الأسد يتسلّم مسودة الدستور الوزراء العرب يطلبون التدخل العسكري الأجنبي في سوريا
دفع مجلس وزراء الخارجية العرب الأزمة السورية امس نحو المسار الأشد خطورة، الذي يعيد الى الأذهان السيناريو الليبي بحذافيره، عندما استدعى التدخل الدولي بشكله العسكري الذي يعني المزيد من الخراب والدمار والدم في سوريا، من خلال مطالبة مجلس الامن الدولي بإصدار قرار بتشكيل «قوات حفظ سلام عربية ـ اممية مشتركة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار»، في خطوة مفاجئة تقفز فوق الفيتو الروسي الصيني المؤكد على مثل هذا القرار، وتمهد لتشكيل مثل هذه القوات من دون غطاء الامم المتحدة ومن خارج مؤسساتها.
وطلب المجلس الوزاري العربي في قراره، الذي تحفظ عليه لبنان وحصرت الجزائر تحفظها باثنين من بنوده، وقف جميع أشكال التعاون الدبلوماسي مع النظام السوري، وقرر تقديم الدعم «السياسي والمادي» للمعارضة السورية. وسارعت دمشق الى إعلان رفضها لهذه القرارات «جملة وتفصيلا»، معتبرة ان القرار العربي «أظهر حالة الهستيريا والتخبط التي تعيشها حكومات عربية بعد فشلها الأخير في مجلس الأمن الدولي لاستدعاء التدخل الخارجي في الشأن السوري واستجداء فرض العقوبات على الشعب السوري».
واتهمت قطر والسعودية بالتأثير على قرارات الجامعة العربية.
وقالت مصادر أن رئيس الحكومة وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني طرح نصاً حول سوريا، خلال الاجتماع الوزاري العربي حول فلسطين، يتضمن فقرة فيها «يقرر المجلس الوزاري العربي الاعتراف بالمجلس الوطني السوري على أنه ممثل للشعب السوري، على أن يعلن الاعتراف رسمياً في مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس».
واستفسر عدد من الحاضرين منه إذا كان قراراً أم مشروع قرار، فرد حمد بأنه قرار، لكن وزير خارجية لبنان عدنان منصور قال إن هذا القرار خطير جداً، فرد حمد «يمكنك التحفظ». وقال منصور «أنا أرفضه ولا أتحفظ عليه». وقال وزير خارجية العراق هوشيار زيباري «موضوع الاعتراف بالمجلس الوطني السوري أمر سابق لأوانه، ولم نتفق عليه. نحن اتفقنا في الاجتماع السابق (حول سوريا) على بحث الموضوع في تونس».
واستغرب وزير خارجية تونس رفيق عبد السلام حصر الموضوع بالمجلس الوطني، موضحاً أن هناك أطيافاً كثيرة في المعارضة السورية، ولا يمكننا تجاهلها، طالباً ترك الأمر إلى اجتماع تونس. ورد حمد «70 إلى 80 في المئة (من المعارضة) يمثلها المجلس الوطني».
وطالب وزير خارجية مصر باعتماد القرار الأول والاعتراف أن يكون في تونس، وأن نكتفي في الفقرة بالدعم المالي والسياسي تمهيداً للاعتراف بها في تونس. ورفض حمد الفكرة نهائياً.
وكانت هناك مداخلات لعدد من وزراء الخارجية أبرزهم اللبناني والجزائري والعراقي الذين اعترضوا على الفقرة، فيما تمسك المصري بموقفه الاعتراف لاحقاً وأيده التونسي في ذلك. وقال الجزائري إننا مع المعارضة لكننا نريد منها أن تتحد قبل الاعتراف بها وإذا لم يتحدوا لا يمكننا معرفة كيف نخاطبهم.
اعترض حمد بشدة على الموقف الجزائري، وهنا قال وزير خارجية الجزائر لحمد «إذا كنتم تريدون تكسير الجامعة العربية فالجزائر لن تشارك في هذا التكسير. نحن متفقون على أن يكون هناك إجماع على هذا الأمر».
