المعارضة السورية بين التبعية القطرية والمصلحة التركية والغياب السعودي
لن يكون بمقدور الداعين إلى تدخل عسكري غربي في سورية رؤية طيران الناتو يحلق فوق سماء الشام، فالإنقسام بين عرابي المعارضة ومحتضنيهم طفا إلى العلن بشكل كبير في الآونة الإخيرة، والتناتش الحاصل بين شخصيات المعارضة نفسها وعدم تمكنهم من توحيد أنفسهم دفع ببعض الدول الغربية إلى إلقاء اللوم عليهم علناً، لفشلهم الذريع في رص صفوفهم.
المعارضة السورية الحائرة ما بين "مجلس اسطنبول" و "هيئة التنسيق الوطنية في سورية"، وشخصيات أخرى، اصبحت تأتي بالصداع للدول الراعية لها على حد وصف بعض المسؤولين الغربيين، فقرارات الجامعة العربية أريد بها توجيه صدمة كهربائية للمعارضة السورية للمساعدة على إحيائها، ولكن الفشل لا يقع وحده عليها فالإنقسام القطري التركي في ليبيا، والذي رأى النور عبر تصريحات محمود جبريل ومحمد عبد الرحمن شلقم امتد إلى ليتغلغل في صفوفها، لأن الأجندة التركية تختلف عن مثيلتها القطرية.
بين التبعية القطرية لأميركا، والمحاولة التركية استثمار موقفها من السلطات السورية تغيب المملكة العربية السعودية عما يحصل، والغياب هذا مرده إلى تيقن المملكة من ماهية الصراع فالأميركي خذلها وفي أكثر من مناسبة، فالمبادرة العربية للسلام والتي أعلن عنها الملك عبدالله بن عبد العزيز في مؤتمر قمة جامعة الدول العربية في بيروت منذ ما يقارب العشر سنوات لم تلقي آذاناً صاغية في الدوائر الغربية، الأمر الذي أكد للسلطات السعودية أن الدور الذي أرادته أميركا لهم لا يتعدى إيصال الرسائل والقيام بأدوار ثانوية، وهذا الأمر دفع بالمملكة إلى رمي كرة النار السورية في الحضن القطري الذي تلقفها على عجل لإيجاد دور سياسي أساسي له في الشرق الأوسط تحت الرعاية الأميركية، ودور الكومبارس لم يعد يلائم السلطات السعودية والتي على ما يبدو التقطت إشارات تنبئ بأن الرغبة الأميركي وراء كل ما يحصل في سورية لا تتعدى سوى تهميش دور سورية الإقليمي من جهة، والحصول على ضمانات إيرانية مع اقتراب موعد انسحابها من العراق للحفاظ على حصص نتيجة الإتفاقيات الموقعة بين الشركات الأميركية والحكومة العراقية، كما أن الخلافات الداخلية التي تعصف بالبلاط الملكي السعودي لا يسمح للملكة حالياً من لعب أي دور رئيسياً كان أم ثانوياً.
حتى رئيس الوزراء التركي أردوغان وفي خطاباته الأخيرة ألمح إلى أن أوروبا خذلته لآنها غير حازمة تجاه السلطات السورية، ونتيجة لهذا العجز برر لنفسه عدم الذهاب بعيداً في الموضوع السوري، لأن محاولات إقامة منطقة عازلة وهي أحد مطالب مجلس إسطنبول دفن في مهده بسبب التعهد السوري برد قاس في حال الإقدام على هكذا خطوة تعد انتهاكاً للسيادة السورية من جهة، والأزمة الداخلية الثلاثية الأضلاع الجيش والأكراد والمعارضة التي دقت ناقوس الخطر الإقتصادي الذي يعبث بتركيا التي شهدت عجزاً تجارياً هائلاً في الأشهر الماضية، ولايخفى على أحد أن محاولة أردوغان الدخول على خط الأزمة السورية يتمثل جزء منه في الحصول على حصص مادية من دول الخليج وأوروبا لإيفاء القروض المستحقة على الدولة التركية تجاه صندوق النقد الدولي.
ومع انعدام إمكانية التدخل العسكري وإقامة المنطقة العازلة، لجأ بعض المسؤولين الغربيين إلى التلويح بالحرب الأهلية كبديل عن التدخل العسكري، ووصل الأمر بوزيرة الخارجية الأميركية إلى القول ب"أن معارضة مدربة ومسلحة جيداً حل مثالي للمرحلة الحالية" وأداة يمكن إستخدامها في المرحلة المقبلة، إلا أن الوضع الميداني لا يدلل على نجاح هذه الخطة، فمطاردة الأمن السوري للمسلحين صعّب من مهمتهم في الحصول على السلاح والتواصل بحرية مع مشغليهم، إضافة إلى أن الكثير من العناصر المسلحة استجابت لدعوة وزارة الداخلية بتسليم أنفسهم وسلاحهم مقابل العفو عنهم، والمفاجأة تمثلت في أن معظمهم أدرك ولو متأخراً أنهم ليسوا سوى مطية في الصراع الحاصل بالمنطقة.
جواد الصايغ
المصدر: عربي برس
إضافة تعليق جديد