تداعيات الفيلم المسيء: مقتل 6 في تونس والسودان ومصر واستهداف القوة الدولية في سيناء
يبدو أن موجة الغضب التي أثارها الفيلم المشبوه المسيء للنبي محمد قد بدأت تخرج عن السيطرة، وهو ما عكسته التظاهرات الغاضبة التي عمّت عواصم عربية وإسلامية، يوم أمس، والتي انتهت بسقوط عشرات القتلى والجرحى في تونس والسودان واليمن ومصر، في وقت يلوح في الأفق نذر تدخل عسكري أميركي في المنطقة العربية تحت مسمّى حماية البعثات الديبلوماسية، إذ أعلنت واشنطن عن إرسال عشرات جنود من قوات مشاة البحرية «المارينز» إلى اليمن، على غرار ما قررت القيام به في ليبيا، فيما تحدثت صحف أجنبية عن احتمال أن تشمل هذه الخطوة دولاً عربية أخرى.
أما في ما يتعلق بالتداعيات السياسية لهذه الأحداث، فيبدو ان عاصفة قد بدأت تتكون في قلب دول «الربيع العربي»، وهو ما تبدّى في سيل التقارير الغربية التي تحدثت عن تحوّل في السياسة الأميركية تجاه قوى الإسلام السياسي التي تمكنت من الوصول إلى الحكم بعد انتصار هذه الثورة أو تلك
ووسط هذه العاصفة الاستوائية الحديثة التكوين، يبدو أن الإسلام السياسي الحاكم في دول «الربيع العربي» قد بات عالقاً بين مطرقة الحليف الخارجي، المتمثل في الولايات المتحدة، وسندان الحليف الداخلي، المتمثل في التيارات السلفية بأجنحتها المتعددة، سياسية كانت أو دعوية وجهادية. ولعل المعضلة التي يواجهها الإسلام السياسي بعد أزمة فيلم «براءة المسلمين» قد تبدّت بشكل رمزي يوم أمس حين سحبت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر دعوتها لتنظيم «مليونية» لنصرة الرسول، بعدما بات واضحاً أن أحداً لا يستطيع ضبط الشارع الغاضب.
وفي مؤشر إلى أن ثمة مقاربة جديدة قد تعتمدها الإدارة الأميركية تجاه حلفائها الجدد، توعد الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يواجه أقسى الانتقادات من خصمه الجمهوري ميت رومني على أبواب الاستحقاق الرئاسي الأميركي، بمحاسبة قتلة الأميركيين الأربعة في بنغازي، فيما قالت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون إن الشعوب العربية لم تستبدل «طغيان ديكتاتور» بـ«طغيان عصابة».
وعمّت التظاهرات العنيفة بعد صلاة الجمعة العالم الإسلامي احتجاجاً على فيلم «براءة المسلمين» الذي أنتج في الولايات المتحدة، وتطورت في بعض العواصم الإسلامية الى اشتباكات دامية بين قوات الأمن والمحتجين الذين حاولوا في أكثر من مكان استهداف السفارات والمصالح الأميركية والغربية، ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل في الخرطوم وتونس والقاهرة، وذلك بعد مقتل أربعة أشخاص في اليمن أمس الأول.
وفي الخرطوم أطلق حراس السفارة الأميركية النار في الهواء من سطح مبنى السفارة لمنع مئات المتظاهرين من الاقتراب منه بعدما تمكن هؤلاء من اجتياز طوق امني أقيم حول المقر. وكانت قوات الأمن السودانية استخدمت العنف لتفريق تظاهرة حاشدة أمام السفارة الأميركية ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل.
واقتحم متظاهرون سودانيون السفارة الألمانية في الخرطوم ورفعوا فوقها علماً يحمل الشهادتين، وحطموا النوافذ والكاميرات والأثاث داخل المبنى قبل ان يشعلوا النار. وقال وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيله في برلين إن موظفي السفارة الألمانية بالخرطوم سالمون «حتى الآن»، داعياً السلطات السودانية إلى حماية البعثات الديبلوماسية على أراضيها.
وفي تونس، اقتحم متظاهرون باحة مبنى السفارة الأميركية في العاصمة. وتمكن المتظاهرون من اختراق احد أسوار المبنى قرب مرأب السفارة حيث شوهدت سيارات عدة تحترق. واندلع حريق ثان نجم عن إلقاء زجاجات حارقة في قسم آخر من الأرض الفسيحة التي يحتلها مبنى السفارة الأميركية في منطقة ضفاف البحيرة شمال العاصمة التونسية. وتحدثت مصادر أمنية عن مقتل ثلاثة متظاهرين وإصابة العشرات.