وسأل حمد من سيشارك في مؤتمر تونس فرد عليه عدد من الوزراء بتحديد الموضوع لاحقاً. وقدمت الجزائر اقتراحاً بأن كل دولة تأخذ على عاتقها الاعتراف بالمعارضة، لكن حمد أصر على الفقرة التي تقول بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري، فيما تمسك لبنان والجزائر ومصر والعراق بموقفهم. وأدرك حمد عند هذه اللحظة أن الجو غير مؤات لطرح هذه الفقرة، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق تدعو فيه تونس المجلس الوطني السوري إلى حضور المؤتمر، وعلى هذا الأساس تم رفع الجلسة.
في هذا الوقت، تسلم الرئيس السوري بشار الأسد من أعضاء اللجنة الوطنية المكلفة إعداد مشروع دستور نسخة من مشروع الدستور للاطلاع عليه وتحويله إلى مجلس الشعب قبل طرحه للاستفتاء العام. وأعرب الأسد عن «تقديره للجهود التي بذلها أعضاء اللجنة لتحقيق هذه المهمة الوطنية، ودعاهم إلى تحمل مسؤولياتهم كلجنة معدة لمشروع الدستور في شرح مواده للمواطنين بكل الوسائل المتاحة ليكون المواطن صاحب القرار النهائي بإقراره». وكان الأسد اعلن في كانون الثاني الماضي ان الاستفتاء سيتم في الاسبوع الاول من آذار المقبل.
وقال الأسد «حالما يتم إقرار الدستور تكون سوريا قد قطعت الشوط الأهم، ألا وهو وضع البنية القانونية والدستورية عبر ما تم إقراره من إصلاحات وقوانين، إضافة إلى الدستور الجديد، للانتقال بالبلاد الى حقبة جديدة، بالتعاون بين جميع مكونات الشعب لتحقق ما نطمح اليه جميعا من تطوير لبلدنا يرسم مستقبلاً مشرقاً للأجيال المقبلة».
وفي القاهرة، قرر وزراء الخارجية العرب، في بيان بعد اجتماعهم برئاسة رئيس الحكومة وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، إنهاء عمل بعثة المراقبين العرب الحالية في سوريا، وقبول استقالة رئيسها محمد الدابي من منصبه، وتعيين مبعوث عربي خاص الى سوريا، ذكر مسؤول في الجامعة العربية ان الأمين العام نبيل العربي اقترح ان يكون وزير خارجية الأردن الأسبق عبد الإله الخطيب، الذي كان مبعوثاً من الامم المتحدة الى ليبيا، قبل الحرب الأطلسية عليها.
ودعا الوزراء «مجلس الأمن إلى إصدار قرار بتشكيل قوات حفظ سلام عربية أممية مشتركة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار». وأعلنوا انهم سيطلبون «من المجموعة العربية في الأمم المتحدة تقديم مشروع قرار للجمعية العامة في أقرب الآجال يتضمن المبادرة العربية وباقي القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية». ومن المقرر ان تعقد الجمعية العامة للامم المتحدة اجتماعاً غداً الثلاثاء مخصصاً لبحث الوضع في سوريا.
وتحفظت الجزائر على الدعوة لمجلس الامن وتقديم مشروع قرار الى الجمعية العامة للامم المتحدة، فيما تحفظ لبنان على جميع ما جاء في البيان الختامي.
وأعلن الوزراء «وقف جميع أشكال التعاون الدبلوماسي مع ممثلي النظام السوري في الدول والهيئات والمؤتمرات الدولية، ودعوة كافة الدول الحريصة على أرواح الشعب السوري إلى مواكبة الإجراءات العربية في هذا الشأن». ورحبوا «بدعوة تونس لاستضافة مؤتمر أصدقاء سوريا المقرر انعقاده في 24 شباط الحالي»، وأعلنوا «فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتوفير كافة أشكال الدعم السياسي والمادي لها، ودعوتها لتوحيد صفوفها والدخول في حوار جاد يحفظ لها تماسكها وفعاليتها قبل انعقاد مؤتمر تونس».
وقال السفير السوري في القاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية يوسف أحمد، في بيان، أن «سوريا ترفض قرار جامعة الدول العربية جملة وتفصيلا، وهي قد أكدت منذ البداية أنها غير معنية بأي قرار يصدر عن جامعة الدول العربية في غيابها».
وشدد على «أن قرار المجلس الوزاري العربي قد عكس بشكل فاضح حقيقة اختطاف العمل العربي المشترك وقرارات الجامعة وتزييف الإرادة العربية الجماعية من قبل حكومات دول عربية، تتزعمها كل من قطر والسعودية، كما وأظهر حالة الهستيريا والتخبط التي تعيشها حكومات هذه الدول بعد فشلها الأخير في مجلس الأمن الدولي لاستدعاء التدخل الخارجي في الشأن السوري واستجداء فرض العقوبات على الشعب السوري».
واعتبر أحمد أن «هيمنة سياسات وتوجهات حكومات بعض الدول العربية، وخاصة قطر والسعودية، على آليات العمل العربي وعلى اجتماعات وقرارات الجامعة بخصوص سوريا، قد باتت تشكل خروجاً فاضحاً على ميثاق جامعة الدول العربية وعملاً عدائياً مباشراً، يسعى عبر ممارسة التحريض السياسي والإعلامي إلى استهداف أمن سوريا واستقرارها».
وأكد أن «ذات الحكومات العربية هي من تقف إلى الآن وراء إفشال أي حل سياسي متوازن للأزمة في سوريا، وهي من تعمل على محاصرة الشعب السوري بالعقوبات الاقتصادية، وهي من ترفض الدعوة إلى وضع حد للعنف والإرهاب وتدمير البنى التحتية في البلاد، وهي تتجاهل إدانة التفجيرات الإرهابية التي تسهدف أرواح وممتلكات السوريين، بل وتقوم بتمويل الجماعات الإرهابية المسلحة علناً أو تحت ذريعة تقديم المساعدات الإنسانية». واعتبر ان «الاستعراض الإعلامي الذي مارسه بعض وزراء الخارجية العرب خلال اجتماع المجلس الوزاري العربي عكس المواقف العدائية وغير المتزنة لهذه الدول تجاه سوريا»، مستغرباً «تأثر بعض الوزراء بما يزعمونه كذباً عن جرائم ضد الشعب السوري في الوقت الذي تقوم قوات الأمن في بلادهم بقتل المتظاهرين المدنيين العزل علناً في البحرين والقطيف».
ودعا احمد «الدول العربية الحريصة على استقلالية قرارها الوطني والقومي وعلى الأمن القومي العربي، إلى التصدي لمحاولات اختطاف القرار العربي وجعله رهينةً لسياسات وأجندات حكومات عربية تسعى الآن، من خلال المال والغاز والنفط، وبالتحالف مع الولايات المتحدة والغرب، إلى فرض هيمنة مطلقة على العمل العربي المشترك وتسخيره لصالح أجندات غربية تخطط لإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة بما يؤدي إلى فرض تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي تهدر الحقوق والأرض، وإلى إحداث شرخ حقيقي في الهوية العربية والإسلامية بما يؤدي في النهاية إلى تفتيت وجود الأمة وإهدار إمكاناتها وإدخالها في نفق مظلم، رغم إدراك هذه الحكومات لعواقب هذه السياسات الخطيرة عليها وعلى الأمن القومي العربي».
وكان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قال، امام صحافيين في دمشق، ان «بعض دول الجوار توفر الملاذ الآمن للجماعات الإرهابية المسلحة وتمولها وتدعمها إعلامياً بما يشكل خطورة أكبر من القتل»، موضحاً أنه «في مرحلة لاحقة ستقوم سوريا بتقديم الوثائق وتطلب من هذه الدول تسليم المجموعات الإرهابية المسلحة وقيادتها التي تنطلق وتعمل من أراضيها».
وأكد المقداد ان «من يراهن على سقوط سوريا فإنما يراهن على الفشل وستبقى سوريا صامدة قوية بنهج الإصلاح الذي يقوده الرئيس بشار الأسد»، داعياً إلى «تشجيع من يرفض الحوار الوطني على الانضمام إليه للخروج بسوريا من الأزمة».
