كيف سيغير إدوارد سنودن وسوريا سياسة أوباما الخارجية
الجمل- شيموس كوك- ترجمة: د. مالك سلمان:
عندما انفجرت فضيحة تجسس "هيئة الأمن القومي", تفجرَ معها أيضاً الوهم القائل إن الرئيس أوباما مختلف عن سلفه جورج بوش الابن. فقد تم تصنيع صورة أوباما بعناية شديدة لكي تبدو بديلاً لبوش: فقد قدم أوباما نفسه في حملته الانتخابية كمرشح للسلام يحب الحريات المدنية ويرغب في العمل مع الأمم المتحدة بدلاً من شن الحروب الأمريكية خارج الشرعية الدولية.
أما الآن, وقد تبينَ أن أوباما ليس سوى شخص يطمح لأن يكون بوش الثالث, فهل سيعود إلى ثياب الحمَل التي كان يرتديها عندما كان المرشح أوباما؟ أم أنه سيتخلى عن أية مظاهر متبقية ويتبنى بشكل كامل وعلني ذلك التهور الدولي الذي تميز به بوش؟ والجواب هو أن الاحتمالين ممكنين: سوف يستمر أوباما في روتينه المبتذل بصفته "براغماتياً" بينما يقود, في الواقع, سياسة خارجية أكثر خطورة من سياسة بوش.
السبب في ذلك هو أن إدوارد سنودن, وروسيا, والرئيس السوري بشار الأسد قد حشروا الرئيس أوباما في الزاوية؛ فقد فضح هؤلاء نقاط الضعف الكبيرة في القوة الخارجية للولايات المتحدة, ولن يسمح أوباما لنفسه – والأهم "للمصالح القومية (المتحدة) الأمريكية" – بالظهور في مظهر الضعف بينما تتنامى القوة الاقتصادية و/أو السياسية لإيران وروسيا والصين. ومن المؤكد أن هذه المعادلة ستقود أوباما إلى تبني سياسة خارجية أكثر عدوانية, ومزيد من الحروب في الشرق الأوسط, ومواجهات أكثر خطورة مع إيران وروسيا والصين.
لم يكن أوباما قط بهذا القدر من الضعف أمام الجناح اليميني الأمريكي الذي نجح في "تمسيح الأرض به" بسبب قضية سنودن. ومن الواضح أن موقف الرئيس اللامبالي نوع من التمثيل, كما أنه يزيد من غضب خصومه اليمينيين, وخير مثال على ذلك ما صدر عن "هيريتيج فاونديشن":
"إن رفض [الصين وروسيا] ترحيل ... [إدوارد سنودن] ليس إلا مثالاً جديداً على وهن القوة الكونية الأمريكية الناتج عن ‘فريق أوباما’ ... والسؤال الكبير, والطبيعي, هو: مع استشعار تداعي قوة [الولايات المتحدة], من هو التالي الذي سيتسلى بتحدي مصالحنا؟"
هذا ليس مجرد رأي سياسي يميني, بل هو رأي المؤسسة السياسية الأمريكية برمتها, أي رأي الديمقراطيين والجمهوريين على حدٍ سواء. وليس على المرء إلا أن يتذكر أنه خلال مناظرة أوباما-رومني حول السياسة الخارجية, لم يحصل الكثير من الجدل بل ساد الاتفاق على ضرورة استعراض "القوة" الأمريكية في الخارج.
ولكي ننصفَ أوباما, كان الجناح اليميني قاسياً جداً معه بسبب سياسته الخارجية "الضعيفة", بما أن أوباما قد تصرف بوحشية على الصعيد الدولي؛ لكن الإعلام الأمريكي – ببساطة – ذهب إلى أبعد الحدود لإخفاء سياساته وحمايتها من النقد, كما فعل الجمهوريون الذين قام بتنسيق هذه السياسات معهم.
فعلى سبيل المثال, دعمَ أوباما الانقلاب العسكري في هندوراس ضد حكومة منتخبة, كما دعمَ بعد ذلك انقلاباً آخرَ في الباراغوي وأرسل الأموال إلى الجناح اليميني المتطرف في فنزويلا لتقويض حكومة تشافيز, مع إبقائه على الحظر الذي تم فرضه على كوبا منذ أيام الحرب الباردة. ونتيجة لذلك, تساوي أمريكا اللاتينية اليوم بين سياسة أوباما الخارجية وسياسة بوش قبله. وقد وافق الجمهوريون بشكل كامل على سياسات أوباما هذه.
والشرق الأوسط مثال آخر على أوباما الوغد: فقد عملت تكتيكاته "الهجومية" في أفغانستان على توسيع الحرب ضد "طالبان" الذين يلهث الآن للتفاوض معهم على سلام "مشرِف". كما أن أوباما خرق القانون الدولي في ليبيا عندما قصف البلد بهدف تغيير النظام. وفي سوريا, يستمر أوباما في تصعيد الحرب المدمرة القائمة عبر إرسال المزيد من الأسلحة والأموال إلى مجموعة من "المتمردين" يهيمن عليها المتطرفون الإسلامويون, ومرة أخرى دون موافقة الأمم المتحدة. هذا عدا عن دعمه المخجل لسياسات إسرائيل الإجرامية في الضفة الغربية وقطاع غزة, وتحالفه الوثيق مع دكتاتوريات الخليج الملكية, وخاصة السعودية وقطر.
تمكن أوباما, حتى الآن, من تنفيذ هذه السياسات "البوشية" تحت قناع مزيف. لكن هذا النفاق لم يعد ينفع – فقد تغير الوضع الدولي. لقد أذلَ إدوارد سنودن والرئيس السوري أوباما في قضايا جوهرية, وعلى أوباما أن يكشرَ عن أنيابه الآن كيلا تستغلَ ضعفَه الأممُ الأخرى.
سوريا, على سبيل المثال, في غاية الأهمية لأوباما لأنه حشدَ رصيداً دبلوماسياً أمريكياً هائلاً لتجميع "ائتلاف راغبين" على طراز بوش بهدف إسقاط الرئيس السوري, وفي حال فشل أوباما في محاولته لتغيير النظام السوري فإن ائتلاف الصبيان الأتباع لن يهرع في المستقبل للالتحاق بالمشاريع الأمريكية, بل يمكن أن يختارَ "اللقلقة" خلف إيران أو روسيا. فمع كل خطوة ينزلق فيها أوباما في المستنقع السوري, سيجد نفسه عاجزاً أكثرَ عن الانسحاب؛ وفي هذه المرحلة, من شأن أي تراجع أن يقوضَ القوة الأمريكية في الشرق الأوسط. فعندما قال أوباما "على الأسد أن يرحل", ألزمَ الولايات المتحدة بتحقيق هذا الهدف.
والأهم من هذا, إذا تمكنت سوريا من الدفاع عن نفسها ضد المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة – أو ضد غزو أمريكي مباشر محتمَل – فإن البلدان الأخرى لن تذعن, بدافع الخوف, لسياسات الولايات المتحدة الخارجية. وهذا في غاية الأهمية, فمع تداعي القوة الاقتصادية الأمريكية أصبحت القوة العسكرية هي الخيار الوحيد في السياسة الخارجية.
يرغب أوباما في أن يكون تدخله في سوريا بلا أية آلام سياسية على غرار تدمير بيل كلينتون ليوغوسلافيا, أو على شاكلة تدمير أوباما نفسه لليبيا. ولكن يتم سحق متمردي أوباما في ميدان المعركة, مما يستدعي تدخل أوباما المباشر والمتزايد لإسقاط الرئيس السوري؛ ولذلك تم اتخاذ القرار بتسليح المتمردين بشكل مباشر بالأسلحة المتطورة من قبل الولايات المتحدة عبر الأعداد المتزايدة للقوات الأمريكية المنتشرة على الحدود السورية- الأردنية التي تقوم بتدريب المتمردين, وحيث تم نشر نظام صاروخي أمريكي متطور مضاد للطائرات لهدف "دفاعي".
لقد رسم أوباما سلفاً خططاً لإقامة "منطقة حظر جوي" تبدو بريئة, لكنها في الواقع تعادل الغزو العسكري المباشر.
يشعر أوباما الآن أنه لا يستطيع التراجع في سوريا, خوفاً من التقدم الروسي والإيراني. فقد وصلت المواجهات الجيوسياسية إلى ذروتها في الشرق الأوسط والعالم ككل, حيث أن خطوة خاطئة واحدة يمكن أن تعادلَ حرباً إقليمية واسعة, أو حتى حرباً عالمية.
