من بابا عمرو الى تولوز، قصة التحالف الفرنسي مع تنظيم القاعدة
لا أدري لماذا قتلوه ، كان يمكنهم الانتظار يوم آخر ويقبضوا عليه حيا، سوف يمر بوقت من النعاس والنوم تسهل القبض عليه حيا، لكن هناك من أراده ميتا حتى لا يتكلم. هذا انطباع شخصية عسكرية فرنسية سابقة في حديث معها حول الأحداث التي شهدتها فرنسا هذا الأسبوع وعمليات الاغتيال المحترفة التي راح ضحيتها ثلاثة من العسكريين من أصول مغاربية وأربعة من اليهود في مدرسة قرب تولوز جنوب البلاد، وبعيدا عن التصريحات السياسية للرئيس الفرنسي والحاشية المحيطة به والاستغلال الانتخابي لهذا الإجرام من قبل من لم يطلق يوما رصاصة واحدة في فلسطين. لا بد من التذكير أن محمد مراح ورفاقه في السلاح يشكلون الحلفاء الجدد لفرنسا ساركوزي وجوبيه ابتداء من ليبيا التي وصلوا الى حكمها بفضل سياسة فرنسا في مجلس الأمن وطائراتها في الجو، كما ان هذه الجماعات تحظى بالرعاية الفرنسية الكاملة وترسل عشرات من افرادها حاملي الجنسيات الفرنسية إلى سورية التي يريد ساركوزي وجوبيه تغيير النظام فيها على الطريقة الليبية وعبر رفاق محمد مراح في السلاح وفي السلفية الجهادية، وليس سرا في المناطق التي تتواجد فيها مساجد خاصة بالسلفيين في فرنسا ذهاب العشرات من هؤلاء للجهاد في سورية . وتحظى هذه الجماعات وهذه المساجد حاليا بفترة رعاية ذهبية على الصعيدين المالي والسياسي حيث تتولى قطر إغداق مئات الملايين على هذه المساجد لجلب الأتباع وتتولى فرنسا الرعاية السياسية والحماية القانونية بهدف إزعاج السلطات الجزائرية أولا كون الجالية الجزائرية تشكل العدد الأكبر للمسلمين في فرنسا ، ومن غير المستبعد أن محمد مراح نفسه كان مشروع "مجاهد" إلى سورية لو لم يخرج عن سياق التحالف لأسباب لن تعرف إلا بوثائق ويكيليكس المستقبلية ..
يوم أطلقت فرنسا عليهم لقب : المجاهدين:
أفغانستان تعود العلاقات بين فرنسا والجماعات السلفية المقاتلة الى أكثر من ثلاثة عقود خلت هي تزامن مع الغزو السوفيتي لأفغانستان في سبعينات القرن الماضي حيث وجد تحالف بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب من جهة وباكستان والسعودية من جهة ثانية واستخدم السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين في العالم في العربي والإسلامي ضد الجيش السوفيتي ، وكانت مساجد العاصمة الفرنسية باريس وكبرى المدن الفرنسية أيام الأسبوع وخاصة يوم الجمعة أثناء الصلاة بالزوار الدعاة من السعودية وباكستان الذين يأتون بحماية الشرطة الفرنسية ورعايتها لجمع المقاتلين المتطوعين للذهاب لقتال الروس الكفار في بلاد الرباط والإسلام، غير أن هذه العلاقات بدأت تأخذ منحا صداميا عام 1992 بعيد الانتخابات الجزائرية التي فازت فيه جبهة الإنقاذ الإسلامية واتخذت فرنسا موقفا رافضا لها ودعمت العسكر الجزائري في انقلابهم على تلك النتائج، ما أدى إلى توتر بين الطرفين وعمليات قام بها سلفيون جزائريون في مدن فرنسية عديدة، كما أدى هذا التوتر إلى حملة اعتقالات واسعة في صفوف التيارات السلفية في فرنسا وإغلاق عدد من المراكز والمصالح التابعة لهم فضلا عن تفاقم الأوضاع لحد الوصول في هذا الصراع إلى تدخل الدولة الفرنسية في شؤون المسلمين العبادية والحياتية عبر موضوع الحجاب بداية ومن ثم عبر فتح ملفات الإرهاب تارة وملف الدعوة وصولا إلى فتح موضوع النقاب الإسلامي أو ما يطلقون عليه (البورغا) الأفغاني في فرنسا، غير أن هذه العلاقة عادت إلى نوع من التفاهم والتعاون بعد الموقف الفرنسي من حرب العراق ووصلت لمرحلة التحالف في لبنان بعد اغتيال الحريري وفي ليبيا وسورية حاليا حيث كانت فرنسا أول من اعترف بالحكم الليبي الجديد الذي يحكمه عسكريا مقاتلون في القاعدة شاركوا في أفغانستان ومن ثم في الحرب الليبية ويرسلون حاليا للقتال في سورية.
شكل الغزو السوفيتي لأفغانستان منعطفا استراتيجيا وتاريخيا للوجود الإسلامي والسلفي خاصة في فرنسا، وقد شارك الكثير من المسلمين الحاملين الجنسية الفرنسية في الحرب ضد الروس وقتل الكثير منهم أيضا وكان هؤلاء يذهبون من فرنسا برفقة مشايخ دين باكستانيين وسعوديين كانوا يزورون المساجد في فرنسا في تلك الحقبة لحث الجالية المسلمة في فرنسا على دعم قتال الروس.
وكان للمال السعودي سابقا كما المال القطري حاليا دورا كبيرا في نمو هذه الظاهرة في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى مثل باريس ،مرسيليا ، ليون، نانسي، فضلا عن المدن المتوسطة حيث بدأت تظهر قاعات للصلاة في أقبية الأبنية في الضواحي ، قبل أن تمتد الموجة إلى شراء أراضي وشقق استخدمت مراكز وقاعات للصلاة كما أن تلك الفترة شهدت ظهور عشرات الجمعيات الثقافية التي اختبأت وراءها الجماعات السلفية والإسلامية، ودخل المال السعودي على مسجد باريس الكبير في وسط العاصمة الفرنسية بالاشتراك مع المال الجزائري، غير أن الإنجاز السعودي السلفي الكبير كان بناء جامع مدينة ليون الكبير ثالث المدن الفرنسية حيث بني هذا المسجد بتمويل سعودي كامل برعاية السلطات الفرنسية. وهذا ما جعل رجال امن فرنسيين يحذرون من الخطر السلفي السعودي في فرنسا مثال على ذلك رئيس المخابرات السابق (آلان شوي) الذي قال في محاضرة في مجلس الشيوخ الفرنسي السعودية هي رمز العنف في العالم الإسلامي وليس إيران ولا العراق"، مضيفا ان "هذا البلد هو البلد الوحيد في العالم الذي يحمل اسم العائلة الحاكمة". وشبّه مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية الوضع في السعودية بالوضع في فرنسا عشية الفصل الثاني من العام 1789 قائلا حكمت هذه العائلة منذ العام 1926 واعتمدت على شرعية الأماكن المقدسة وعلى المزايدة في التطرف والتشدد الإسلاميين بحكمها بعد أن قامت بإزاحة الهاشميين أصحاب الشرعية التاريخية في إدارة شؤون الأماكن المقدسة.
واتهم (شوييه) العائلة السعودية بأنها أساس العنف في العالم الإسلامي لأنها اعتمدت على استمرارها في الحكم على منطق التطرف والمزايدة على الآخرين في كل ما هو إسلامي، وهذا من اجل قمع أية حركة معارضة داخلية، وفي مواجهة الآخرين خارجيا مثل إيران أو العراق أيام صدام حسين.
(شوييه) في مداخلة في مجلس الشيوخ الفرنسي أشار بما يشبه السخرية إلى الدولة السعودية قائلا إنه نظرا لافتقاد العنصر البشري ولعدم وجود بنية صناعية في السعودية اعتمدت العائلة السعودية على دفع الأموال التي تملكها بكثرة في إدارة سياستها، عبر تمويل جمعيات وجماعات في كل أنحاء العالم تحمل فكر التطرف والعنف.
عودة التحالف في لبنان وسورية بعد مقتل الحريري والربيع العربي
نشطت التيارات السلفية في فرنسا بعيد شباط عام 2005 بعد تعرضها للمضايقات وللمراقبة طيلة الأعوام السابقة على خلفية أحداث الحادي عشر من أيلول في أميركا. ولم يكن هذا النشاط السلفي العالمي بعيدا عن أنظار السلطات الفرنسية وعن علمها ، خصوصا بعد تحول باريس إلى قاعدة لكل الساعين لإسقاط النظام في دمشق، والذين وجدوا في الرئيس السابق جاك شيراك نصيرا ثمينا هبط عليهم من السماء . كانت رياح التغيير الأميركي تهب على منطقة الشرق الأوسط، تحت عناوين الثورات البرتقالية وثورة الأرز ولزوم التغيير في سلوك النظام في سورية.ففرنسا شيراك بعد مصالحة النورماندي مع أميركا بوش وبعد القرار 1559،لم يكن ينقصها سوى اغتيال الحريري لتصبح المركز الأساس لكل التحركات الرامية لإسقاط الرئيس بشار الأسد في سورية. كانت الهجمة الأميركية قوية لدرجة جعلت الكثيرين ممن ادعوا شرف المعارضة وقيادة الديمقراطية، يقفزون بالقطار الأميركي،علهم يصلون إلى منصب في الدولة السورية الجديدة التي وعدهم بها المحافظون الجدد في واشنطن.
بعد العام 2006 كانت العاصمة الفرنسية باريس تشهد زيارات لقيادات سلفية يمكن تسميتها بالقيادات العالمية للتيارات السلفية ،التي اختفت تحت الأرض جراء أحداث أيلول وحربي أفغانستان والعراق، وتعرضها للمطاردة والمضايقة من أجهزة الأمن في الغرب وفي العالم العربي والإسلامي. كانت فرنسا شيراك تنظر للتيارات السلفية بمنظورين، فهي تراقب عن كثب تدفق العناصر السلفية من ضواحي المدن الفرنسية إلى العراق، دون أي اعتراض جدي ، فخروج هؤلاء الفتية يريح السلطات الفرنسية التي تعاملت مع خروجهم للجهاد في العراق على طريقة ( حادت عن ضهري بسيطة). بينما لا تمانع هذه السلطات نفسها في تردد قيادات عالمية في هذه التيارات على فرنسا خصوصا أن عملية إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد أوجبت دخول السلفيين على الخط ولو بشكل مؤقت كرافعة للتواصل الأميركي مع جماعة الإخوان المسلمين السورية.
بدأت زيارات قيادي سلفي قطري الجنسية إلى فرنسا تتابع اعتبار من العام 2005، بعد أن رفضت تأشيرته في الأعوام السابقة. يقول البعض من العارفين بالشيخ أنه المؤتمن على أموال كل الجماعات السلفية التي شهدت مضايقات على حساباتها بعد احداث 11 أيلول وهو بالتالي الممول لجميع نشاطات تنظيم القاعدة او من عمل تحت جناحه في العراق كما أن هذا الشيخ الخليجي هو الكفيل المالي للشيخ حارث الضاري ومقرب من كبار القيادات السلفية في السعودية، رغم أن علاقات بلاده مع السعودية كانت متوترة ومحكومة بالتوتر مستقبلا رهن الهدنة التي اقتضاها الهجوم الغربي الخليجي على سورية وهذا القيادي من خصوم آل ثاني العشائريين وتابعهم السياسي على أقله في العلاقة مع القاعدة.. تولى هذا القيادي السلفي تعويم أنس العبدة منذ العام 2006 ، وامن له زيارة لواشنطن حصل بعدها على مال مكنه من فتح قناة بردى. يقول مصدر سوري معارض أن القيادي السلفي الخليجي طلب منه استقبال هذا الشخص في الندوات التي تعود المعارض المذكور إقامتها في باريس.
مقاتلو الحرية في سورية...
الجيش السوري الحر شكلت الأحداث التي يشهدها العالم العربي منذ نهاية العام 2010 عودة للتحالف الفرنسي مع القاعدة بطريقة غير مسبوقة سياسيا وعسكريا واقتصاديا ، وكانت التجربة الليبية خير مثال على ها التحالف بين مقاتلي القاعدة على الأرض وسلاح الجو الفرنسي في السماء وقد مكنت فرنسا عبر سياستها في مجلس الأمن الدولي وعبر التدخل العسكري عبد الحكيم بالحاج ومقاتليه من السيطرة على ليبيا، وبعد ليبيا تحول التحالف إلى سورية، فالدولة الفرنسية تؤمن الهجوم الدبلوماسي في مجلس الأمن بينما على الأرض اعترفت جريدة (لوفيغارو) و يعترف المقاتلون السلفيون بوجود دعم فرنسي في مجال التسلح والتدريب، أما في فرنسا فيكفي أن تزور مسجدا من مساجد السلفيين يوم الجمعة لتسمع الخطب التحريضية ضد سورية وحملات التبرع بالمال والتحريض على إرسال المقاتلين لدعم الجهاد هناك ، وكل هذا يتم تحت نظر الأجهزة الفرنسية وعلى مسمع منها وفي ظل رعايتها..
يجري العمل الفرنسي المضاد للنظام في دمشق على محاور أربعة:
أ – جعل الملف السوري محورا يوميا للعمل في مجلس الأمن عبر الإصرار الفرنسي على وضعه على الطاولة منذ سنة تقريبا
ب – دعم المعارضة السورية التي يقيم أبرز رموزها في باريس وتبني فرنسا لمعارضين يحملون الجنسية الفرنسية مثل برهان غليون وبسمة قضماني.
ج – دعم الجماعات المسلحة تقنيا وبالسلاح كما ذكرت صحف فرنسية عديدة منها (لوفيغارو) و(لوكانارد أنشينيه)
د - دعم المساجد السلفية في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى عبر المال القطري الذي يؤمنه التحالف السياسي بين قطر وفرنسا في سورية ومن قبل في ليبيا وعدم الممانعة الفرنسية في الخطب الطائفية التي تروج هذه الأيام في هذه المساجد بهدف حشد الناس وتحريضهم ومن ثم إرسالهم إلى سورية.
استخدمت فرنسا ألفاً من رجالها بين جندي وشرطة وإطفائي وفرقة النخبة (ريد) للتخلص من محمد مراح الذي ذهب مع سره. لو أن القوة التي تحصنت في بابا عمرو في حمص تواجدت في إحدى المدن الفرنسية كيف ستكون ردة فعل الجيش الفرنسي؟ وكيف سوف تكون مواقف الدولة الفرنسية؟ وكيف ستكون أفعال الرئيس الفرنسي؟
هذا سؤال برسم من ينتقد بشار الأسد...
نضال حمادة
المصدر: المنار
إضافة تعليق جديد