«حوار طرشان» بين المعارضة السورية في القاهرة
حوار سوري ـ سوري معارض في القاهرة يراوح مكانه. لا يبدو أن الدعوات العربية والدولية للمعارضة السورية لتوحيد صفوفها، لكي تنال على الأقل الاعتراف الناجز بها، قد وجدت صدى ايجابيا. ومن دون ضغوط الجامعة العربية، ما كان للحوار بين المعارضين السوريين أن يستأنف قبل يومين في القاهرة، بعد أكثر من أسبوع من انكفاء ممثلي «المجلس الوطني» إلى مهمات أخرى.
والحوار بين طرفي المعارضة، في «المجلس الوطني» و«هيئة التنسيق للتغيير الوطني والديموقراطي»، يدور منذ 20 يوما في العاصمة المصرية من دون أن يحقق أيا من طلبي الجامعة العربية لإنجاح مبادرتها: توحيد طرفي المعارضة في إطار جديد تحت مسمى «المؤتمر السوري العام» والخروج بورقة عمل سياسي أو برنامج مشترك يمهد لتحديد المرحلة الانتقالية. ويعد تحقيق هذا المطلب حيويا بنظر الجامعة لتنفيذ مبادرتها. إذ تربط الجامعة بين المبادرة وبين إشراك المعارضة السورية في بعثات المراقبين على الأرض، وهي مقدمة ضرورية لانتزاع اعتراف من النظام السوري بشرعية المعارضين وبلورة عناصر معارضة للمشاركة في حكومة انتقالية محتملة.
والحوار السوري مغلق، حوار طرشان، لأنه يجري في أجواء لا ثقة فيه لطرف بمن جاء يحاور، ويسود شعور لدى ممثلي «التنسيق»، كما قال احدهم بأن «المجلس الوطني يتعامل معهم وكأنه لا يحتاج إلى هيئتهم لكسب المعركة الدائرة في سوريا، وانه يستجيب في حضوره الاجتماعات لضغوط الجامعة العربية لا أكثر».
ويدور حوار الورقة السياسية وشروط الدخول معا في مؤتمر وطني موحد للمعارضة السورية بين وفدين قادمين من توترين متفاوتين. تفاوت توتر شرعيات الخارج والداخل في كل الثورات: التنسيقيون الذين يستمدون شرعيتهم وقوتهم، باستثناء هيثم مناع، من الداخل وسجنائه السابقين «رجاء الناصر، عبد العزيز الخير، وصالح مسلم محمد، سيف حجازي، ومحمود مرعي» وبين وفد الوطنيين الآتي من الخارج «احمد رمضان، وسداد العقاد، ومحمد الهاشمي».
قال احد التنسيقيين إن وفد «الوطني» رفض دعوة «التنسيق» إلى اعتبار «المؤتمر العام السوري»، إطارا جامعا للمعارضة. كما رفض دعوة إلى اعتباره مرجعية سياسية لجميع المعارضة السياسية. وقال إن «المجلس» يرى، كما قال ممثلوه في القاهرة، بأنه بات يتمتع بتلك الصفة، لاتساع قاعدته الشعبية وحصوله المتزايد على الاعتراف الدولي.
ويرى «الوطني» أن المؤتمر السوري لن يكون أكثر من لقاء هيئة تشاورية، تجتمع لإقرار ورقة سياسية وتصور للمرحلة الانتقالية، لكن لا صفة سيادية له كما يطالب التنسيقيون.
ويميل «التنسيق» إلى تكبيل «المجلس الوطني» في اطار موحد ينزع بشكل خاص إلى مراقبة التيار المطالب بالتدخل الخارجي في «المجلس»، والحد من تأثير الإخوان المسلمين في تقرير سياسته، ومنع القطريين من خلفهم من إملاء سياستهم على هذا الجناح الأساسي من المعارضة السورية. ويعتبر التنسيقيون أن الإخوان المسلمين أصبحوا القوة التي تقرر في النهاية ما يجب أن يقوم به المجلس الوطني. فبعد توقف في الحوار لمدة أسبوع اوفد المجلس الوطني «الإسلامي» أحمد رمضان للتفاوض مع التنسيق، (عوضا عن جبر الشوفي وأنس العبدة من إعلان دمشق)، الذي ينعته بأنه الرئيس الفعلي للمجلس الوطني.
وتقدم التنسيق بورقة تقترح تشكيل لجنة تحضيرية من ثلاثة أعضاء من هيئة التنسيق وثلاثة أعضاء من المجلس الوطني وثلاثة أعضاء من الحراك الشعبي وممثل عن المجلس الوطني الكردي وممثل عن النشاط النقابي وثلاثة ممثلين عن الشخصيات العامة. مهمة هذه اللجنة التحضيرية الإعداد لمؤتمر سوري عام يتحدد أعضاءه بين 120 و140 عضوا، على أن يكون توزيع الأعضاء بالطريقة التالية:
- هيئة التنسيق الوطنية 35 عضوا
- المجلس الوطني السوري 35 عضوا
- الحراك الشعبي 20 عضوا
- الأحزاب والشخصيات الكردية 10 أعضاء (رقم مرتبط بالمستجدات التنظيمية الكردية)
- الشخصيات الوطنية العامة 20 عضوا
يعتمد المؤتمر الآليات التي يجدها مناسبة لإدماج مزيد من القوى والشخصيات التي يمكن أن تبرز في سياق الحراك والثورة والحركة الاجتماعية المدنية.
وتكون مهمة المؤتمر إقرار أوراق أساسية تتناول:
1- تقييم الوضع الراهن والبرنامج السياسي المشترك
2- رسم معالم الفترة الانتقالية
3- إقرار المبادئ الدستورية الأساسية لنص مؤسس وجامع لبناء دولة المواطنة والقانون، بنظام ديموقراطي برلماني تعددي وتداولي، يكرس سوريا ديموقراطية مدنية تعددية ذات سيادة.
يختار المؤتمر هيئة رئاسية تتألف من 25 شخصا، تكون لها الصفة التمثيلية، ويناط بها قيادة المهمات التنفيذية المتعلقة بالفترة الانتقالية وفق ما يقرره المؤتمر.
يشكل المؤتمر بهذا المعنى مجلسا تأسيسيا، ويمكنه الاستعانة بخبراء في المهمات الدستورية والإدارية والدبلوماسية المناطة به. وهو ينطلق من مبدأ الديموقراطية التوافقية حرصا على وحدة مكوناته ووحدة الأداء والنضال في الفترة الانتقالية.
وكان المجلس الوطني قد عبر مرارا عن أنه لا حاجة لتوحيد المعارضة، بل أنه لا ضرر من تنوع المعارضة. وقد صرح بذلك أكثر من مرة رئيسه برهان غليون، محددا السقف الأعلى لأي تقارب مع هيئة التنسيق، وهو سقف يبقى بعيدا عن طموحات الهيئة، التي تسعى إلى الدخول في المؤتمر السوري المشترك مع المجلس الوطني، للتعامل معه ندا لند. إذ ترى قيادة المجلس أن تأثير هيئة التنسيق في الحراك الشعبي ضئيل أكثر من أي وقت مضى، وهي قناعة يعززها انضمام المزيد من المعارضين إلى صفوفها، وآخرهم وليد البني في أمانتها العامة، وهيثم المالح في مكتبها التنفيذي، وهي خطوة رمزية كبيرة من قبل احد مؤسسي مؤتمر إسطنبول المعارض. كما أن دخوله المكتب التنفيذي، يجعل من الإسلاميين القوة الرئيسة في المكتب التنفيذي الذي بات يضم 3 إسلاميين من بين 8 أعضاء.
واستنتج أحد قادة المجلس الوطني أنه «لا توجد قناعة لدى المجلس بأن عقد مؤتمر سوري جامع أمر ملح وعاجل، ولكنه من الممكن عقد مثل ذلك المؤتمر، بعد التوصل إلى اتفاق على برنامج سياسي مع هيئة التنسيق. وإذا لم نتوصل إلى اتفاق، فإن الهيئة ستضعف تدريجيا، ومع ذلك فإنها ترفض الانضمام إلى المجلس الوطني، وقد طلبت المناصفة في العضوية لتدخل المجلس، وهذا مستحيل».
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية أضحت قيادة المجلس في مقدمة المشهد الإعلامي. فباستثناء اللقاء مع وزير الخارجية البريطانية مع «المجلس والهيئة» منفصلتين، يكاد المجلس الوطني ينفرد في التعبير عن توجهات الحراك الشعبي السوري في وسائل الإعلام العالمية، ويحتكر النطق باسمه في اللقاءات مع الخارجيات الأميركية والفرنسية.
وتنبع قوة المجلس الوطني كواجهة الحراك الدبلوماسية من ضمه كوادر وأكاديميين معارضين منخرطين في مراكز تعليم وأبحاث غربية، من دون لافتات حزبية معلنة وحادة. وأضفى الإعلام على بعضها صفة الليبرالية الفضفاضة والمطمئنة. والأرجح، أن مسحة من وطنية سورية جامعة ومدنية ومغرية، أضفتها إستراتيجية الكتمان والتقية التي يتبعها الإخوان المسلمون السوريون، ووقوفهم في الظل، خلف الصفوف الليبرالية والعلمانية التي تفتقر إلى تمثيل حقيقي، بسبب ما تباعد بينها وبين الداخل من تقادم عهد المنافي الطويل عليها أو حداثة بعضها بالمعارضة. وكثير منها يفتقر خبرة مماثلة للعمل في المنافي.
وقال أحد مسؤولي المجلس الوطني إنه يجب الاعتراف بأن «الإخوان» حاضرون في كل الأطر، وهناك «خمسون إخوانيا تجدهم في كل الاجتماعات واللقاءات والمؤسسات». ويشعر المجلس بأنه أضحى أقوى من جميع الأطراف مع تزايد لقاءاته بمسؤولي الدول الغربية، وما يرى إليه اعترافا ضمنيا بموقعه التمثيلي للثورة السورية، ووحدانية هذا التمثيل من دون غيره من أطراف المعارضة. ولكن المشكلة الأكبر للمجلس، كما يرى أحد قادة التنسيق، تبقى أن الإسلاميين هم العنصر الأساس والثابت فيه والليبراليين ليسوا سوى ملحق ضروري للعلاقات العامة «من هنا ما يتردد بقوة بأن المكانة التي حاول غليون أن يكتسبها من فترة رئاسته لم تعد مقبولة، وأن التحضير لما بعده في 15/12 قد بدأ فعلا».
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد