الحراك الهلامي في سوريا

25-03-2012

الحراك الهلامي في سوريا

الجمل- عمار سليمان علي: عام كامل مضى على بدء الحراك السوري الداخلي الحالي الذي يصرّ البعض من المعارضين على أنه يستحق اسم الثورة, بينما يؤكد الموالون وحتى الوسطيون على أنه لم يرقَ قطعاً لمرتبة الثورة.
وعلى الرغم من أن الأمور باتت في الأشهر الأخيرة أكثر وضوحاً, إلا أن ثمة غموضاً يلف الكثير من تفاصيل الحراك السوري الداخلي, ليس بسبب غياب التغطية الإعلامية النزيهة والموضوعية فقط, بل بسبب الكم الكبير من التلفيق والفبركة والتحريض الدعائي الذي تقوم به وسائل الإعلام المعارضة أو الموالية على حد سواء.
وبغض النظر عن كل ما كتب عن هذا الحراك, من الزوايا الرغبوية والتنظيرية, فإنه ما يزال حتى اليوم حراكاً عجينياً غير متخمر ولا قابل للتخمر, وهلامياً غير متشكل ولا قابل للتشكل, فهو لم يفلح حتى الآن, ولا يبدو أنه سيفلح في تكوين قالبه الخاص به أو حتى المماثل لغيره من الحراكات الشقيقة (!) في الدول العربية التي ضربتها حمّى التغيير, ومن هنا يجوز القول بالفعل: إن سوريا لا تشبه أياً من الدول الأخرى, لا مصر ولا تونس ولا ليبيا ولا اليمن ولا البحرين!
بات واضحاً الآن ما رآه كثيرون ـ ونحن منهم ـ منذ انطلاقة الحراك السوري, وهو أنه في أحسن الأحوال لن يكون إلا حصان طروادة للتدخل الأجنبي الهادف لإضعاف سوريا ومحاولة تخريبها وتدميرها وتقسيمها (ولعل هذه النظرة باتت تصلح منطلقاً لفهم المكونات الأخرى لما يسمى بالربيع العربي) وصولاً إلى إضعاف محور المقاومة والممانعة.
كذلك بات واضحاً أن الثقل الرئيسي للحراك لم يكن في المظاهرات السلمية (وأغلبها من المظاهرات الطيارة التي تستمر دقائق لغاية التصوير التلفزيوني فقط!) ولا في الدافع الاقتصادي والمعيشي, الذي يقلل من شأنه عدم انخراط أكثرية الفقراء والمهمشين في مسيرة الاحتجاجات, رغم كل التحريض والإغراء الذي واجهوه, ورغم كل مطوّلات سلامة كيلة وعمار ديوب الحالمة بما يفترض أن يكون وليس المحللة لما هو كائن, ورغم كل المعاناة التي نجمت عن التخريب المتعمد للاقتصاد من قبل الجناح المسلح, المتمثل خصوصاً بالجيش الحر, الذي يشكل هو وليس غيره الثقل الرئيسي للحراك, ومعه الجناح الخارجي المتمثل بمجلس برهان غليون, ومن يقف خلفهما من الدول والمنظمات ووسائل الإعلام.
وهكذا مع وضوح الرؤية أصبح ممكناً الحديث عن حرب تشن على سوريا من داخلها, فيما يمكن اعتباره بجدارة فصلاً ثانياً من حرب تموز على لبنان عام 2006, ذلك أن الغاية واحدة وهي إضعاف مثلث المقاومة والممانعة المتمثل في حزب الله وسوريا وإيران التي تنال نصيبها من الهجمات أيضاً, وربما تنتظر الأعظم.
وليس من قبيل الصدفة هذا التماثل بين جماعة 15 آذار السورية ونظيرتها جماعة 14 آذار اللبنانية, سواء في الاسم والتاريخ أو في المضمون والأهداف والارتباطات وتواضع الأداء. فكما رفعت 14 آذار دوماً السقف عالياً تجاه حزب الله ومقاومته وسلاحه وما تزال, فإن نظيرتها 15 آذار السورية تفعل الشيء نفسه تجاه النظام الذي يتمثل عموده الفقري بالرئيس بشار الأسد وبالجيش السوري, لكن رفع السقف الكلامي هنا وهناك يقابله عجز شبه مطلق عن التنفيذ, بل وإقرار صريح من الجماعتين بهذا العجز, الأمر الذي يستدعي دوماً وفق أدبياتهما تدخلاً خليجياً وغربياً, ما يجعل الآذاريين جميعاً مجرد ظواهر صوتية تحريضية تعكس صدى ما يتردد في أروقة التفكير والتخطيط الغربي, وضمناً الخليجي.
وللتماثل بين الجماعتين وجوه أخرى عديدة, أهمها استغلال المطالب المحقة لغايات غير محقة, واستخدام الناس البسطاء سواء عبر الرشاوى المالية أو عبر التحريض الديني والإعلامي الفاقع, فغالبية المتظاهرين السوريين هم أقرب إلى متظاهري عكار والطريق الجديدة وغيرها من المناطق التي شكلت وقوداً بشرياً لتيار المستقبل وقوى 14 آذار عند الحاجة! بينما يتم التخلي عنهم وتجاهل مطالبهم وهواجسهم واحتياجاتهم ومعاناتهم عند أقرب استحقاق سياسي.
ختاماً فيما يتعلق بالمصير المتوقع للحراك السوري, يبدو أن هذا الحراك العجيني الهلامي المفتقر منذ انطلاقته للرأس المدبر وللعقل المفكر وللاستراتيجية المحكَمة, يسير بخطا وئيدة على طريق الموت, لأنه على الأرجح وُلد غير قابل للحياة. ولو شئنا تلخيص نتائج هذا الحراك في سنته الأولى على طريقة نتائج الامتحانات المدرسية لكانت: رسوب في مادة الثورة ـ رسوب في مادة الحرية ـ رسوب في مادة العلمانية ـ رسوب في مادة السلمية ـ نجاح في مادة الفوضى  ـ نجاح في مادة الحقد ـ نجاح في مادة التخريب ـ نجاح في مادة الطائفية والمذهبية ـ نجاح في مادة الفيزياء الاستزلامية ـ علامة كاملة في مادة اللكنات الأجنبية.


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...