وكان العربي دعا، في كلمته الافتتاحية لاجتماع المجلس الوزاري العربي، الى ان يتم «إعادة طرح الأزمة السورية على مجلس الأمن لتدعيم بعثة المراقبين العرب لتشكيل قوة مراقبين مشتركة بين الجامعة والامم المتحدة ويتم تجهيزها وزيادة عددها لتتولى الإشراف على وقف جميع أعمال العنف فى مختلف أنحاء الأراضي السورية ومراقبة تنفيذ الوقف الشامل لإطلاق النار وتوفير الحماية للمدنيين».
وأكد العربي ضرورة «إطلاق تحرك عربي ودولي منسق لإعادة طرح الموضوع السوري على مجلس الأمن مجدداً، ولكن هذه المرة بالتنسيق بوجه خاص مع روسيا والصين حتى لا ترتطم المطالب العربية بفيتو جديد، وذلك بهدف استصدار قرار عملي وإجرائي يضمن إلزام جميع الاطراف المعنية بتنفيذ الوقف الفوري لجميع أعمال العنف وإطلاق النار من أي مصدر كان».
واوضح العربي ان «طبيعة المهمة المقترحة تختلف جذرياً عن المهمة السابقة، فالمهمة السابقة هدفها التحقق من تنفيذ الحكومة السورية لتعهداتها، أما المهمة الجديدة، فهي متزامنة مع مسار سياسي، وضرورة وجود رؤية متفق عليها لحل سياسي».
وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إنه يرحب بدعوة تونس لعقد المؤتمر الدولي في 24 شباط، مشيراً إلى أنه يعتقد أن «هذه فرصة جيدة لمحاولة التوصل إلى اتجاه دولي واضح لمساعدة الشعب السوري للخروج من الأزمة».
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل «إن اجتماعنا مطالب باتخاذ إجراءات حاسمة وذلك بعد أن فشلت أنصاف الحلول في وقف مجزرة سوريا التي ما فتئت تتفاقم، من دون أي بارقة أمل لحل قريب يرفع معاناة الشعب السوري الشقيق ويحقن دماءه».
وأضاف الفيصل، في هجوم لافت على النظام السوري، «ألا يحق لنا أن نتساءل إلى متى نبقى متفرجين تجاه ما يحدث للشعب السوري الشقيق وإلى متى نظل نمنح النظام السوري المهلة تلو المهلة لكي يرتكب المزيد من المذابح ضد شعبه؟». وتابع «أرى أن مجلسنا لا ينبغي أن يتهاون مع حجم التصعيد الخطير الذي تشهده سوريا في ظل خيبة الأمل من موقف مجلس الأمن الدولي، كما أنه يتعين على الجامعة أن تنظر مجدداً في مبادراتها على نحو يتفق مع هذه المستجدات والعمل على اتخاذ إجراءات فورية وصارمة ضد النظام السوري والتشديد في تطبيق عقوباتها الاقتصادية والسياسية وفتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتقديم كافة أشكال الدعم لها». ولم يحدد ما اذا كان ذلك الدعم سيشمل مساعدات عسكرية.
واعتبر الفيصل ان «ما تشهده سوريا يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أنها ليست حرباً عرقية أو طائفية أو حرب عصابات، بل هي حملة تطهير جماعية للتنكيل بالشعب السوري وفرض سيطرة الدولة عليه من دون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية أو دينية». وشدد على ان من ثبت تورطه في هذه الأعمال المشينة يجب أن تطاله العدالة الدولية وأن يعرض أمره على محكمة الجنايات الدولية».
وكان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقدوا اجتماعاً في القاهرة قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب. ونفى مسؤول في وزارة الخارجية السعودية أول امس ان تكون الرياض قامت بتوزيع مشروع قرار يدعم مبادرة للجامعة العربية لوقف العنف في سوريا على الدول الأعضاء في الجمعية العامة للامم المتحدة. وقال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف إن موسكو لن تؤيد أي نص «غير متوازن» في الجمعية العامة تماماً مثلما حدث في مجلس الأمن.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد