اليمن ينغمس أكثر في الحرب الأهلية والانهيار الإقتصادي
بعد شهور من الاحتجاجات وإراقة الدماء والديبلوماسية، أصبح اليمن منغمساً في صراع بين الرئيس علي عبدالله صالح وخصومه بشكل ربما يؤدي إلى دخول البلاد الفقيرة في حرب أهلية وانهيار اقتصادي.
وطغت المعركة التي يخوضها صالح في مواجهة كل من اللواء علي محسن الاحمر الذي انشق عن القوات الحكومية وقادة القبائل الذين كانوا يوماً حلفاء أقوياء، على الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ كانون الثاني (يناير) ضد حكم صالح القائم منذ 33 عاماً للمطالبة بالديموقراطية.
وسرعان ما تمكنت احتجاجات في كل من تونس ومصر من خلع رئيسي البلدين هذا العام لكنها أخذت شكل صراع طويل ودام للإطاحة بالزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي. كما تجلى مدى عنف الانتفاضتين الشعبيتين في كل من سورية واليمن ولم تتضح نتائجهما بعد.
وكان الصراع السياسي أدى إلى تراخي سيطرة الدولة على غالبية أجزاء اليمن، ما تسبب في إطلاق يد المتمردين «الحوثيين» في الشمال والحركات الانفصالية في الجنوب والمتشددين من تنظيم «القاعدة»، بينما يعاني سكان البلاد من نقص في الغذاء والماء والوقود والوظائف.
وسئم اليمنيون المعارك المتلاحقة بين القوات الموالية لصالح وقوات المعارضة بعدما أوقفت بشكل موقت المساعي الديبلوماسية لدفع الرئيس اليمني إلى التنازل عن السلطة.
وقال ديبلوماسي غربي رفيع: «نظل نتصور أننا نقترب من اتفاق، ثم ينفلت من بين أيدينا مرة اخرى... هناك أطراف قوية جداً لها علاقة بالوضع، ولا تريد الاتفاق بسبب مصالحها المالية... ولإنقاذ أرواحها».
وحتى داخل الحزب الحاكم نفد صبر المسؤولين. وقال قيادي في «المؤتمر الشعبي العام» كان يشجع صالح يوماً على التمسك بالسلطة: «إذا كنا نريد الاستمرار كحزب في المستقبل فمن مصلحتنا التوقيع على حل سياسي في أسرع وقت ممكن».
كما يضغط رجال أعمال لهم نفوذ على رجال السياسة للتوقيع على اتفاق قائلين إن المسؤولية عن الكابوس الاقتصادي الذي يعيشه اليمن ستنصب أساساً على الحزب الحاكم ما لم يوقع الاتفاق.
مثل هذه الحجج تبدو بلا جدوى بالنسبة للرئيس المنخرط في صراع ثلاثي مع حلفائه السابقين وهم عائلة الأحمر التي تقود تحالفاً قبلياً واللواء محسن قائد الفرقة الاولى المدرعة، اللذين لا تربطهما قواسم مشتركة تذكر بالمحتجين الشبان الذين ينظمون احتجاجات شبه يومية مناهضة للرئيس منذ أكثر من ثمانية أشهر.
ويلمح كل من صالح ومحسن وعائلة الأحمر إلى أنه سيتنحى إذا فعل الطرف الآخر ذلك، لكن المواجهة ما زالت قائمة، وحولت العاصمة صنعاء إلى مناطق مقسمة تسيطر عليها قوات حكومية أو قوات تابعة للمعارضة.
وقال أحد المفاوضين: «على مستوى ما، يريدون صراعاً عسكرياً لاعتقادهم بأنهم سيكونون الطرف المنتصر. ثم يعيدون التفكير ويكونون غير متأكدين، فتنتهي بنا الحال إلى هذه المواجهة».
