نقاش في البيت الأوروبي الداخلي: تعالوا نستمع للواقع في سوريا
من الجيد دائما الاستماع إلى نقاشات الغرف الداخلية الأوروبية. هناك، عند التعرض للصراع السوري، تغيب السياسة والديبلوماسية. ما يتم تداوله هو معطيات الواقع الخام، التي لن ترد هكذا على لسان الساسة.
لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي استضافت اثنين من الخبراء المتابعين عن قرب للوضع السوري. الباحث جوليان بارنز داسي، من مجلس العلاقات الخارجية في لندن، والبروفسور جان باسكال زاندرز، الخبير المخضرم بالأسلحة الكيميائية والنزاعات المرتبطة بها.
الباحث البريطاني خاض مطولا في الفرضية الغربية حول تغيير الوضع الميداني لمصلحة المعارضة. من جهة التغيير عبر التسليح، ذكّر بأن «الواقع أن (الرئيس بشار) الأسد لديه تسليح قوي جدا، وتدفق الأسلحة إلى المعارضة لن يمكنه إحداث تغيير جوهري، يؤدي إلى ضربه وهزيمته، إلا إذا كان تدفقا كبيرا جدا لإحداث هذا».
أما تغيير التوازن عبر التدخل العسكري المباشر، فهو من زاوية نظره محكوم بالتالي: «هناك بعض الرغبة، لكن القليل من الخيارات على الطاولة». في تقديره أنه لن يكون لتدخل محدود، كالذي جرى الحديث عنه، تأثير استراتيجي في أرض المعركة.
وينفي صحة فرضية أن زيادة العسكرة تدعم السياسة، وقال «هذا لا يحقق انتصارا للمعارضة، وفي الوقت ذاته يزيد من قوة وتصلب تكتل داعمي الأسد». يضيف إلى تلك التبعات أن «الأقليات تشعر بتهديد متزايد، والحديث عن التدخل ودعم المعارضة يجعلها تحس بأنها مهددة في وجودها ولا مستقبل لها».
هل هناك من حظوظ عسكرية إذاً؟ يجيب الباحث البريطاني بالتشديد على أن السيناريو الوحيد الممكن، لإحداث تحول استراتيجي، هو «الحل العراقي»، قبل أن يعقب «لكن هذا ليس موضوعا على الطاولة».
بعض البرلمانيين الأوروبيين انفعلوا بعد سماعهم الاستنتاجات التي ربطت بالمعطيات التي قدمت لهم. قال داسي، وهو يطالع في ورقة أمامه، «في هذا الواقع، الأسد ربح بشكل ما، وسيكون له مكانه الى طاولة المفاوضات». وكرر أمام الحضور أنه من غير المفيد «الشروط المسبقة، والقول لا للأسد أو لا لإيران». وأضاف مستطلعا في وجوه من حوله «نعم، أعرف أن هذا ليس لطيفا، لكن الوضع مع هذه الاشتراطات سيصير أسوأ».
سهام الأسئلة والشكوك توجهت إلى داعمي المجموعات «الجهادية»، مع نقل الباحث أن نسبتهم أكثر من 50 في المئة. داسي قال للبرلمانيين إن تركيا «لم يكن لديها خطة لفلترة الأسلحة عبر الحدود... تركيا تريد ضمان نفوذ في سوريا... وبالنسبة لجبهة النصرة، الواضح أن تركيا تسهل» تسليحها.
لكن قبل كل شيء، لم يكن هناك نية واضحة لتجنب تقوية «الجهاديين». فمن جهة، ودائما بحسب داسي، لم يقم موردو الأسلحة في قطر والسعودية «باحتياطات للتأكد من أن الأسلحة لن تسقط في أيدي الإرهابيين».
الخطر الكبير برأي مندوب مجلس العلاقات الخارجية البريطاني هو انهيار الاتفاق حول «الكيميائي»، على اعتبار أنه الإجماع الدولي الأول في مجلس الأمن حول سوريا. قال إن المعطيات التي عرضها تبين أن «الحل سياسي فقط» وكلما كان أسرع كان أفضل.
من جهة الاتحاد الأوروبي، قال إن عليه الضغط على دول الخليج وتركيا «لإعادة النظر في الأدوار» التي يلعبونها. أما استمرار التعويل على انتصار أي من الطرفين، فهو فرضية يراها الباحث تزداد انتفاء لأن المسألة برأيه أصبحت صراع تكتلات دولية لن يقبل أي منها بالخسارة. ويقول «الطرفان أصبحا أكثر اعتمادا على القوى الخارجية بالدرجة الأولى، من الناحية العسكرية والمالية والسياسية».
البروفسور جان باسكال زاندرز، وهو مستشار في مركز دراسات الأمن الأوروبي، أيد زميله في خلاصة ما قاله. هزّ برأسه بعدما استمع إلى انفعالات بعض النواب، وقال لهم «لسنا معجبين بـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، لكن هناك فرصة يجب اغتنامها». قال إنه يعرف الحرج الذي تسببه تفاصيل التسوية المفترضة، موضحا «الصحيح انها (مداولات نزع السلاح الكيميائي) توفر بعض الشرعية للأسد، ليكون طرفا في التفاوض، لكن يجب عدم التركيز على هذا الأمر»، وأضاف «يجب التركيز على فرصة الحل».
النائب الأوروبي لاندرس بيرغس كان من أكثر المعترضين على تلك التقديرات، وتحديدا حظوظ الأسد والأخذ بها. عضو لجنة الأمن والدفاع قال متحدثا لـنا إن الأمر برأيه «يشبه الآن كما لو أن المفاوضات مع هتلر، وكأن هناك من يقول لك إن هتلر يجب أن يكون جزءا من الحل، فهل هذا جيد؟!». الرجل يرى أن التدخل العسكري «خيار سيء جدا»، لكن برأيه هناك ما هو أسوأ «إذا بقي الأسد مسيطرا على الوضع، بالشراكة مع طهران وبغطاء من روسيا، وبالتالي يهيمنون على الشرق الأوسط».
لكن زميلته آنا غومس لم تر الأمر من زاوية هذه الأولوية. تقول، انه يجب ضمان «ألا يفلت من العدالة كل المسؤولين عن الجرائم، من الطرفين». أما الاولوية التي تراها فهي للعناية بمن يدفعون ثمن الصراع. وتقول «من يعانون هم الناس الموجودون بين طرفي الصراع، والناس الذين ثاروا ضد قمع نظام الأسد»، وتضيف «أعتقد ان في هذه المرحلة يجب جر الجميع إلى طاولة التفاوض».
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد