كيف يتم الاختيار بين اللهجات العربية للدبلجة؟
اللهجة اللبنانية خفيفة مرحة وأثبتت جدارتها في البرامج الحوارية. اللهجة المصرية هي اللهجة العابرة للأقطار العربية... خاصة في ما يتعلق بالأفلام الكوميدية. أما اللهجة السورية فجــدية عصبية تناسب الدراما. وماذا عن اللهجتين الخليجية والأردنية.. اللتين بدأتا للتو تجربتهما في الإنتاج التلفزيوني؟
الاختيار بين هذه اللهجات لدبلجة فيلم أو مسلسل ليس أمرا سهلا، بالنسبة الى خلود أبو حمص، وهي منتجة تلفزيونية في شبكة «أو أس أن» في دبي، التي قررت دبلجة فيلم هاري بوتر لتوزيعه في الشرق الأوسط.
تعلم أبو حمص أن اختيار لهجة من لهجات اللغة العربية حساس للغاية، إذا كانت تريد لسحر هاري بوتر أن يغزو قلوب المشاهدين العرب. «لا أريد أن أختار اللهجة الخطأ.. وبدلا من استقطاب المشاهدين.. قد أنفّرهم!»، قالت لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.
250 مليون مشاهد عربي، تتنازع عليهم دور الدبلجة والإنتاج في العالم العربي، حيث زادت نسبة استهلاك الأفلام والمسلسلات المنتجة خارج الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق. ومع رمضان الآتي، وهو الشهر الذي يبذل لأجله المنتجون والمخرجون وأربابهم في القنوات التلفزيونية أشهراً من الإعداد، ينتجون فيه أفضل مسلسلاتهم ، تبدو الدبلجة واختيار اللهجة أمرا يستحق التفكير المتأني.
ولم يعهد الشرق الأوسط في السابق مسلسلات أو أفلاما مدبلجة. «دالاس» الشهير ذاع صيته في الثمانينيات في المنطقة، رغم أنه كان يتعين على العرب أن يقرأوا الترجمة في أسفل الشاشة.
ومع انتشار التلفزيونات والأقمار الاصطناعية، احتدم التنافس.. على المشاهدات على وجه الخصوص. بيعت حقوق عرض المسلسلات الطويلة المكسيكية. وهنا بدأت الدبلجة. آنذاك، كان اختيار اللهجة غير مؤرق. والخيار وقع على اللغة العربية الفصحى، إلى أن بدأ عرض المسلسلات التركية، وتحديدا مسلسل «نور» في 2008. فاتخذت مجموعة «أم بي سي» قرارا «مناقضاً لما هو بديهي» خاصة بالنسبة للسعوديين مالكي الشركة. كان لا بد من دبلجة المسلسل باللهجة السورية. وقد حقق نجاحا باهرا، رغم «فشل المسلسل الأصلي التركي لدى عرضه».
ومذ ذاك شهدت صناعة الدبلجة ازدهارا. اليوم يعمل ما يزيد على 100 ألف شخص، بين تقنيين ومدبلجين وكاتبي سيناريو وتنفيذيين في بيروت ودمشق والقاهرة على دبلجة كل شيء، من «اغلي بيتي»، مرورا بـ«سي اس أي»، وصولا إلى «ستار تريك».
ليس أمرا سهلا. دور الدبلجة الكبرى تستخدم مجموعات عمل وتستشير أفراد العائلة والأصدقاء بحثاً عن الخيار الأفضل بين اللهجات الممكن استخدامها.
وقال صاحب شركة مصرية للدبلجة، مقرها عمان، يدعى محمد حماد «أحيانا ننتقي أناسا في الشارع ونقول لهم: «تناولوا فنجان قهوة. شاهدوا وأبلغونا ما رأيكم في ما شاهدتموه».
وكانت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» قد دبلجت برنامج الأطفال «تيلي تابيز» الى العربية باللهجة السورية. «حتى الأطفال لم يستمتعوا به»، قال جوزيف عقيقي الذي يملك مركزا للدبلجة في بيروت. عندما عرض البرنامج باللغة العربية الفصحى، حقق نجاحا كبيرا.
أخفقت أبو حمص أيضا مع مسلسل «لو اند اوردر» الإجرامي. عندما دبلجته الى المصرية «استهزأ به المشاهدون»، كما قالت. وعندما دبلجته باللهجة اللبنانية «فقد المشاهدون الاهتمام به». ووقع الاختيار على اللهجة السورية.. وأصاب.
ويعزو حماد الى نفسه الفضل في إدخال اللهجة الأردنية الى المسلسلات المدبلجة التي تبث في الشرق الأوسط.
بدأ بمسلسل «كاسل».
الدراما التاريخية تشكل بحد ذاتها مأزقا. بعضها دبلج الى العربية السورية، مثل فيلمي «ذا غاد فاذر» و«300». لكن الغالبية تتم دبلجتها الى العربية الفصحى، تفاديا لمأزق تواجهه هوليوود عندما تنتج أفلاما تصور ممثلين يتحــدثون الإنكليزية.. بلكنة ألمانية.
بعض العروض تتحدى الصور النمطية. مع «مارتا ستيوارت» بدت اللهجة اللبنانية «بسيطة لا تستدعي التفكير»، بحسب أبو حمص، التي أشارت مع ذلك إلى أن ستيوارت شأنها شأن أوبرا وينفري «نجمة يحب الناس سماعها بصوتها الحقيقي. المشاهدون يحبون هؤلاء النجوم بأصواتهم». ولهذا استعاضت عن الدبلجة التقليدية بما يعرف بـ«الفويس أوفر»، أي الصوت المضاف إلى العرض، من دون إخفاء صوته الحقيقي.
لكن ثمة مسلسلات غير محسومة النوع. «هاوس» على سبيل المثال شكّل نموذجا مربكا للخيار بين اللهجة السورية واللهجة المصرية، بسبب الخليط الذي يمثله البطل الفكاهي والحبكات الجدية، بمعنى أن البطل «مضحك، لكن المسلسل جدي»، بحسب أبو حمص، التي انتهت بدبلجته باللهجتين، ليختار المشاهد بينهما. والغالبية اختارت السورية، وكذلك فعلت مع «هاري بوتر».
والآن ترمي أبو حمص إلى ما تأمل أن يصبح «العصر الجديد في برامج الدبلجة العربية». وبدلا من شراء المضمون الأجنبي ثم دبلجته، هي تعمل على إنتاج دراما موسيقية أصلية، يعمل فيها ممثلون سعوديون في إطار بوليوودي هندي.
لقد أنهى 12 سعوديا للتو تصوير الإنتاج في مومباي. العمل يعتبر مجازفة كبيرة. لم يجرب أحد من قبل اللهجة السعودية. لكن لا شيء يردع أبو حمص «قد أكون مجنونة، لكنني أعتقد أن الناس يتطلعون إلى شيء جديد».
إعداد وترجمة جنان جمعاوي- السفير
إضافة تعليق جديد