صحافة المنطقة الحرة غير حرة
بعد غياب استمر لأكثر من أربعين عاما أصبح أمام المواطن السوري خيار جديد على صعيد الصحف اليومية بعدما تحددت خياراته لعقود بصحف حكومية ثلاث.
وبصدور صحيفة الوطن أصبح هناك صوت مستقل (لا موال و لا معارض) يسعى لأخذ مكانه على خارطة الإعلام السوري الخاص الذي زاد عدد التراخيص الممنوحة له عن المائة و أربعين ترخيصا خلت كلها من أي ترخيص لصحيفة سياسية يومية.
لكن صدور صحيفة الوطن من المنطقة الحرة أثار جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية و الثقافية و الشعبية، فبينما اعتبرها البعض أول صحيفة سياسية سورية خاصة تصدر بعد أربعة عقود من الاحتكار الحكومي لوسائل الإعلام السياسية يرى البعض الآخر أن الصحيفة التي تحرر و تطبع في المنطقة الحرة تعامل معاملة الصحف العربية و الأجنبية الواردة إلى سورية من حيث الرقابة و التوزيع مما يجعلها صحيفة أجنبية أكثر منها صحيفة سورية.
و رغم هذا الجدل فإن البعض يرى أن صحيفة الوطن قد تفتح و خلال الفترة القادمة الطريق أمام صدور زميلات لها.
فهل تنجح الوطن في استقلاليتها و مغامرتها الإعلامية و الاقتصادية؟
يقول رئيس تحرير الوطن وضاح عبد ربه في افتتاحية العدد الأول من الصحيفة:
"لقد أصبح الحلم حقيقة و في سورية الآن صحافة يومية سياسية خاصة" موجها كلامه للقراء:"ننتظر انتقاداتكم و أرائكم فأنتم الحكم و أنتم من يقرر نجاح هذه الصحيفة و هذه التجربة أو إخفاقها."
ويقول عبد ربه لـ BBC "الفكرة بدأت منذ سنتين و اعترف بأن إصدار الصحيفة مغامرة مادية و سياسية لكنها مغامرة جميلة في بلد يفتقد الإعلام الخاص الذي يتعطش إليه كل مواطن سوري. و هو ما لمسناه بعد صدور الأعداد الأولى من الصحيفة."
و يعيد عبد ربه أسباب صدور الوطن من المنطقة الحرة الإعلامية إلى الهروب من الروتين و القرارات المقيدة للعمل الإعلامي فنيا و ماليا:"بصراحة كاملة كان إصدار الصحيفة من المنطقة الحرة الإعلامية للهروب من الأنظمة و القرارات التي كانت تقيد العمل الإعلامي الخاص في سورية و لكي نبتعد قدر الإمكان عن هذه القوانين التي هي ليست قوانين بقدر ما هي قرارات يصدرها البعض ممن كان لهم محاولات متعددة لتقييد الإعلام الخاص و إغلاق بعض الصحف."
ويضيف عبد ربه:"هناك العديد ممن يتابعون مسيرة الصحيفة و نتائج صدورها اقتصاديا و سياسيا مشيرا إلى أن أهم الصعوبات التي تواجه مسيرة الصحيفة هي الصعوبات الفنية."
فسوريا حسب عبد ربه "غير مؤهلة فنيا لإصدار صحف يومية فحتى اليوم لا يوجد في سورية مطبعة للقطاع الخاص. الأمر الذي يدفعنا إلى دراسة استثمار مطبعة بمواصفات عالية تطبع صحيفتنا و صحف أخرى."
و عن الفوائد المالية للصدور في المنطقة الحرة يقول رئيس تحرير الوطن:"نحن في المنطقة الحرة لا نسدد رسوما أو ضرائب. كما يعفينا وجودنا في المنطقة الحرة من دفع رسوم تقارب 25 بالمائة من مداخيل الإعلانات. كما يفسح المجال أمامنا للاستقلال بسياسة تسويقية الأمر الذي يدعم المطبوعة بشكل كبير على الصعيد المالي" كاشفا عن أن الصحيفة مملوكة لشركة مساهمة من خمسة مساهمين من رجال الأعمال وضعوا خطة تمويل لمدة عام و على أن يكون الحجم الإعلاني الرافد الأساسي للصحيفة في المراحل اللاحقة.
هذا و توزع الوطن حاليا ما يقارب الخمسة و عشرين ألف نسخة و يتوقع رئيس تحريرها زيادة بالكمية مراهنا في ذلك على اختراق الهوامش الوهمية على صعيد المادة الصحفية.
يقول عبد ربه:"نوزع حاليا ما يقارب الخمسة و عشرين ألف نسخة تنفذ كلها من الأسواق. لكن هذا ليس بالمقياس فنحن ننتظر الأشهر الأولى لنرى ردة فعل المواطن السوري على نهجنا الإعلامي"
و يشدد عبد ربه على استقلالية مطبوعته رافضا المساومة على هذه الاستقلالية حيث يقول: "نحن مستقلون في نهجنا الإعلامي فوزارة الإعلام لديها إجراءاتها التي تقوم بها تجاه الصحف التي تدخل إلى سورية فإذا أرادوا منع الوطن فهذا خيارهم لكن هذا لا يعني أن نغير ما نكتب لكي ينسجم مع الرقيب, فقناعاتنا واضحة و استقلالنا لن نساوم عليه."
وعن الهوامش التي تحكم الإعلام السوري يقول رئيس تحرير الوطن: "لا يوجد هوامش تحدد الانتقاد فالهوامش التي يتحدث عنها البعض في الإعلام السوري هي هوامش وهمية و ليس لها وجود, فبعض الناس يعتقدون أن هناك مواضيع محرمة لا يجوز نشرها و هذه أمور وهمية, فليس مطلوبا أن تكون صحيفة الوطن مشابهة للصحف الرسمية الموجودة فالترخيص الذي حصلنا عليه لا يهدف لهذه الغاية. من هنا فنحن لا نخاف من رفع سقف الهوامش و الانتقاد بجرأة، ولو كنا نخاف لما كنا بدأنا بالمشروع بالأصل."
من جهته يعيد رئيس اتحاد الصحفيين السوريين الياس مراد أسباب صدور الوطن من المنطقة الحرة إلى التأخر في صدور قانون المطبوعات المعدل و ليس لأسباب رقابية.
وقال مراد: "لا اعتقد أن إصدار الوطن من المنطقة الحرة يعود إلى الرقابة و إنما لقانون المطبوعات الذي لم يعدل حتى الآن و بشكل يسمح بإصدار مطبوعات سياسية داخل سورية , الأمر الذي سيدفعنا للعمل بجدية لمتابعة الأمر مع الجهات المعنية لإصدار هذا القانون الذي أتوقع أن يكون فاتحة لإصدار صحف سياسية جديدة بحيث لا تكون الوطن الوحيدة التي تصدر في هذا المجال" مشيرا إلى عدم استطاعته تحديد موعد زمني لصدور تعديلات قانون المطبوعات."
من جانبها ترى الصحفية السورية سعاد جروس أن صحيفة الوطن لم تصدر وفق قانون المطبوعات و إنما وفق قانون المنطقة الحرة الإعلامية الأمر الذي يجعلها لا تعامل معاملة الصحيفة السورية.
لكن جروس تشير إلى أهمية وجود صحيفة تعدّ و تحرر و تطبع في سورية مما يدعو إلى التفاؤل و تقول جروس:"يمكن القول أن صدور الوطن يفتح الطريق أمام صحف أخرى و يبعث على التفاؤل لكن الأهم أن يتم تغيير القوانين التي تخص المطبوعات من اجل التأسيس لواقع إعلامي جديد و مستقل."
و تضيف جروس: "مما لا شك فيه أن وجود صحيفة يومية مستقلة سينعكس إيجابا على الحياة المهنية لكن هذا لن يغير كثيرا في الاستقلالية الصحفية. فعندما لا يكون هناك تعددية سياسية فمن الطبيعي أن لا يكون هناك تعددية صحفية، وطالما أن الإعلام في سورية بمجمله خاص أو رسمي في إطار واحد يمثل السلطة فمن الصعوبة بمكان أن تكون هناك حياة صحفية أو إعلامية."
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد