الجامعة العربية ترفع مستوى تدخلها من «مراقبة» سوريا إلى «المخرج» اليمني
قدّمت الجامعة العربية أمس، بعد تسلمها تقرير بعثة المراقبين في سوريا وتمديدها مهمتهم شهراً، مبادرة وصفتها قطر بأنها «مخرج مشرف» للسلطة تستلهم المبادرة الخليجية حول اليمن، رفضتها دمشق بشكل «قاطع»، وقوامها أن ينطلق حوار سياسي خلال أسبوعين مع كافة أطياف المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، على أن يفوض الرئيس بشار الأسد «صلاحيات كاملة» لنائبه الأول للتعاون مع الحكومة، التي من مهماتها الإعداد لانتخابات «برلمانية ورئاسية»، وأن يصدق مجلس الأمن الدولي على القرار العربي ويدعمه.
وجاءت هذه الخطة العربية بعد يوم طويل من المداولات والاجتماعات العربية التي شابتها أجواء مشحونة على خلفية استقطاب بين كتلتين، هما الدول الخليجية من جهة، وعلى رأسها قطر والسعودية التي خرجت عن التوجه العام بإعلانها سحب مراقبيها من البعثة العربية، والجزائر والسودان ولبنان والعراق من جهة أخرى.
وقالت مصادر مطلعة إنه منذ انتهاء رئيس بعثة المراقبين الفريق الأول مصطفى الدابي من تلاوة التقرير أمام اللجنة بدا التوتر واضحاً على القطريين واعتبروا ما قدم بأنه لا يعكس الواقع بدقة، ورد الدابي عليهم بأن كل ما هو وارد في التقرير موثق و«نحن لسنا مسؤولين عن أي شيء حصل قبل وصولنا، وما فعلته المعارضة السورية أكثر بكثير مما قام به الجيش السوري»، فتطور الموقف بين الدابي ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم الى الحد الذي قال فيه الدابي له «أوقفوا تحريض الجزيرة والعربية، فتهدأ الأوضاع في سوريا».
والمفاجأة، بحسب المصادر في اجتماع اللجنة ومن ثم الاجتماع الوزاري العربي، كان موقف وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل «الذي كان هو رأس الحربة وليس القطريين كما كان يحصل سابقاً، والتقديرات أن الانفعال السعودي متصل الى حد كبير بخطاب الأسد الأخير». وقال الفيصل كلاماً بحق الأسد في الاجتماع «خرج فيه عن اللياقة الدبلوماسية». واتهمه بعدم احترام أحد من القادة العرب. وفي الاجتماع الوزاري قال حمد بن جاسم إنه «إذا لم يكن سقف البيان عالياً، سأبادر إلى اتخاذ مواقف أعنف».
أما لبنان فاعترض على المقررات، وعندما حصل التصويت أعلن النأي بالنفس، ورد سعود الفيصل متهكماً على الموقف اللبناني، لكن المسؤول القطري أبدى تفهمه وقال هذا ليس اعتراضاً ولا تحفظاً إنما نأي بالنفس. وقالت المصادر ان العراقيين كانوا ميالين إلى الموقف اللبناني برفض القرار، وعند التصويت أجروا اتصالات وعادوا وصوتوا الى جانب القرار.
وقالت المصادر إن الانطباع السائد في القاهرة أن «تقرير الدابي برأ النظام بنسبة تزيد عن سبعين في المئة». وأن بند الإحالة الى مجلس الأمن «ليس أكثر من علم وخبر».
ودعا وزراء الخارجية العرب الحكومة السورية وكافة اطياف المعارضة الى «بدء حوار سياسي جاد في اجل لا يتجاوز اسبوعين» من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين، وطالبوا الرئيس السوري بشار الاسد بتفويض «صلاحيات كاملة» الى نائبه الاول للتعاون مع هذه الحكومة. وقال وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني ان «المبادرة العربية تتحدث عن ذهاب النظام السوري سلمياً»، معتبراً ان «المبادرة متكاملة تشبه المبادرة اليمينة ونأمل ان تقبل بها الحكومة السورية حتى نستطيع ان نبدأ التنفيذ، في حال لم ينفذوا نحن ذاهبون الى مجلس الامن وسنتخذ قرارات ليس من بينها التدخل العسكري».
وعدد قرار الوزراء العرب ست نقاط لهذه المبادرة وهي: «تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين تشارك فيها السلطة والمعارضة برئاسة شخصية متفق عليها تكون مهمتها تطبيق بنود خطة الجامعة العربية والاعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون ينص على إجراءاتها وبإشراف عربي ودولي»، «تفويض رئيس الجمهورية نائبه الاول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية»، «اعلان حكومة الوحدة الوطنية حال تشكيلها أن هدفها هو اقامة نظام سياسي ديموقراطي تعددي يتساوى فيه المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ويتم تداول السلطة فيه بشكل سلمي».
وتقوم «حكومة الوحدة الوطنية بإعادة الامن والاستقرار في البلاد وإعادة تنظيم اجهزة الشرطة، انشاء هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والبت فيها وإنصاف الضحايا، الاعداد لاجراء انتخابات لجمعية تأسيسية على ان تكون شفافة ونزيهة برقابة عربية ودولية خلال ثلاثة اشهر من تشكيلها، وتتولى هذه الجمعية اعداد مشروع دستور جديد للبلاد يتم اقراره عبر استفتاء شعبي واعداد قانون انتخابات على أساس هذا الدستور». كما قرر الوزراء العرب «الاستمرار في دعم وزيادة عدد بعثة مراقبي الجامعة العربية في سوريا وتوفير ما يلزم لهم من الدعم الفني والمالي والاداري».
وقال رئيس الوزراء القطري ان الجامعة العربية ستطلب من مجلس الأمن التصديق على قرارها ودعمه، موضحا أن «هناك قراراً بالذهاب بكل القرارات العربية إلى مجلس الامن لإقرارها»، ومشيراً الى ان الجزائر تحفظت على هذا البند فقط، وأن لبنان نأى بنفسه بشكل كامل عن القرار. واعتبر حمد بن جاسم أن «استخدام السلطة للعنف أدى إلى أن يتسلح الناس للدفاع المشروع عن النفس»، لكنه اكد أن العرب «يرون ضرورة وقف العنف والقتل من أي مصدر كان...نحتاج إلى سوريا متماسكة وقوية ولا نريد إطالة امد الازمة في سوريا».
وأكد وزير الخارجية القطري أنه تم تكليف الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بتعيين مبعوث خاص لمتابعة الخطة السياسية في سوريا.
وقال العربي «كنا نأمل أن يتوقف العنف قبل البدء بالعملية السياسية، لكن من الواضح أن العنف لن يتوقف لذا وجب بدء العملية السياسية». كما أكد أن «موضوع استخدام القوة ضد سوريا ليس وارداً».
ورداً على سؤال حول كيفية التعامل مع سوريا، بينما الرئيس السوري وجه هجوما عنيفا على الجامعة العربية، قال حمد بن جاسم إن «هذه مبادرة عربية وليس لها هدف إلا الوصول لحل للأزمة السورية، وقد رأينا في اليمن مبادرة وضعت حدا للأزمة هناك، والآن هناك مسؤوليات على الرئيس السوري وهذا مخرج مشرف له، فهذا حل عربي لسوريا، المقصود منه حماية سوريا من الانزلاق في حرب أهلية».
وحول طرح اقتراح أمير قطر بإرسال قوات حفظ سلام عربية، قال حمد بن جاسم إن «اقتراح أمير دولة قطر فسر تفسيرا غريبا، لأن هدفنا كان إرسال قوات سلام للفصل بين المتقاتلين»، مشيرا إلى أن «هناك تجربة سابقة وهي قوات الردع العربية التي أرسلت إلى لبنان»، ولافتا إلى أن «القرار لاقى اهتماما من قبل الدول الأعضاء في الدول العربية».
وألمح حمد بن جاسم إلى أنه يمكن لمجلس الأمن فرض عقوبات على سوريا في حال عدم تنفيذها للمبادرة العربية بعد تبنيها من قبل المنظمة الدولية.
في المقابل، أكَّد سفير سوريا في القاهرة يوسف أحمد «رفض سوريا القاطع لأية قراراتٍ تصدر عن جامعة الدول العربية خارج إطار «خطة العمل العربية» أو خارج إطار البروتوكول الموقَّع بينها وبين الأمانة العامة للجامعة، وأنها تعتبر أن القرار الذي صدر عن مجلس الجامعة يُشكِّل خروجاً على هذين الإطارين وخرقاً وتجاوزاً خطيرين لميثاق الجامعة وقراراتها المتعلِّقة بالأزمة في سوريا، واستهدافاً لعمل بعثة المراقبين على الأرض ونسفاً لتقريرها، وتحريضاً لبعض الأطراف السورية المعارضة على رفض الحلول السياسية السلمية، ونسفاً لإمكانية الدخول في حوارٍ وطنيٍ حقيقي للتوصل إلى حلٍ سوريٍ للأزمة، وكذلك تُشكِّل تدخلاً سافراً في الشأن السوري الداخلي، وإلغاءً متعمداً لإرادة وقرار الغالبية الساحقة من الشعب السوري، وذلك بقصد استدعاء التدخل الخارجي بجميع أشكاله ومهما كان الثمن».
واعتبر السفير السوري «أن بعض العرب قد أثبت اليوم أن سعيه للدخول من تحت مظلة جامعة الدول العربية على خط الأزمة في سوريا، كان بعيداً عن غاية مساعدة سوريا على تجاوز هذه الأزمة من خلال تشجيع جميع قوى وأطياف المجتمع السوري على الدخول في حوارٍ وطنيٍ حقيقي، أو دعوة الأطراف والجماعات المسلَّحة إلى وقف العنف والقتل، أو وقف ما يمارسه هو شخصياً ورسمياً من تحريضِ سياسي ضد سوريا وتزييفٍ وتصعيدٍ إعلامي حول ما يجري في الداخل».
