موسكو تحذر الغرب من حكم المتشددين في سورية
تعرض (المجلس الوطني السوري ) لنكسة كبيرة أمس، حيث انفجر الخلاف السياسي المستعر بين الأطراف المنضوية فيه، ما يهدد مصير المجلس ومستقبله، الذي اعتبرته مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» في اسطنبول في نيسان الماضي «ممثلا شرعيا للسوريين ومحاورا رئيسيا للمعارضة مع المجتمع الدولي». وقد يوجه الخلاف داخل المجلس، الذي تهيمن عليه جماعة «الإخوان المسلمين»، ضربة قاضية لصورة المعارضة الخارجية، التي تظهر يوما بعد يوم أنها لا تزال متشرذمة إلى درجة كبيرة.
في هذا الوقت، حذر رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف، عشية مشاركته في اجتماع مجموعة الثماني في كامب ديفيد، الغرب من تدخلات عسكرية «متسرعة» يمكن أن تحمل متشددين إلى الحكم في دول عدة، في إشارة ضمنية إلى سوريا، وأنها قد تؤدي إلى حروب نووية إقليمية.
وفي باريس كتب مراسل «السفير» محمد بلوط ان الخلاف على التمديد لبرهان غليون في رئاسة المجلس الوطني خرج إلى العلن. غليون لا يريد البقاء رئيسا للمجلس الوطني، ويضع «استقالته على الطاولة العربية، ولتجتمع المعارضة السورية ولتخرج من حلقة التنازع والانقسام». غليون أعاد بتصريحه هذا النقاش إلى نقطة البدء حول شرعية بقائه، بعد التمديد له لرئاسة ثالثة لمدة ثلاثة أشهر، خلافا لنظام المجلس الداخلي الذي ينص على مبدأ التداول بعد كل ولاية. وكان غليون حاز الرئاسة في اجتماع روما قبل ثلاثة أيام، في اقتراع سري، وليس بالتوافق كما جرت العادة، وفاز على منافسه جورج صبرا مرشح «إعلان دمشق».
غليون كان يرد على المنسحبين أو المهددين بالانسحاب احتجاجا على التمديد مرة ثالثة لرئاسته. وبعد انسحاب فواز تللو من عضوية المجلس احتجاجا على التمديد لغليون، حذت «لجان التنسيق المحلية» حذو العضو المنسحب، وهددت «بتجميد عضويتها والانسحاب من المجلس الوطني، في حال لم تتم مراجعة الأخطاء ومعالجة المطالب التي نراها ضرورية لإصلاح المجلس». ورأت، في بيان، أن المجلس بعد اجتماع روما «في تدهور مستمر، وان هناك غيابا للتوافق على رؤية مشتركة بين المجلس والحراك الثوري». وكان ممثلو «لجان التنسيق المحلية» كخليل الحاج صالح وهوزان إبراهيم وريما فليحان يقاطعون أعمال المجلس الوطني منذ شهرين، احتجاجا على تهميش «الحراك الثوري».
الدعم لغليون جاء من خارج المجلس. رئيس المنبر الديموقراطي ميشال كيلو قال، إن ما «جاء ببرهان غليون على رأس المجلس هو عدم توافر بديل له، وإن غليون قد دافع عن الشعب والديموقراطية في سوريا في أحلك الساعات، وانه أفضل من يمكن انتخابه رئيسا للمجلس الوطني».
جورج صبرا، مرشح «إعلان دمشق»، منافس غليون على رئاسة المجلس الوطني في اجتماع روما، لم يكن يرغب في أن يخرج «الخلاف إلى وسائل الإعلام، وإذا لم تكن هناك قدرة على الاستمرار في الوضع الحالي فلا بد من اجتماع للمكتب التنفيذي والأمانة العامة لاختيار رئيس جديد، بالتوافق، على اعتبار أن الخلافات في المجلس هي عدم احترام التداولية، وهناك من يصر على عدم احترام هذه القاعدة، والشباب السوريون في الثورة ليسوا مرتاحين لكسر هذه القاعدة».
وكان مصدر في المجلس الوطني قال إن تأييد جماعة الاخوان المسلمين لبرهان غليون، خلال اجتماع روما، قد حسم الموقف لمصلحته. وأشار إلى أن الاجتماع، الذي حضره مباشرة 29 عضوا، وتابعه عضوان من الداخل السوري عن طريق «سكايب»، غاب عنه 10 أعضاء من «الحراك الثوري»، إما لشغور مقاعدهم أو عدم تعيينهم، رغم مطالبتهم بتوسيع تمثيلهم داخل المجلس، وإما لمقاطعتهم لأعمال المجلس واجتماعاته منذ شباط الماضي.
وقال المصدر إن «الاخوان» استطاعوا فرض أكثرية في الهيئة الناخبة لدعم ترشيح غليون عن طريق مسميات أخرى، وتمثيل «الحراك الثوري»، أو مستقلين إسلاميين مقربين منهم، كمطيع البطين، وبشار الحراكي، وطريف العيسى، وأمين عثمان، ومحمد وليد، ومحمد ياسر المصدق الذي يقيم في مكة.
وأعلن أن اجتماع روما أضاع يوما كاملا من المناقشات بسبب الخلافات داخل الكتلة الوطنية، أو «كتلة الـ 74»، التي يرأسها احمد رمضان. وقال إن الإسلاميين وسعوا عبر هذا الخلاف من سيطرتهم على الهيئة الناخبة، بعد أن اقترح «الاخوان» في روما تسوية بين جناحي الكتلة الوطنية المنقسمة بين رضوان زيادة واحمد رمضان، تقوم على تمثيل كل جناح بـ 3 أعضاء في الأمانة العامة وعضو واحد في المكتب التنفيذي.
ولا يبدو أن خلافا سياسيا يقف وراء خلافات الكتلة الوطنية المنقسمة. إذ قال المصدر المعارض السوري إن صراعا على المقاعد، والسيطرة على المجلس، يقفان وراء الانقسام الحالي. ويعارض رضوان زيادة، الذي ابعد في مؤتمر تونس من منصب العلاقات الخارجية، الإبقاء على غليون على رأس المجلس، كما ينتقد أداء «الوطني السوري» في ظل رئاسته. ويحتفظ زيادة بالكتلة الوطنية وتمثيلها، إلى جانب محمد العبد الله وعبد الرحمن الحاج وحنان البلخي، فيما يرأس احمد رمضان كتلة جديدة اسماها «اتحاد التنسيق الديموقراطي»، ويمثلها في المجلس في الأمانة العامة والمكتب التنفيذي للمجلس، إلى جانب عبيدة النحاس وحسان الهاشمي. أما بسمة قضماني فقد خرجت من «الكتلة الوطنية»، وجرى الاتفاق على تمثيلها للنساء في المكتب التنفيذي، على أن يكون مقعدها تداوليا، ويجري تغيير من تجلس عليه كل ثلاثة أشهر.
وفضلا عن الخلافات على المقاعد والرئاسة، يتجه المجلس إلى مواجهة أزمة أعمق وأوسع، بحسب معارض سوري، إذ ان اجتماع روما لم يكرس الوقت الضروري المطلوب لتقييم مرحلة ما بعد اسطنبول «كما أن الأمانة العامة للمجلس، منذ انتخابها في تونس في كانون الأول الماضي، لم تجتمع أكثر من مرة واحدة في اسطنبول، وان المكتب التنفيذي يقوم بأعمالها مخالفا الأصول والقواعد التنظيمية».
وحذر رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف، في مؤتمر دولي للخبراء القانونيين في سان بطرسبورغ عشية مشاركته في قمة مجموعة الثماني في كامب ديفيد اليوم، من أن «التدخل العسكري الأجنبي في شؤون الدول الأخرى يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب»، محذرا من ان «العمليات العسكرية المتسرعة التي تقوض سيادة الدولة يمكن أن تؤدي إلى نشوب حرب إقليمية كاملة، قد يستخدم فيها السلاح النووي»، مشيرا إلى أن عمليات عسكرية من هذا النوع «تنتهي، عادة، بوصول الراديكاليين إلى الحكم».
وشدد على أن «ضرب سيادة الدولة لا يجوز، حتى إذا كان ذلك يساعد في تحقيق الأهداف السياسية الآنية، لكنه يشكل خطرا على النظام العالمي. ومن أمثلة الاعتداء على مبدأ السيادة، عمليات عسكرية جرت ضد الدول الأجنبية في الأعوام القليلة الماضية من دون موافقة الأمم المتحدة، ومزاعم عن أن هذا النظام أو ذاك فقد مشروعيته وفقا لوجهة نظر الدول الأجنبية وليس شعب هذا البلد، وفرض عقوبات بكافة أنواعها خارج أطر المؤسسات الدولية. ولا يساعد كل ذلك على تحسين الوضع في العالم».
وأعلن ميدفيديف أن «روسيا ستأخذ في الاعتبار لدى مناقشة الوضع في سوريا والشرق الأوسط في قمة مجموعة الثماني، أن من حق الشعوب اختيار ما يناسبها من طرق التنمية».
وفي صوفيا، قال رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البلغاري بويكو بوريسوف، إن «عمليات قتل المدنيين تتواصل رغم الدعوة الدولية لوقف حمام الدم هذا». وأضاف «تجري مفاوضات (تحت إشراف) الأمم المتحدة، لكن المجازر مستمرة».
وأكد وزير الداخلية في حكومة تسيير الأعمال السورية اللواء محمد الشعار، خلال حفل تخريج دورة لحفظ الأمن في دمشق، أن «سوريا حققت نجاحات كبيرة في ملاحقة المجموعات الإرهابية المسلحة، بعد أن أدرك الشعب السوري بوعيه وإيمانه وحبه وطنه مدى خطورة هذه المؤامرة، فوقف بكل إباء وشموخ في وجهها، وتمكن من إفشال مساعيها وإحباط محاولاتها استجلاب التدخل العسكري الخارجي».
ونقلت وكالة (سانا) عن الشعار قوله إن «ما تشهده سوريا من فصول دامية للمؤامرة الدولية الكبرى، خطط لها أعداء الأمة من أميركيين وصهاينة وأوروبيين، بمشاركة بعض الدول الإقليمية وأدعياء العروبة من حكام قطر والسعودية، وأنهم استخدموا لتنفيذها أزلامهم وعملاءهم من الإرهابيين المسلحين، وفي مقدمتهم التكفيريون البعيدون عن جوهر الإسلام، عبر مدهم بالمال والسلاح، وتحت غطاء من الضخ الإعلامي والكذب والافتراء من الفضائيات المضللة الشريكة في سفك الدم السوري».
وذكرت «سانا» ان «وفدا من المراقبين الدوليين زار مدينة الزبداني في ريف دمشق، والتقى عددا من الأهالي. كما زارت وفود من المراقبين داريا ودوما بريف دمشق وأحياء الخالدية وعكرمة وشارع الحضارة بحمص وحيي جنوب الملعب ودوار الجب والمستشفى الوطني في حماه، وجامعة حلب».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد