أي قبل 6 أيام من المسيرة التي نظمها حزب الله وحلفاءه تحت شعار "الوفاء لسورية"، نشرت "جريدة الشرق" في عددها رقم 16760 تقريراً بعنوان: تقرير يرجح اغتيال الحريري بـ"اليورانيوم المنضّب" كالذي استخدم في حرب العراق؟ اتهمت فيه أميركا وإسرائيل باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. وقد بنت الجريدة نظريتها على معلومات استقتها من تقارير ألمانية وسويدية ومن خبير متخصص بالأمن والحماية وأخيراً من مجلة "أنتليجنس ريفيو" الأميركية. وبعيداً عن وجهة نظرنا بالموضوع، ننقل إليكم عيّنة عن وجهة نظر إعلام المستقبل في ذلك الحين:
ألمانيا والسويد تتوصلان لنتائج مذهلة!
تقول "جريدة الشرق": "لم تمض أيام قليلة على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بتاريخ 14/2/ 2005 إلا وكانت صور الانفجار وشكله وحجمه وطبيعة الاحتراق ولونه وتأثيراته داخل غرفة عمليات "اللجنة الإعلامية للسلم الأوروبي" التي (يقع) مقرها (في) برلين – ألمانيا، موضوع حلقة بحث معمق مغلقة بين عدد من الجنرالات المتقاعدين وخبراء متفجرات محترفين لدراسة المعلومات والمعطيات المتوفّرة عن حادثة التفجير التي أودت بالرئيس الحريري ومرافقيه وعدد من المواطنين".
وتتابع "الشرق": "على خط ثان كانت مجموعة من الشركات الألمانية والسويدية المتخصصة في مجال "تأمين الحماية الخاصة للسيارات عبر التصفيح الفولاذي" تعكف في حلقات بحث أخرى طارئة في مدينة فرانكفورت الألمانية على دراسة عينات حية من التربة وقطع حديد السيارات المحترقة وبقايا الأجهزة الالكترونية لسيارة الرئيس الحريري (المرسيدس) والسيارات الأخرى المرافقة له وبعض تلك التي كانت في محيط التفجير، وبحث الأسباب التي أدت إلى إضعاف أو تعطيل الأنظمة التي زوّدت بها سيارة الحماية الخاصة المرافقة لموكب الرئيس الحريري في درء الانفجار أو إرجائه ريثما يمر الموكب كاملاً أو تعطيله وحماية المتواجدين في سيارة الرئيس والمرافقة".
وتضيف "كانت الخلاصات الأولية المرجحة التي توصلت إليها الحلقة أو المجموعة بعد دراسات معمقة وتفصيلية واختبارات استمرت لأكثر من أربعة أيام، متشابهة ومذهلة للغاية. فقد استبعدت الحلقة وكذلك المجموعة أن يكون التفجير حصل بواسطة مواد متفجرة عادية كمادة "الديناميت" أو "الفوسفات" أو الـ"ت أن ت" أو مادة الـ"سي. فور". كذلك استبعدت حصول التفجير بواسطة تلغيم الأرض عبر نفق أو عبر "ريكارات".
الحريري قتل بـ"يورانيوم منضّب" استخدمته أميركا في العراق
وتنقل "الشرق" عن خبير متخصص "بالأمن والحماية" قوله: "إن الملاحظات التي أدلى بها رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب المهندس محمد قباني لجهة طبيعة اللهب ولونه الصادر عن الانفجار والاحتراق صحيحة... لكن الأسباب أعمق".
ويشير الخبير إلى "أن اللجنة المتخصصة رجحت، بالاستناد إلى المعطيات التي توفرت لديها ، من صور الانفجار وشكله وحجمه وطبيعة الاحتراق ولونه والمواد العضوية التي أمكن الإستحصال عليها وقطع الحديد الخارجي وفولاذ التصفيح، رجحت أن تكون المادة المفجرة هي من نوع المتطور جداً ... وإن هذه المادة غير متوفرة إلا في الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الصناعية المتطوّرة جداً، وإن هذه المادة قد استخدمت في الحرب الأميركية على العراق وتحديداً في معركة مطار بغداد".
ويضيف الخبير "إن مداولات الخبراء في "الحلقة" أدت إلى بروز اتجاه قوي مقدّم بالأدلّة والوثائق والمعطيات تؤكد "أن المادة المستخدمة في الانفجار هي من نوع اليورانيوم المنضّب شديد الإنفجار... وأنّ هذه المادة استخدمت بكثافة من قبل القوات الأميركية في حرب العراق، وهي مادة خطرة للغاية ومسبب خطر للتلوّث الشعاعي وغير مسموح بها دولياً ولم يصرّح باستخدامها".
الموساد نقل المواد المتفجرة من العراق إلى إسرائيل
تكمل "الشرق" تقريرها فتقول: "مواقع على الإنترنت تتابع الموضوع بدقة نقلت أن عدداً من الخبراء العسكريين التابعين للأمم المتحدة والذين عملوا في العراق أشاروا إلى أن لدى الهيئة الدولية "ملفاً كبيراً حول هذا الموضوع".. وأن خبراء الأمم المتحدة عثروا على كميات من هذه المادة أثناء تفتيشهم في العراق ووضعوا اليد عليها وعزلوها..
لكن هؤلاء ادعوا، بعد احتلال القوات الأميركية للعراق أنها فقدت!" ويرجّح الخبير أن تكون "القوات الأميركية قد سلمت بعض هذه الكميات إلى ضباط المخابرات الإسرائيلية "الموساد" الذين رافقوا هذه القوات في العراق وتم نقلها بسرعة وسرية فائقة إلى إسرائيل".
سيارات الموكب انصهرت ولم تتمزق!
وعن التأثيرات التي من الممكن أن تسببها هكذا مواد على سلامة الناس في منطقة التفجير ينصح "خبير الشرق" "بضرورة أن تقوم الأجهزة الرسمية المتخصصة في الدولة، ولو متأخرة، بقياس الإشعاعات في منطقة التفجير (السان جورج ومحيطه) للتأكد من خلوّها من إشعاعات ملوّثة مضرّة باعتبار أن اليورانيوم المنضّب يلوّث المحيط الذي يفجّر فيه ويبقى تأثيره لفترة من الزمن".
وما يرجح هذه النتائج "أن الخبراء وشهود العيان أشاروا إلى أن أحد السيارات المصفحة في الموكب لم تتمزق، ولو كان التفجير من مادة الـ"ت أن ت" أو الـ"سي. فور"، أو مواد مشابهة لكانت السيارات قد تمزقت بطريقة مختلفة ودفع بها بعيداً، لكن السيارات المصفحة انصهرت من شدّة الانفجار وقوّة حرارة نيرانه التي نجمت عنه".
أما بالنسبة لوجود أخطاء أو نقاط في التصفيح ينقل الخبير عن متخصص يمثل إحدى الشركات الألمانية السويدية المتخصصة في تصفيح السيارات وحمايتها "ان سيارة الرئيس الحريري التي يقودها بنفسه وكذلك سيارات المواكبة الشبيهة تم تصفيحها بمواصفات خاصة جداً وباستخدام أنواع محددة من مادتي الفولاذ والتيتانيوم، وإن هذا النوع من التصفيح مصمم لصد هجمات صاروخية وعدم التأثر بالألغام الأرضية مهما كانت درجة قوتها وفعاليتها".
أنظمة الحماية لم تكن فاعلة وجهاز التفجير غير متوفّر في السوق
وتسأل "الشرق" عن أجهزة التشويش الالكترونية المتطورة جداً التي زوّدت بها سيارات الرئيس الحريري؟
فيقول الخبير "إن موكب سيارات الرئيس الحريري الثابت مزوّد بأحدث أجهزة التشويش الالكتروني التي تم تطويرها في السويد، بالتعاون مع شركات متخصصة أميركية ويابانية... وإن الموكب مزود أيضاً بنظام حماية معروف باسم (ايه. ام. بي إس) وهو نظام كفوء للغاية وقادر على تعطيل (قطع) كل أشكال الإتصالات في محيط تحرّك الموكب، الأمر الذي يضمن عدم تمكن منفذي محاولات الإغتيال من تفجير عبوات ناسفة عن بعد..".
ويذهب الخبير إلى أبعد من ذلك فيقول "إن نظام الحماية هذا قادر على تعطيل الصواريخ الموجهة من قبل الطائرات باتجاه الهدف.. كما أن نظام الحماية عبر التصفيح عندما تم تصميمه في ألمانيا والسويد اعتمد على أساس أن نسبة نجاحه في التصدي للانفجارات والصواريخ تصل إلى مئة بالمئة، في حين أن نظام التشويش الإلكتروني عبر الأقمار الاصطناعية فتبلغ نسبة نجاحه إلى 90 بالمئة".
ويؤكد الخبير المتخصص بالأمن والحماية أن " التقارير الأولية، سواء الشفهية منها أو المصورة أو الأدلة المثبتة التي وصلت إلى الشركات الألمانية والسويدية تشير إلى أنّ أياً من أنظمة الحماية الخاصة بالموكب "لم تكن فاعلة" وأن السيارات المصفحة بالفولاذ السويدي "انصهرت وكأنها علب مشروبات غازية" ليخلص إلى القول "ان جهاز التفجير الذي استخدم كان من النوع المبتكر للغاية وهو غير متوفّر في سوق التداول بين الدول". أما عن حجم العبوة فيقدره الخبير بحجم علبة المحارم لا أكثر.
استهداف سورية لإستئصال حزب الله قبل ضرب إيران
وتتابع "الشرق"، "أما كيف تم التفجير وأين كانت المتفجرة وسائر دقائق الخطة ومن خطط ومن نفذ ولمصلحة من فذلك من شأن التحقيقات التي ستكون معقدة وشائكة للغاية ونسبة الوصول فيها إلى نتائج حاسمة تبقى متدنية للغاية حسب الخبراء"... وتضيف "نقطة البداية في التحقيقات هي السؤال من له مصلحة باغتيال الرئيس الحريري وإلى ما يرمي هذا الإغتيال؟"
وتجيب الجريدة على السؤال الذي طرحته بنفسها فتقول: "في عددها الصادر بتاريخ 25/2/2005 كتبت مجلة "انتلجينس ريفيو" الأميركية: إن اغتيال الحريري كان عملاً تم التخطيط له وتنفيذه بعناية فائقة بحيث أريد له أن يطلق العنان لسلسلة تفاعلية من الأحداث في المنطقة، من أجل تحقيق أهداف عقيدة سياسية راسخة بعصبة المحافظين الجدد التي تدير البيت الأبيض منذ سنوات...
والمقصود في النهاية شرق أوسط جديد تكون إسرائيل فيه هي المهيمنة. كان مفروضاً أن تكون البداية إيران (بعد العراق) لكن تم نقل سورية إلى الموقع الأوّل في القائمة، بقصد استئصال حزب الله وتحييد سورية قبل أي ضربة توجّه إلى إيران". بهذا الإستنتاج المبني على وقائع معيّنة تختم "جريدة الشرق" التابعة لتيار المستقبل تقريرها.
بعد الذي تقدّم بات من حقنا أن نستغرب، خاصة أنه كما سبق وذكرنا فإن التاريخ الذي نشر فيه هذا التقرير سبق تاريخي 8 و14 آذار بأيام معدودة، أي قبل مسيرة "الوفاء لسورية" وبالتالي اتهام سماحة السيد حسن نصرالله إسرائيل بالوقوف وراء عملية الإغتيال، وقبل تظاهرة الرابع عشر من آذار التي اتهمت سورية وحلفائها. مما يدفعنا إلى التساؤل: بما أن تيار المستقبل كان على دراية بهذه الوقائع التي طرحها بنفسه على صفحات إحدى وسائله الإعلامية، لماذا اسقطت حكومة الرئيس عمر كرامي؟ لماذا اتهمت سورية باغتيال الحريري؟ لماذا اعتقل الضباط الأربعة؟ لماذا رفع شعار "لا تنتخبوا من اغتال رفيق الحريري" في الإنتخابات النيابية؟ لماذا اتهم كل من قال بأن إسرائيل هي من اغتالت الحريري بأنه هو القاتل؟ لماذا رمي لبنان في أحضان الفتنة منذ العام 2005 وحتى اليوم؟ لماذا رفضت القرائن التي قدمها سماحة السيد حسن نصرالله عن تورّط إسرائيل بعملية الإغتيال؟ وما علاقة الأحداث التي تجري اليوم في سورية بهذا الموضوع؟
التساؤلات لا تنتهي ولكن أخيراً وليس آخراً نضع برسمكم هذا السؤال: ما الذي تبدّل منذ 6 سنوات لكي يتهم حزب الله باغتيال رفيق الحريري؟
نادر عز الدين
المصدر: المنار
إضافة تعليق جديد