وفي اليمن أطلقت الشرطة النار في الهواء لصد متظاهرين كانوا يقتربون من السفارة الأميركية في صنعاء، وذلك غداة مقتل أربعة أشخاص في اقتحام هذا المبنى.
أما في مصر، حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين قرب مقر السفارة الأميركية في القاهرة، ما أدى إلى مقتل متظاهر على الأقل وإصابة العشرات بجروح، فقد سحبت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر دعوتها الى التظاهر بعد صلاة الجمعة في كل أنحاء البلاد، مؤكدة أنها لن تنظم سوى تجمع «رمزي» في القاهرة.
وسقط ثلاثة جرحى في هجوم شنه بدو مصريون على معسكر لقوات حفظ السلام الدولية في سيناء احتجاجاً على الفيلم المسيء للإسلام. وقال مصدر أمني إن البدو اقتحموا المعسكر وأحرقوا برج المراقبة الواقع في داخله، ثم اندلعت اشتباكات بين الطرفين أسفرت عن إصابة كولومبيين اثنين ومصري واحد بجروح لم يتسن التحقق من مدى خطورتها.
وأحرق المهاجمون أيضاً آلية في داخل المعسكر الواقع في مدينة الجورة التي تبعد عشرة كيلومترات عن الحدود مع قطاع غزة.
فقد أنشئت قوة حفظ السلام الدولية بعد اتفاقات السلام الإسرائيلية -المصرية في 1979. وتقضي مهمتها بمراقبة نزع السلاح في سيناء المنصوص عنه في تلك الاتفاقات.
وشملت التظاهرات الأراضي الفلسطينية المحتلة (القدس، غزة، الضفة الغربية، أراضي العام 1948)، والمغرب، سوريا، والأردن، وقطر، والبحرين، والعراق، وبنغلادش، وماليزيا وأفغانستان، وباكستان، ونيجيريا.
في هذا الوقت، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة أرسلت فريقاً من مشاة البحرية (المارينز) لحماية السفارة الأميركية في صنعاء، فيما ترددت معلومات عن أن هؤلاء الجنود وصلوا بالفعل وأن قناصة منهم هم من قتلوا المتظاهرين الأربعة في صنعاء أمس الأول.
وذكرت صحيفة «وورلد تريبيون» أن الولايات المتحدة تدرس فرض إجراءات أمنية مع تزايد الهجمات على البعثات الديبلوماسية والسفارات الأميركية في كافة أنحاء منطقة الشرق الأوسط. ونقلت الصحيفة على موقعها الإلكتروني عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قد وافقت على خطط إرسال المئات من قوات المارينز الأميركية وأفراد أمن آخرين إلى السفارات في الشرق الأوسط.
وتأتي هذه الخطوة بعد يومين من صدور قرار بإرسال العشرات من جنود «المارينز» إلى ليبيا في أعقاب مقتل السفير الأميركي في هجوم على مقر القنصلية في بنغازي.
كذلك، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس عززت «من باب الاحتياط» أمن سفاراتها وقنصلياتها في دول العالم الإسلامي.
وأكد الرئيس الاميركي باراك اوباما، في كلمة القاها خلال مراسم استقبال جثامين الأميركيين الأربعة الذين قتلوا في بنغازي، ان واشنطن «ستقف» في وجه اعمال العنف ضد سفاراتها ومواطنيها في العالمين العربي والاسلامي.
وقال إن «تضحياتهم لن تنسى ابداً، وسنحاسب من اخذوهم منا. وسنقف بوجه اعمال العنف ضد بعثاتنا الدبلوماسية». وتابع «سنستمر في القيام بكل ما يمكننا لحماية الاميركيين العاملين في الخارج، بما في ذلك رفع مستوى الامن في مقراتنا الديبلوماسية والعمل مع البلدان التي عليها واجب ضمان الأمن، والقول بلا لبس إن من يتعرضون للأميركيين سيحاسبون».
من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في مراسم استقبال جثامين الاميركيين الاربعة الذين قتلوا الثلاثاء في القنصلية الاميركية في بنغازي، إن «شعوب مصر وليبيا واليمن وتونس لم تستبدل طغيان دكتاتور بطغيان عصابات»، داعية «الناس العقلاء والقادة المسؤولين في هذه الدول الى فعل كل ما بوسعهم لإعادة الأمن وملاحقة اولئك الذين يقفون خلف اعمال العنف هذه».
وتوقعت كلينتون ان تكون «الايام المقبلة اكثر صعوبة»، ولكنها شددت على انه «من المهم ان لا يغيب عن نظرنا امر جوهري: اميركا عليها دوماً ان تري العالم الطريق، نحن ندين بهذا لهؤلاء الرجال الاربعة».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد