اللعبــة الســوريــة انتهــت
برنار ليفي يحييكم من قلب الملتقى الوطني الأول للمجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا ويقول لكم انه فعل الذي فعله وقال الذي قاله بحضوركم وفي غيابكم أيضا، وشارك معكم في تدمير بلدانكم فقط من موقع الوفاء ليهوديته ولصهيونيته «إسرائيل».
كتبت صحيفة فيغارو الفرنسية على هامش إصدار كتاب جديد للصهيوني الفرنسي ليفي أن الأخير قال إن هناك سبباً آخر لما قام به وهو «أني قمت بما قمت به لأني يهودي» - هو نفسه يقول انه يهودي كيلا نتهم باللاسامية -، ولم أكن يهوديا لما قمت به. وأضاف ليفي «لقد قلت ذلك في بنغازي وفي طرابلس أمام عشرات الآلاف من الليبيين».
ترى بماذا كان يفكر عشرات آلاف الليبيين وليفي يقوم بإلقاء نفاياته عليهم مبتسماً؟
ألم تحضرهم قامة عمر المختار وهو يتأرجح على حبل مشنقة الاستعمار؟
ألم يروا شهداء الثورة الليبية أمامهم مذهولين من صمتهم ومن تصفيقهم للصهيوني ليفي في قلب ليبيا بلد كل العرب؟
ليفي هذا هو الذي لعب دورا هاما في استغلال الحراكات الشعبية العربية وركوب موجتها وتوجيهها ضد بعض الحكام العرب، ومن خلال التنسيق مع دول عربية تلعب دورا أكبر من حجمها بكثير، وذلك بمساعدة أميركية أوروبية مباشرة واستعداد صهيوني للدعم والإسناد المباشرين في أية لحظة يتطلب الأمر ذلك. الجدير بالذكر أن وكالة الأنباء الفرنسية نقلت عن ليفي انه «خلال لقاء دام ساعة ونصف، أبلغت رئيس الوزراء رسالة شفوية من المجلس مفادها أن النظام الليبي المقبل سيكون معتدلا ومناهضا للإرهاب، يهتم بالعدالة للفلسطينيين وأمن إسرائيل». وأضاف هنري ليفي في تفاصيل فحوى الرسالة التي حملها من ليبيا قائلا: النظام الليبي المقبل سيقيم علاقات عادية مع بقية الدول الديموقراطية بما فيها «إسرائيل».
تصريحات برنار هنري ليفي أحرجت قادة المجلس الانتقالي الليبي فسارع بعضهم الى تكذيبها والتأكيد على أن ليبيا لن تعترف بالكيان الصهيوني. فنفى عبد الحفيظ غوقة نائب رئيس المجلس الانتقالي الليبي آنذاك، أن يكون المجلس يريد إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني مستقبلاً. وأضاف انه ينفي باسم المجلس جملة وتفصيلاً كل ما قاله الكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي، على لسان المجلس، وأن هذا الأخير لم يطلب من ليفي توصيل أي رسالة بهذا الخصوص، و«المجلس الانتقالي لن يربط أي علاقة مع الكيان الصهيوني مهما كان نوعها، لا الآن ولا مستقبلاً». وكذلك نفى رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل ما قاله ليفي برغبة المجلس الانتقالي في التعاون مع «إسرائيل». لكن هل تستطيع دولة تخضع للاحتلال الأجنبي المباشر، الاحتلال المتحالف مع الكيان الصهيوني أن تمنع أو ترد وتصد إملاءات تلك الدول، التي خاضت الحرب في ليبيا الى جانب معارضي حكم معمر القذافي، وفعلت ذلك لسببين: الأول مصالحها الاقتصادية، والثاني الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني وجر الدول العربية لإقامة علاقات طبيعية معه بالرغم من استمراره في الاحتلال والعدوان والإرهاب، وفي تحقير كل الدول العربية من خلال رفضه مبادرتهم السلمية بكل ما احتوته من تنازلات جوهرية عن ثوابت ومسلّمات القضية الفلسطينية.
التجارب تقول إن الشعب العربي الليبي الأصيل لا يمكن أن يعترف بالكيان الصهيوني ولا أن يقيم علاقات معه لأنه شعب تربى على الوطنية والقومية وحس الانتماء الى هذه الأمة العربية. وهو شعب خاض حربا جهادية ضد الاستعمار الطلياني وقدم الشهداء في سبيل الحرية والاستقلال. وبعد انتصاره التزم قضايا الأمة فقدم مساعدات كبيرة لكل الثورات وحركات التحرر العربية والعالمية وفي مقدمتها الحركة الوطنية الفلسطينية.
لذا ورغم سجل برنار ليفي الحافل بالمؤامرات الخسيسة ومحاولته الدخول مباشرة على خط الحراك الشعبي، سواء في ليبيا والآن في سوريا، وبالرغم من تواطؤ البعض معه وخاصة البعض في صفوف المعارضة السورية المقيمة في تركيا وفرنسا وأميركا والخارج. وقيام بعضهم مثل «ملهم الدروبي» الذي مثل تنظيم الإخوان المسلمين السوريين في مؤتمر سان جيرمان الذي أقامه برنار ليفي للمعارضة السورية في فرنسا. الدروبي في حديث مع وسائل الإعلام اعتبر ليفي صديقا للشعب السوري. وعند سؤاله عن الاعتراف بالكيان الصهيوني لم ينف رغبة الإخوان القيام بذلك. وسبق للبيانوني المرشد السابق للإخوان السوريين أن أقر للقناة العاشرة الصهيونية بأن تنظيمه عندما يستلم الحكم في سوريا سوف يعترف بالكيان الصهيوني. أما السيد الشقفة المرشد الحالي لتنظيم الإخوان في سوريا والمقيم في تركيا فقد طلب قبل أسابيع قليلة بمؤتمر صحافي في اسطنبول من تركيا التدخل العسكري في سوريا، ونعلم أن تركيا حشدت منذ وقت بعيد ومع بداية الأزمة السورية قوات كبيرة على الحدود السورية. مما حدا بالجيش السوري لإرسال اللواء الحادي عشر الى الحدود مع تركيا. وبنفس الوقت وجهت إيران حليفة سوريا تحذيرا لتركيا بأنها لن تكون بمنأى عن الخطر في حال وقوع حرب في سوريا. كما صرح أحد أركان النظام الإيراني بأن قاعدة الدرع الصاروخي الأميركية التي بنيت في تركيا ستكون هدفا عسكريا لبلاده باعتبارها أقيمت لحماية الكيان الصهيوني.
تأتي كل هذه التطورات مترافقة مع قرارات عربية تتخذها الجامعة لتمهيد الطريق للتدخل الخارجي. ولولا المواقف الحاسمة للروس والصينيين وتماسك القيادة والجيش وعدم انجرار فئات عريضة وواسعة من الشعب السوري خلف ما يحدث في سوريا لكان التدخل الأجنبي بدأ منذ زمن بعيد. ورغم هذا وذاك يكتب برنار ليفي في زاويته الأسبوعية بمجلة «لوبوان» مقالة بعنوان «نهاية اللعبة في سوريا»، كشف من ضمن ما كشفه مفاوضاته مع رموز عديدة من المعارضة السورية خارج بلاد الشام. وأهمية ما قاله ليفي تكمن في كشفه تبدل مواقف الرموز المعارضة من مسألة التدخل الخارجي في سوريا. فبعد أن كان الكثيرون منهم يرفضون أي تدخل خارجي في الشأن السوري، بمن فيهم الإخوان ورئيس المجلس الانتقالي، صارت الأكثرية المطلقة مع التدخل الأجنبي.
وجاء على لسان ليفي في مقالته في مجلة بلوبان: ((كان هناك، حتى في فرنسا، معارضون (سوريون)، ممن التقيتهم أثناء الإعداد لتجمع تضامني مع المدنيين السوريين، قبل الصيف الماضي، قالوا لي آنذاك إنهم يفضلون الموت على أن ينطقوا بكلمة تدخل أو تدخل دولي. وهذا ما يفسر لماذا لم نقم في سوريا بمثل ما قمنا به في ليبيا. ليس ذلك من قبيل الكيل بمكيالين، بل كانت لهذه الفضيحة الأخلاقية (!!!) أسباب ومبررات عديدة، أولها أن (المعارضين) السوريين، بخلاف الليبيين، لم يكونوا يطالبون بالتدخل، بل كانوا في أحيان كثيرة يرفضون ذلك. وها قد بدأت مواقف هؤلاء تتغير. وهذا هو السبب الأخير الذي يجعل نظام دمشق محكوماً عليه بالانهيار. إن الحرب الآن قد أُعلنت ضد الأسد)).
ليفي الذي يعتز بصهيونيته ويعتبر الكيان الصهيوني واحة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ويعتبر الجيش الصهيوني أكثر جيش أخلاقي في العالم، وكان دخل مخيم جنين بعد المذبحة الصهيونية التي حدثت هناك، على ظهر الدبابة الصهيونية، ومن فوق ركام المخيم أطلق المديح للجيش الصهيوني، وفعل الشيء نفسه حينما استخدم الجيش الصهيوني الفوسفور الأبيض في قصف قطاع غزة وسكانه خلال عملية العدوان المسماة الرصاص المسكوب. ولا يخفي انه قام ويقوم بكل شيء لخدمة اليهودية والصهيونية وكيان «إسرائيل». و كشف في المقالة عن جوانب مثيرة من المساعي الخفية التي قام بها خلال الأشهر الماضية، لاستمالة المعارضين السوريين لتأييد ما يسميه نظرية القذافي. أي ما معناه التعامل مع الرئيس بشار الأسد في سوريا كما تم التعامل مع الزعيم الليبي معمر القذافي. داعيا من خلال ذلك لاعتبار سابقة تدخل حلف الناتو عسكريا لإطاحة الزعيم الليبي معمر القذافي لتصبح أساسا قانونيا ترتكز عليه قوى الشر العالمي والامبرياليات العالمية في حروبها التوسعية والعدوانية على الدول الأخرى، في تاريخ القرن الحالي. وطالب ليفي بالعمل لأجل سن هذه النظرية الجديدة للتخلص من الأنظمة الاستبدادية. ولدى الصهيوني ليفي الذي كان قد التقى بباريس مع رموز من المعارضة السورية منهم رفعت الأسد نائب الرئيس السوري السابق قناعة تامة بأن سيناريو ليبيا سوف يتكرر في سوريا. وان اللعبة في سوريا انتهت. لكن ليفي الذي نجح في التجربة الليبية قد لا ينجح في التجربة السورية، لأن سوريا ليست ليبيا، ولأن الشعوب العربية لا بد استفادت من دروس فلسطين ولبنان والجزائر والعراق وليبيا.
نضال حمد
المصدر: السفير
التعليقات
حمص الى متى ؟؟؟
ان شاء الله سورية وقيادتها
إضافة تعليق جديد