ورأى أحمد أن «نهج بعض العرب، وعلى رأسهم الحكومة القَطَرية، كان وما يزال يُشكَّل تمهيداً مُوجَّهاً ومُبرمجاً منذ أشهر لاستدعاء التدخل الخارجي بجميع أشكاله، حتى لو كان الثمن هو إراقة المزيد من الدماء السورية الطاهرة، وتدمير مقدرات البلاد وبنيتها التحتية بفعل جرائم العصابات المسلحة، ومحاصرة الشعب السوري ومعاقبته واستهداف حياته ومعيشته بعقوباتٍ عربية. وكان من المحزن للشعب السوري بغالبيته العظمى أن يسمع وزير الخارجية السعودي وهو يدعو اليوم إلى تفعيل العقوبات ضدهم، وكأنه لم يكتفِ بما سمعه وشاهده عن تأثير هذه العقوبات على حياة السوريين ومعيشتهم وأمنهم واستقرارهم».
وشدَّد السفير أحمد على أن «سوريا ستظل ماضيةً في طريق الإصلاح ومصممةً على إنجاحه بجميع جوانبه، وذلك بتكاتف إرادة وعزيمة الغالبية الساحقة من أبنائها، الذين يرفضون جميع أشكال التدخل الخارجي ويعملون على إخراج البلاد من الأزمة الحالية من خلال حلٍ وطني قائم على ترسيخ مفاهيم الدولة الديموقراطية التعددية الحديثة التي تُحافظ على هويتها الوطنية والقومية ضد رغبات وأجندات البعض ممن استمرأ رؤية القواعد العسكرية الأجنبية على أرضه، ونسي بأن أول مبادئ وأهداف جامعة الدول العربية كان تحرير الأراضي العربية المُحتلَّة من الاحتلال الإسرائيلي، وليس اقتراح إرسال قواتٍ عربية إلى أرضٍ عربيةِ شقيقة أو استدعاء التدخل الخارجي فيها، بما يؤدِّي إلى تصعيد الأزمة وإلى نزف المزيد من الدم العربي والسوري خدمةً لمطامع وأحلام الآخرين الاستعمارية والتوسعية».
وفي عرضه لنتائج تقرير بعثة المراقبين أمام الاجتماع الاستثنائي لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، قال العربي إن «النتائج التي توصل إليها التقرير توضح أن هناك تقدماً، ولكن الحكومة السورية ما زالت حتى الآن غير ملتزمة بالتنفيذ الفوري والكامل لتعهداتها وفقاً للبروتوكول وخطة العمل العربية». واعترف الأمين العام بوجود شوارع وأحياء سكنية في سوريا أصبحت خارج سيطرة الحكومة السورية، وتسيطر عليها عناصر تابعة للمعارضة، من بينها عناصر مسلحة غير نظامية، «وهذا يزيد من التعقيدات ومن طبيعة مهمة البعثة».
وأضاف العربي أن الأجهزة الأمنية السورية ما زالت تتعامل مع الأزمة باعتبارها «أزمة أمنية بالدرجة الأولى وهذا ما يفسر استمرار عدم التزام الحكومة السورية بالتنفيذ الكامل والفوري لتعهداتها الواردة في البروتوكول والخطة».
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في كلمة في اجتماع لوزراء الخارجية العرب إن «الوضع لا يمكن أن يستمر ونحن لن نقبل بأي حال من الأحوال أن نكون شهود زور أو أن يستخدمنا أحد لتبرير الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري الشقيق أو للتغطية والتستر عليها». وأضاف «بلادي ستسحب مراقبيها نظرا لعدم تنفيذ الحكومة السورية لأي من عناصر خطة الحل العربي».
وقال الوزير السعودي «ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته بمن في ذلك إخواننا في الدول الإسلامية وأصدقاؤنا في روسيا والصين وأوروبا والولايات المتحدة... ليمارسوا كل ضغط ممكن في سبيل إقناع الحكومة السورية بضرورة التنفيذ العاجل والشامل لخطة العمل العربية».
أما الوفد اللبناني، وعلى رأسه وزير الخارجية عدنان منصور، فرأى أن «سوريا وبعد تجاوبها مع المبادرة العربية وتوقيعها على البروتوكول وتأكيد تقرير الفريق الدابي في اكثرمن بند على ان عمليات العنف لم تقتصر على السلطات السورية بل ايضا على العناصر المسلحة، تكون قد تجاوبت جدياً مع الحل العربي، ومن اجل اعطاء زخم للحوار الذي هو الاساس لحل الازمة السورية، وما يمكن ان تلعبه الجامعة العربية من دور فاعل مع القيادة السورية لحل الازمة ووضع حد لكل من يريد اللجوء الى تدويل الازمة، الامر الذي نرفضه ويرفضه الشعب السوري الشقيق وفق ما جاء في البند 74 من التقرير، نطالب بصدور قرار عن مجلسنا هذا يرفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية وبرفع العقوبات الاقتصادية عنها واذا ما اقتضى الامر طرح الموضوع على التصويت».
المصدر: السفير+ وكالات
التعليقات
شوفوا الذئاب العربية
شكرا كتير لترجمة كلام الوزير
إضافة تعليق جديد