إن الأزمة الاقتصادية الكونية الراهنة تدفع الشركات الأمريكية إلى مطالبة أحزا‘بها’ السياسية – الديمقراطيين والجمهوريين – للتصرف ﺑ "جرأة" أكبر في الخارج للحصول على أسواق/مستهلكين جدد لمنتجاتها, ووسائلَ جديدة للاستثمارات, ومصادرَ جديدة للمواد الخام واليد العاملة الرخيصة.
على الرغم من أن أوباما في بدايات فترته الرئاسية الثانية, إلا أن داعميه المتحدين يطالبونه بالتكشير عن أنيابه والإقلاع عن لعب دور الحَمَل – "المصالح" القومية الأمريكية في خطر! ومن خلال ذلك, سوف يكشف أوباما عن الطبيعة الحقيقية لنظام الحزبين الأمريكي ويدفع بالنشاط السياسي إلى الشارع مما سيؤدي إلى تشكيل حزب جماهيري جديد مكون من الطبقة العاملة لمواجهة الوضع السياسي الراهن القاصر.
لقد كان أولُ رئيسٍ أسودَ آخرَ أملٍ عظيم لنظام الحزبين الأمريكي. وسوف يكون فشله فاتحة عهد جديد في السياسة الأمريكية.
http://www.globalresearch.ca/how-edward-snowden-and-syria-will-change-obamas-foreign-policy/5341269
بيان لإدوارد سنودن من موسكو
("ويكيليكس", 2 تموز/يوليو 2013)
قبل أسبوع غادرت هونغ كونغ بعدما أن اتضحَ أن حريتي وسلامتي في خطر لأنني كشفت الحقيقة. وأنا لا أزال أتمتع بحريتي الآن بفضل جهود أصدقائي الجدد والقدامى, وعائلتي, وآخرين لم ألتق بهم قط وربما لن ألتقي بهم أبداً. لقد أمنتهم على حياتي وبادلوني هذه الثقة بإيمانهم بي, وسوف أكون ممتناً لهم على الدوام.
يوم الخميس, أعلن الرئيس أوباما أمام العالم أنه لن يسمحَ بأي "أخذ وعطاء" دبلوماسي حول قضيتي. ومع ذلك يقال الآن أنه بعد أن وعدَ بأنه لن يفعل ذلك, أمرَ الرئيس نائبَه بالضغط على البلدان التي تقدمت إليها لمنحي اللجوء السياسي.
إن هذا النوع من الخداع من قبل زعيم عالمي لا يمت إلى العدالة بصلة, وكذلك عقوبة النفي غير القانونية. فهذه ليست سوى الأدوات القديمة البائسة للعدوان السياسي. والهدف منها ليس إخافتي أنا, وإنما إخافة كل من يفكر بسلوك هذا الطريق من بعدي.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية, لعقود طويلة, أحد المدافعين الأقوياء عن الحق الإنساني في طلب اللجوء. ومن المؤسف أن هذا الحق, الذي صوتت عليه الولايات المتحدة في المادة 14 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان", يُقابَل بالرفض من قبل حكومة بلادي الحالية. فقد تبنت إدارة أوباما الآن استراتيجية استغلال المواطنة كسلاح. فعلى الرغم من غياب أية تهمة قانونية ضدي, فقد ألغت جواز سفري وتركتني شخصاً بلا بلد. فبدون أي أمر قضائي, تسعى الإدارة الآن إلى منعي من ممارستي لأحد حقوقي الأساسية. وهو حق يتمتع به الجميع. إنه حق طلب اللجوء.
في النهاية, إدارة أوباما ليست خائفة من مطلقي صفارات الإنذار من أمثالي, وأمثال برادلي مانينغ أو توماس دريك. فنحن بلا وطن, أو مسجونون, أو ضعفاء. لا, إدارة أوباما خائفة منكم. إنها خائفة من جمهور مطلع وغاضب يطالب بالحكومة الدستورية التي وُعِدَ بها – ويجب عليها أن تخاف.
أنا ثابت على قناعاتي وأقدر الجهودَ التي يبذلها الكثيرون من أجلي.
إدوارد جوزيف سنودن
تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 1 تموز/يوليو 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد