أولئك الأعراب
لا يمكن ان نكون ضد اليهود كيهود، وبينهم قامات شاهقة مثل باروخ سبينوزا الذي وقف في وجه العقل التلمودي ورفض محاولة الحاخامات ادارة الله، ومثل ناعوم تشومسكي الذي قال ان قادة اسرائيل انما يدفعون باليهود نحو التيه الآخر، اي تعريتهم اخلاقيا وفلسفيا وحتى عقائديا، وصولا الى البرت اينشتاين الذي اذ هزىء او رثى لحالة اولئك الحاخامات في اهتزازهم الكاريكاتوري امام حائط المبكى الذي زاره عام 1923، فقد رفض ان يكون اول رئيس لدولة اسرائيل بعدما سأل «ماذا فعلتم بالفلسطينيين؟»
نعلم ان اليهود ابرع من مارس لعبة المال منذ ان ظهروا على وجه الارض (كأحد تجليات يهوه كما يقولون). واذ بات معلوماً انهم هم من اخترعوا الربا، فكتب وليم شكسبير مسرحية «تاجر البندقية» حيث راح شبح شايلوك يطارد اليهود في اوروبا، لن نستعيد ما قاله ريتشارد فاغنر فيهم، حتى ان كارل ماركس الذي ربط بين الجدلية المادية والتاريخ، لاحظ ان المال وان كان حوذي الازمنة يتواطأ، بطريقة او بأخرى، ضد الانسان، داعيا اليهود الى عدم توريط الايديولوجيا، او التاريخ، في التبعية العمياء، او حتى التبعية الفلسفية، للمال..
واذ نشدد على التنديد بأي رؤية عنصرية، نسأل كيف يحل اليهود فقط على رأس مجلس الاحتياط الفديرالي (البنك المركزي الاميركي). آلان غرينسبان امضى سنوات طويلة في المنصب، قبل ان يشغله بول فولكر، ثم بن برنانكي وصولاً (اخيرا) الى جانيت ييلين التي هي من اب يهودي وام يهودية من بروكلين…
ماذا عن البنك الدولي الذي ترأسه احد خامات السياسة الاميركية بول ولفوويتز الذي شوهد في الجامع الازرق في اسطنبول بجوارب مثقوبة والذي، منذ ان كان مستشارا للتخطيط السياسي في البنتاغون عندما كان ديك تشيني وزيراً للدفاع، ينظر الى الشرق الاوسط على انه محظية اميركية يحظر على اي كان الاقتراب من ثرواتها المقدسة…
ومن ولفويتز الى جيمس ولفنسون وروبرت زوليك، دون غض النظر عن ذلك السيناريو الغامض الذي حمل اليهودي الفرنسي دومينيك ستراوس – كان الى منصب مدير صندوق النقد الدولي قبل ان يسقط بالضربة القاضية بساقي الخادمة الزنجية في نيويورك.
وحتى عقب زوال الاتحاد السوفياتي وانشاء بنك الانماء الاوروبي لاعمار دول اوروبا الشرقية، تم اختيار جاك آتالي لرئاسة مجلس ادارة المصرف قبل ان يسقط، وبراتبه الهائل، باغراء ثمن بطاقة سفر ويقصى، فضائحياً عن المنصب.
الذين يتحكمون بالارقام، وبتلك الحساسية الاستراتيجية البعيدة المدى، والذين هم مجرد ارقام. ارقام بائسة ومعلبة كما نظر ولفوويتز الى العرب، وفي دراسة شهيرة له حول الشرق الاوسط: فيما نبدو الآن، وفي ظل تحولات مثيرة يمكن ان تحدث في المشهدية الدولية والاقليمية، ارقاماً بلهاء في سوق الامم. إن شئتم… لعبة الامم.
حيال هذه البانوراما القبلية لا بد لنا ان نتساءل ألم يتنبه بعد اولئك العرب، او اولئك الاعراب، الى ان الربيع العربي الذي كان اكثر من ضروري للدخول في الزمن، والتخلص من انظمة ووجوه طالما علاها الصدأ، قد تحول الى حالة استخباراتية، شاركت فيها اجهزة شتى وعلى ذلك النحو العجيب، بات جلياً انها ترمي الى تحطيم سوريا ومصر والعراق، وهي الدول الاكثر ديناميكية في الخارطة العربية والاكثر قابلية للتفاعل مع الحداثة. وبالتالي تحطيم العالم العربي بأسره مادام كل نظام اما انه يختبىء وراء الاساطيل، او انه يختبىء وراء الازمنة.
سوريا هي النموذج الاكثر صخباً، والاكثر دموية، الآن، فهل الذي يحدث فوق ارضها هو انعكاس لهاجس ثوري يتوخى الحرية والعدالة ام انه مبرمج استخباراتيا، وبالدرجة الاولى من وكالة الاستخبارات المركزية التي على تنسيق عملاني مع اجهزة كثيرة في المنطقة، بدءاً من الاستخبارات التركية وانتهاء بالاستخبارات الاسرائيلية مرورا بالاستخبارات الاردنية وغيرها و غيرها. ودائما، ذاك المال العربي الغبي (بوصف برنارد لويس) الذي طالما استخدم، ومازال يستخدم، لاجتثاث …كل اثر للعرب.
مؤشرات كثيرة على ان المنطقة في صدد صفقة ماترسي قواعد جديدة للعبة، ودون ان يكون هناك اي دور للعرب في هذه العملية التي لا بد ان تتحكم بمفاصل، واعصاب، المنطقة لسنوات طويلة، لا بل ان بعض العرب ماض في تلك الخـطة الجهنمية لتقويض ما تبقى من سوريا، فالمهم( قبلياً) هو ازالة النظام هناك كما لو ان الاولوية الآن، وبعد كل ذاك الحــطام، وحيال كل ذلك الشــتات القـــادم الينا من قاع التاريخ، ومن قاع الايديـــولوجيا (ونحن نعيش تلك الوثنية الكبرى)، ليست انقاذ الدولة في سوريا لان سقوطها يعني، تلقائيا، سقوط المنطقة بين براثن الصفقة التي قد لا تعيدنا مائة عام بل ربما الف عام الى الوراء…
هوذا الصراع بين من يتولون، بالارقام، ادارة الكرة الارضية، وبالتالي ادارة الشرق الاوسط، وبين من نسوا حتى ملابسهم الداخلية في اروقة، ومقصورات الف ليلة وليلة!!
نبيه البرجي
إضافة تعليق جديد