وتخشى قوى أجنبية من أن تزيد الاضطرابات في اليمن من جرأة تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» المتمركز في البلاد على رغم مقتل أنور العولقي كبير مسؤولي الدعاية باللغة الانكليزية في ضربة شنتها طائرة أميركية بلا طيار الأسبوع الماضي.
وتسبب العنف في نزوح مئات الآلاف من اليمنيين، وأدى الى تفاقم أزمة من الممكن أن تؤثر على دول الجوار التي تحاول إخراج صالح من السلطة بخطة انتقالية.
وتتشارك الأطراف كافة في إعاقة التوصل إلى اتفاق لكن محللين يقولون إن صالح وأفراد عائلته هم العقبة الرئيسية.
وعاد صالح من السعودية إلى صنعاء الشهر الماضي بعدما أمضى ثلاثة أشهر للعلاج والتعافي من محاولة اغتيال أصيب فيها بحروق بالغة. وفسر كثيرون عودته المفاجئة باعتبارها مؤشراً الى أنه وأقاربه الذين يسيطرون على غالبية الجيش سيخوضون حرباً للتمسك بالسلطة.
وقال مفاوض غربي: «الأمر كله يتلخص في رجل لا يريد حقاً التنازل عن السلطة». وأضاف: «يشعر أفراد عائلته بالقلق في شأن مستقبلهم وأرواحهم. لا يعرفون يمناً لا يسيطرون عليه. هذا النوع من اليمن مخيف جداً بالنسبة اليهم، لذلك يعارضون أي اتفاق».
وعلى السطح فإن الجدال قائم حول آلية نقل السلطة. وترفض المعارضة الانضمام إلى حكومة انتقالية ما لم يفوض صالح سلطاته رسمياً أو على الأقل عملياً إلى نائبه.
ويقول بعض المحللين إن القوى الغربية تشجع صالح فعلياً على التمسك بالسلطة على رغم أن واشنطن جددت دعوته إلى التنحي بعد ساعات فقط من مقتل العولقي.
وقال غيرد نونمان وهو متخصص في شؤون الخليج بجامعة جورجتاون ومقره قطر، إن التعاون الغربي في مجال مكافحة الإرهاب مع قوات يديرها ابن صالح وابن اخيه لا بد ان يتوقف. واضاف: «إنه أمر طيب للغاية بالنسبة للولايات المتحدة أن تصدر بياناً من حين لآخر تقول فيه إنها تأمل أن يوقع صالح على الاتفاق ويستقيل. لكن العائلة تنظر إلى كل هذا القدر من التعاون مع ابنه وابن أخيه، ويقولون لأنفسهم: اصمدوا. لماذا لا نصمد حتى النهاية؟ لن يخرجنا أحد حقا».
ويرفض ديبلوماسيون غربيون زيارة صالح منذ عودته لليمن ويركزون فقط على نائبه عبد ربه منصور هادي. وقال ديبلوماسي إنهم يسعون إلى تفنيد اعتراضات صالح على اتفاق نقل السلطة. مضيفاً: «سنرى ما إذا كانت ستنفد حججه أو لا، أم أن خياراتنا نحن ستنفد أولا».
وبينما يتداول المفاوضون سراً يحفر أفراد القبائل والجنود الخنادق في شوارع صنعاء حيث تنتشر شاحنات عليها صواريخ ومدافع آلية.
ويعتقد بعض المفاوضين إن الخلافات المتعلقة باتفاق تسليم السلطة بسيطة للغاية لدرجة أن النجاح ربما يتحقق بعد أيام اذا توافرت الإرادة السياسية لكن اليمنيين لا يكترثون كثيرا بهذا الجدال.
وقال المحلل علي سيف حسن: «من نافذتي، أرى مقاتلين يفصل بينهم أقل من 300 متر. كلما اقترب الساسة من اتفاق كلما اقترب المقاتلون (من الاشتباك) مع بعضهم البعض. سنرى من الذي يصل أولاً».
المصدر: رويترز
إضافة تعليق جديد