القانون الدولي والحرب الأمريكية على سوريا
الجمل - جوزف كيشور- ترجمة:د. مالك سلمان:
وسط هذا الكم الهائل من الأكاذيب التي صدرت عن المؤتمر الصحفي للرئيس الأمريكي أوباما, يبرز مقطع متميز.
في إشارته إلى اتهامات غير مدعمة بأي دليل للحكومة السورية باستخدام الأسلحة الكيماوية, أعلن أوباما أن من شأن ذلك أن "يغيرَ قواعدَ اللعبة". لماذا؟ "لأننا أسسنا القانون الدولي والأعراف الدولية التي تقول عندما تستخدم هذا النوع من الأسلحة, فإنك قادر على قتل أعداد هائلة من البشر بأبشع طريقة ممكنة ..."
ليس بمقدور الكلمات أن تصف مستوى النفاق في هذا الإعلان الذي يدعي التقوى والطهرانية. حيث تخرج هذه الكلمات من فم رئيس حكومة وجيش قام بإطلاق العنف في كافة أنحاء العالم وهو متهم بأسوأ وأفظع خروقات للقانون الدولي.
وهذا ينطبق, في المقام الأول, على العملية السورية نفسها. ففي نفس المؤتمر الصحفي, اعترف أوباما أنه "منذ البداية" كان هدف الولايات المتحدة إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد. فقد أضاف, "عملنا على تعزيز المعارضة. حيث قدمنا المساعدات غير الفتاكة للمعارضة."
وتابع القول إن الإدارة "قد طلبت من البنتاغون, والقيادة العسكرية, وأجهزة الاستخبارات" التحضير "لعدد من الخيارات المتنوعة." وقد أشارت التقارير الإعلامية, بناءً على تصريحات أدلى بها مسؤولون في الإدارة بعد المؤتمر الصحفي, إلى أن الولايات المتحدة تحضر لتزويد "الثوار" ﺑ "أسلحة فتاكة". وقد قام الجيش الأمريكي سلفاً بإنشاء قاعدة عسكرية في شمال الأردن, على الحدود السورية, بهدف حشد 20,000 عسكري أمريكي هناك.
وفي الوقت نفسه, وفي سياق تدخلها في سوريا, قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها في السعودية وقطر بتقديم السلاح للقوات الأصولية الإسلاموية المرتبطة بالقاعدة, التي أطلقت حملة مميتة من التفجيرات الإرهابية. وتشمل هذه التفجيرات السيارة المفخخة التي انفجرت في دمشق في اليوم الذي عقد فيه أوباما مؤتمرَه الصحفي وقتلت أكثر من 14 شخصاً.
أطلقت إدارة أوباما حملة منهجية لإشعال حرب أهلية بهدف إسقاط الحكومة السورية, وتخطط الآن للتدخل العسكري لتحقيق الهدف نفسه.
ويشكل هذا دليلاً على انحطاط الإعلام, إذ لم يخطر على بال أي من الصحفيين الحاضرين أن كل ذلك يشكل خرقاً فاضحاً للمبادىء الأساسية لميثاق الأمم المتحدة, الذي يمنع "التهديد أو استخدام القوة ضد سيادة أي دولة أو استقلالها السياسي."
لقد انكبَت الولايات المتحدة على حملة مستمرة من الحرب العدائية. وفي حقيقة الأمر, تعود خطط الحرب على سوريا إلى أكثر من عقد من الزمن. ففي سنة 2002, كانت حكومة دمشق جزأ من "محور الشر" الذي قامت بتوسيعه إدارة بوش, والذي شمل سوريا وليبيا وكوبا, بالإضافة إلى الأعضاء الثلاثة السابقين: إيران والعراق وكوريا الشمالية. ومن بين هذه البلدان, تم غزو العراق في عهد إدارة بوش, بينما تم قصف ليبيا من قبل الناتو والولايات المتحدة في عهد أوباما.
كما تعاملت الحكومة الأمريكية بازدراء مع مبادىء أساسية أخرى من القانون الدولي. ففي الشهر الماضي, استنتجت لجنة من داخل المؤسسة السياسية الأمريكية أن الولايات المتحدة قامت "بشكل لا يقبل الشك" بتعذيب السجناء, وأن ذلك حصل بموافقة "أعلى مسؤولين في الدولة".
وفي نفس المؤتمر الصحفي الذي أطلق فيه تهديدات ضد سوريا, اعترف أوباما بإضراب السجناء عن الطعام في "خليج غوانتانامو" في كوبا, الذين يحتجزهم الجيش الأمريكي في ظروف وحشية تصل إلى التعذيب لأكثر من عشرة سنوات, دون أي تهم أو محاكمة.
أما بالنسبة إلى برنامج أوباما للاغتيالات بواسطة الطائرات الآلية ("درونز"), فقد أشار التقرير الخاص بالأمم المتحدة المتعلق بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان, في شهر آذار/مارس, أن هذا البرنامج يشكل خرقاً للقانون الدولي والسيادة الوطنية.
المسألة الأساسية المتعلقة بالتدخل الأمريكي في سورية ليست طبيعة حكومة الرئيس الأسد, بل طبيعة الإمبريالية الأمريكية. فإذا أخذنا الذرائع "الإنسانية" التي توظفها إدارة أوباما وحلفاؤها الأوروبيون, سرعان ما نتذكر رسالة هتلر إلى تشامبرلين التي تبرر غزو تشيكوسلوفاكيا على أساس أن "الألمان وأبناء القوميات الأخرى في تشيكوسلوفاكيا قد تعرضوا لمعاملة سيئة, كما تعرضوا للتعذيب ... [وحُرموا من] حق الأمم في تقرير مصيرها."
في سياق جهود الطبقة الحاكمة الأمريكية لإخضاع الشرق الوسط بشكل مباشر لسيطرتها, تم قتل الملايين من الناس وتحويلهم إلى لاجئين. والآن, يهدد التدخل في سوريا, الحليفة لإيران, بإشعال حرب إقليمية سترخي بظلالها الكارثية على العالم أجمع.
يتم توسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط من وراء ظهر الشعب الأمريكي وضد رغبته. فقد بين استفتاء تم في نفس اليوم الذي عقد فيه الرئيس أوباما مؤتمره الصحفي أن 62% من الشعب الأمريكي يعارضون التدخلَ في سوريا, مع موافقة 25% فقط. [مثال على تجلي الديمقراطية الغربية !!]
إن مثل هذه الاستبيانات انعكاس باهت للمعارضة الشديدة للحرب داخل الولايات المتحدة. لكن هذا الرأي الشعبي لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على السياسة الرسمية. إذ إن السياسيين من كلا الحزبين [الديمقراطي والجمهوري] يطالبون بالتدخل الفوري. فقد أصبحت منظمات الطبقة الوسطى التي قادت الاحتجاجات المناهضة للحرب قبل عشرة سنوات, بفضل الآليات التي اتبعتها إدارة أوباما, الداعمَ الأكبر للتدخل في سوريا.
السياسة الخارجية والسياسة الداخلية مترابطتان بشكل وثيق. فنفس الأرستقراطية المالية التي خلقت الفوضى في كافة أنحاء العالم متورطة في حرب مستمرة على الطبقة العاملة. فالجريمة الخارجية لها ما يقابلها في الداخل. فالفلتان العالمي متواشج مع توسع جهاز الدولة البوليسية داخل الولايات المتحدة والموجَه ضد أية معارضة لسياسات الطبقة الحاكمة.
إن تفاقم النزاع الطبقي داخل الولايات المتحدة وعلى الساحة الدولية يخلق أرضية اجتماعية كبيرة لمعارضة الحرب. ولا يجد ذلك تعبيرَه السياسي إلا من خلال التعبئة السياسية المستقلة للطبقة العاملة التي تربط مناهضة الحرب بالصراع ضد نظام الحزبين الرأسمالي.
تُرجم عن ("وورلد سوشليست ويب", 2 أيار/مايو 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد