الجامعة العربية تلجأ إلى النظام لحـل الأزمـة في سـوريا
ليست سوريا مثل ليبيا، ولا يمكن لجامعة الدول العربية، الهاربة من مقرها الرسمي إلى بعض الفنادق البعيدة عن ميدان التحرير في القاهرة، حتى لا تحترق بنيران الثورة، أن ترتكب «الخطيئة المميتة» مرتين..
إذن، لا مجال لإعطاء تفويض «عربي» جديد وتوفير تغطية «عربية» مجانية لمجلس الأمن الدولي، وعبره لحلف الأطلسي والدول الغربية الطامعة بخيرات النفط الليبي... ولم يكن ذلك «الجنرال القطري» المشارك ـ مع سرب من الطائرات الحربية القطرية!! ـ أكثر من شاهد زور يؤكد الفضيحة العربية بتواطؤ الجامعة العربية.
ولأن مجلس الجامعة مصاب بالدوار، فقد وجدت هذه المؤسسة العجوز نفسها مع الأزمة في سوريا في موقف أشد تعقيداً من ذلك الذي واجهته مع «ثورة ليبيا»، والذي اختتم به أمينها العام السابق حياته فيها بفضيحة ستطارده دائماً... وهكذا فإنها لوّحت بسلاح يصيبها قبل أن يصيب النظام السوري، متمنية أن يبادر هذا النظام بنفسه إلى مساعدتها بأن يتراجع عن مواقفه المعلنة، ولو قليلاً.. لكي ينقذ الجامعة التي وُلدت على أرض سوريا (في بلودان) والتي تفترض أن النظام لا يريد أن يدفنها في دمشق.
وحسب مشاركين ومتابعين، فإن بعض الحريصين على الجامعة العربية ودورها، وعلى استمرار وجودها تحديداً، كانوا يأملون أن يقدّم النظام السوري ما يساعد على حل أزمة الجامعة عبر قبول «وساطتها» التي كانت تتوجه إليه أكثر مما تتوجه إلى أشتات معارضيه، والذين برّر بعض مسؤوليها قرار استقبالهم فيها بأنه لمنع استخدامهم كغطاء محلي لمصالح وأغراض لدول عدة.
وليس من غير دلالة أن ينهمك رئيس الدورة الحالية للجامعة في محاولة تبرير القرارات الهمايونية التي اتخذت بالقول إن ليس القصد منها إيذاء الشعب السوري والتضييق عليه، بل هي قد تؤذي النظام فتردعه عن ممارساته الدموية وتجبره على فتح أبواب الحل..
كذلك ليس من غير دلالة أن يحل مسؤول تركي رفيع المستوى ضيفاً على مجلس الجامعة، بينما أنقرة لا تفتأ ترفع صوتها بالإنذارات الموجهة إلى النظام السوري، وإن ظل التبرير المعلن يركز على مقولة «إنما نضغط على النظام في دمشق من أجل الحل، ولسنا ذاهبين إلى الحرب.. فضلاً عن أننا لا نقدر عليها».
هكذا فقد أضافت الجامعة إلى أثقال النظام مهمة إضافية: نريده أن يحل الأزمة في سوريا لكي يساعد على حل أزمة الجامعة العربية! فإن هو لم يساعدنا فإننا لا نعرف ونعجز عن التفكير في الخطوة التالية.
والمسؤولون الكبار عن هذه «الحرب المفتوحة» باسم الجامعة العربية وعبرها مع النظام السوري، يعرفون باليقين أن «الدول» بدءاً بالإدارة الأميركية وانتهاءً بقادة الاتحاد الأوروبي، ليسوا جاهزين لحرب تدخل جديدة، وفي سوريا هذه المرة... فتلك الدول غارقة في مشكلاتها الحادة، اقتصادياً وبالتالي سياسياً. الرئيس الأميركي دخل دوار الترشيح لولاية ثانية في البيت الأبيض، وحكومات أوروبا الغربية تتهاوى تحت وطأة أزماتها الاقتصادية الخانقة التي تتهدد اتحادها وعملتها الموحدة بالانفراط.
ثم أن هؤلاء المسؤولين يعرفون أن النظام السوري يدرك أن العالم لن يترك لبنان والأردن والعراق تغرق في بحر الأزمة السورية، وهو سيحاول تجنيب الدول الثلاث آثار الارتدادات القاسية لقراراته العشوائية بمعاقبة الشعب والدولة في سوريا بأكثر مما تصيب النظام.
بل إن هؤلاء المسؤولين يعرفون أن هذه القرارات المرتجلة قد تؤدي إلى إثارة الكرامة الوطنية لدى السوريين أكثر مما سوف تدفع «البورجوازية» في دمشق وحلب إلى الثورة على النظام.
[ [ [
لا تعني هذه التقديرات أن النظام في سوريا قد انتصر... فأزمة النظام مع شعبه أولاً وأخيراً، ولن يخفف من حدتها أن تفشل الجامعة العربية، التي كانت منسية، والتي ثبُت أنها لا تنفع إلا مرة واحدة في الاستقالة من سبب وجودها وتفويض «مجلس الأمن الدولي»، وبختم منها، القيام باجتياح عسكري مدمّر لدولة عربية.
ليس انتصاراً للنظام السوري أن تسقط الجامعة العربية على أعتابه، فهذه المؤسسة العجوز أبأس من أن تنتصر في أية مواجهة..
واستمرار الأزمة الدموية الخطيرة التي تلتهم على مدار الساعة الكثير من كرامة سوريا، شعباً ودولة، والكثير من إمكاناتها وقدراتها الذاتية، وتكاد تلغي دورها العربي المؤثر، لا يعني بأي حال أن النظام في طريقه إلى الانتصار.. على شعبه.
إن المسؤولية، بداية وانتهاءً، هي مسؤولية النظام في دمشق عن هذه الأزمة الدموية الخطيرة التي تنذر بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، ليس في سوريا وحدها بل سوف تمتد نيرانها إلى جوارها غرباً وشرقاً وجنوباً، وقد تتجاوز العراق إلى الجزيرة والخليج وصولاً إلى اليمن عبر البحرين.
وليس مما يخفف من مسؤولية النظام أن يتباهى بأنه قد نجح في إفشال مبادرة الجامعة التي كان الجميع يأملون أن يجد فيها ما لا يحرجه وهو يتقدم في اتجاه حل مقبول للأزمة يوقف المذبحة اليومية ويوفر المناخ لتسوية سياسية يحتاجها النظام، خصوصاً وقد فشل حتى اليوم في صياغة مثل هذه التسوية والتقدم بشجاعة لمباشرة تنفيذها ووقف شلال الدم الذي يذهب بالرجال ـ عسكريين ومدنيين ـ وبالنساء والأطفال والشيوخ في مختلف أنحاء سوريا، والذي كلما تأخر وقفه أنهكت سوريا في سمعتها وفي دورها وفي قدراتها... وليس فخراً للنظام أن يبقى وقد ذهبت الدولة.
فما يتهدد سوريا ـ ومحيطها العربي ـ أخطر من التدخل الدولي.
ولم تكن الحرب الأهلية في أي يوم حلاً، خصوصاً متى اتشحت بسواد الفتنة الطائفية.
طلال سلمان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد