عروض «صح النوم» لزياد الرحباني تبدأ الجمعة
بين التدريبات التي تجري في قاعة بييل التي ستتسع لستة آلاف وخمسمئة شخص لعرض مسرحية صح النوم إبتداء من مساء غد الجمعة ولثلاث ليال متتالية، وبين ما يجري في الشارع اللبناني، الُمهدد بالنزول إليه من مختلف الأطراف السياسية، مسافة كبيرة لا تحسب بالامتار. فالبون الفاصل بين الرؤية المسالمة للإصلاح والنقد السياسي الذي تقوله مسرحية الأخوين رحباني التي عرضت للمرة الاولى في العام ,1970 وأوقف العدوان الإسرائيلي إعادة عرضها في تموز الماضي وبين المشهد السياسي الفعلي اليوم للبلد، لا يشبهه في تناقضه إلا ما يفصل بين مسرح زياد الرحباني الإبن، وبين مسرح والديه. ما يعزز الاستنتاج بأن تلك الدرجة الرمزية من النقد للتركيبة اللبنانية، لم تساهم في أفضل الأحوال بأي إصلاح سياسي. وكأن المسرحية المستعادة، لم تكتف باجتياز مسافة 36 عاماً من التغييرات السياسية الحادة والخطرة بل كان عليها قطع مسافة إضافية، هي ما حصل بين تموز الماضي واليوم.
زياد الرحباني أيضاً، المشرف على العمل والذي كان يحقق باستعادته لصح النوم رغبة فيروز بالعودة ممثلة الى خشبة المسرح، طالته التغييرات أيضاً بين بعلبك وبييل. فهو يبدو نشيطاً، مستعيداً كامل عافيته وخصوصا مزاجه الرائق، غزير الإنتاج في جميع فروعه يؤلف اكثر من عمل، ويعزف مع فرقته المصغرة غران بري، ويكتب الموسيقى و..المقالة الصحافية، التي اعتبرها في هذا الحديث الذي اجرته معه السفير أمس، الأكثر تعبيراً اليوم عما يريد ان يقوله واعداً بالكتابة لجريدتين بدلا من واحدة والسفير بالأول طبعا. هذه الطاقة الإيجابية يعيدها زياد الى فترة العدوان الإسرائيلي. تحديداً، الى اللحظة التي احس فيها أن سير المعارك الدائرة رحاها بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة، يحسم لصالح لبنان.
بين المسرحية وما يحصل اليوم في البلد، هل تظن ان الديكور لا يزال مناسباً لإستعادة هذا النوع من المسرحيات بما هي مضمون؟
} ليس مناسباً، صحيح. لكن ليس الامر نابعاً من الرغبة بشغل مسرحية كهذه بأجواء مماثلة. وخاصة انها مسرحية غير مباشرة، لا تتحدث عن أي شيء يحصل حالياً في الوطن العزيز. الامر وما عليه، ما هي إلا رغبة منا بإنجاز التزام تجاه الناس الذين اشتروا بطاقات وكانوا يريدون ان يحضروا المسرحية التي توقفت بسبب الحرب الإسرائيلية، ورغبة من المنتجين، أي لجنة مهرجانات بعلبك. اعلم ان الجو غير مناسب: لا جو المؤدين ولا الممثلين ولا الحضور. اتصور ان الحضور لن يكون بوضع نموذجي لمن يذهب لحضور مسرحية. فاليوم وغداً سيكون معظم الناس مسمرين لسماع الأخبار.. لكننا، وبكل الحالات مستمرون. إلا إن نزلت شي كوبرا (طوافة عسكرية إسرائيلية) على سطح بييل (يضحك) مع أنه من الصعب ان تهبط هناك لأن سقفه مائل.
انتقلت المسرحية من الهواء الطلق بين هياكل بعلبك الضخمة بديكور متقشف، إلى مسرح مقفل، بديكور إضافي. ما هي التغييرات الاخرى التي حصلت؟
} ليس كثيراً، لأن بييل، يعني هذا الشادر المنصوب تحت، يشبه مستودعات المرافئ. اماكن مثل هذه ليست نموذجية للعروض. فالصوت فيها ليس من السهل تفسيره. أي مهندس صوت يتعذب كثيراً لأنها غير مصممة للعروض الفنية. فيها ذبذبات صوتية صعب تجليسها بشكل ينفهم الحوار او المغنى، والمغنى أسوا لأنه يكون مصحوباً بآلات.
.. هي مسرحية، ان شاء الله ان تعرض يوما على مسرح مقفل لتأخذ شكلها الحقيقي. لانها ليست مسرحية ضخمة، وعدد شخصياتها الرئيسية إذا لاحظت لا يتعدى الخمس. ولا اعرف لماذا تم اختيار خشبة بكبر بعلبك مع انه لو كان أصغر لكانت هناك فرصة في أن يشبه العرض الأصل لأنها عرضت في صالات مقفلة في البيكاديللي ومعرض دمشق الدولي.
بغض النظر عن حديث السفير الاخير في بعلبك، ظهورك الصحافي أصبح نادراً كفنان طبعاً..
} عموماً لا احاديث صحافية. يتصلون بنا فنشكرهم، ونعتذر. لأنه لا يتعين على الإنسان ان يقوم بالكثير من الاحاديث الصحافية. فكيف إذا توافرت لك ظروف صحافية تشجع على ان تبقي على اطباعك هذه؟ يعني الطريقة التي تحصل فيها تلك اللقاءات من الصعب أن يسألك فيها احد عن شيء لم يخطر ببالك، وأن يكون لديك شيء مسل للقارئ على الأقل إن لم يكن مفيداً.
تبدو بأحسن حالاتك وتعمل بطاقة كبيرة في فروع كثيرة، هل بسبب انك أجبرت على الراحة في فترة العدوان وأستطعت ان تخصص وقتاً لنفسك..
} كنا محمسين جداً للشغل ببعلبك، وجاء موسيقيون من أرمينيا سجلوا المسرحية من أولها إلى آخرها، وأعيد غناؤها من جديد، أي انه كان عملاً جديدا، وكنا كأي شخص انجز عملاً جديداً، يحب ان يرى وقعه على الجمهور. حصل أن العروض ألغيت بسبب 12 تموز. كنا وإياهم على الموعد نفسه. بخلاف ما يتهيأ لك، شخصياً لم اكن مصدوماً بمعنى ان كل هذا العذاب بالتحضير ذهب هدراً. بل بالنسبة لي، حصل شيء له معنى اكبر بكثير من إعادة مسرحية صح النوم. رغم ان العمل بالنسبة لفيروز يشكل أمنية رغبت كثيراً ومنذ زمن ان تحققها، وهي العمل على مسرحية وليس على حفلة غنائية. ولكن، بغض النظر عن المسرحية، حتى لو كانت ماكبيث، فإن ما أنجزته المقاومة هو أهم من مسرحية شكسبير، إلى أن يثبت التاريخ عكس ذلك. يعني المسرحية عمل فني بقي عبر التاريخ. بينما ما انجزته المقاومة هو تاريخ. ولدي شعور من سنين لا أستطيع ان أقدر عددها، لم أشعر بهذا الشعور من المعنويات العالية الذي اعطاني إياه هذا.. ماذا أسميه؟ ليس نصراً ولكن الصمود غير المتوقع المستوى عسكريا وتنظيميا لحزب يعتبر ليس جيشاً كاملاً لدولة. شهدنا نوعاً من الأحداث، تراتبيتها سياسياً وعسكرياً لا تشبه تاريخنا المعاصر بتاتاً: لا بدقة تنفيذ المقاومة، ولا بالتعاطي مع كل هذه المرحلة يوماً بيوم. ربما كان معهم حق بعض الناس ان يتهموا المقاومة انها غير لبنانية، وأنه ربما هذا شيء فارسي أو سوري. من الممكن أن تكون الخلطة انتجت اناساً لا يشبهون الامور التي تحصل بالمعنى اللبناني. طبعاً أنا أمزح، فليس هناك لا شيء فارسي ولا سوري بالموضوع، لكن أقصد تأكيداً على من يتهمون حزب الله وجمهوره. فعلاً لأننا غير معتادين على الدقة أو الصدق او النظافة بالتعامل مع الناس خصوصاً في المناطق التي كانت الاشتباكات والمعارك تدور فيها. هناك كمية أخبار رويت بالصحافة وغطيتموها عما حصل على أرض الجنوب، فعلاً لا تندرج بين الصفات اللبنانية بامتياز: من الشطارة للزعبرة.. يكفي أنه لم يكن هناك خرق من قبل إسرائيل للمقاومة. اتصور ان عدم التمكن من خرق المقاومة كان من أسباب صمودها.
لذلك حرصت على حضور مهرجان الانتصار الذي أقامه حزب الله؟
} أكيد. أقل شيء أن تحضري. احسست انه كانت هناك مجموعة من الناس تعمل عكس مفهوم الشطارة. ببساطة بشكل أرقى، لأنه ببساطة حاطط روحه على كفه.
ألا يزعجك الالتزام الديني للمقاومة؟ بمعنى أنك معروف أيديولوجياً مع الحزب الشيوعي؟
} هناك نظرية الغاية تبرر الوسيلة؟ أنا ميّال إلى وجوب أن تكوني تاريخيا مع شي. الغاية اكيد تبرر الوسيلة. بمعنى لو كان جندي إسرائيلي واقفاً على نقطة معينة قد يؤذي كذا إنسان، والجندي، تاريخياً معتد. يعني لن افكر انه لا يحق لي أن أقتل هذا العسكري! فقتله أكيد وسيلة لإنقاذ أرضك وأهلك المعتدى عليهم. تصوري ان تفكري ساعتها بالغاية والوسيلة. هذا مثل على سياسة عامة.. القصف على المستعمرات كان ضروريا. لماذا نحن من يتعرض دوماً للقصف وللتحليق الدائم للطيران الإسرائيلي وخطف المدنيين اللبنانيين؟ إخضاع متواصل لنا لمزاج إسرائيل..
لا مشكلة لديك ان تخسر جزءا من جمهورك بسبب موقفك السياسي الواضح؟
} إطلاقا. لأنه لو كان هناك جمهور مع إسرائيل، ووصل إلى حد التمني ان لا تبقي إسرائيل على أحد، ليس فقط من حزب الله، بل من طائفة كاملة بأمها وأبيها، هذا جمهور لا نريده. هل الهدف هو تجميع أكبر جمهور؟ لا. ليس هدفي أنه إذا كان لدي مئة ألف شخص يستمعون إلى أعمالي، أن يصبحوا مليونا. وإذا كان من بينهم تسعمئة ألف يذبحون على الهوية؟.
لكن هذا النوع من سوء التفاهم مستحب عند بعض الفنانين حيث يحرصون على عدم توضيحه خوفا من فقدان الجمهور.
} أكيد هناك شيء لم يفهموه في أعمالي. او انهم اختاروا عملا زابط معهم حيث ان تفسيره مزدوج... مثل الأعمال المرشوشة بالسوق على طريقة اللصق والقص. هذا أيضاً اردت أن اوضحه لك. يعني لا شك أن هذا غيض من فيض. هناك قصص معمولة مثلاً بصوت الأمين العام لحزب الله، يرد فيها على وليد جنبلاط بجمل مقتطعة من أعمال لي.. السوق ملآن، منذ الاجتياح الأخير، وطبعاً لا دخل لنا فيها إطلاقاً.
على طريقة الرسالة المزعومة التي وجهت إلى سعد الحريري وقمت بتكذيبها وقتها؟
} إيه. هناك شريط مثلاً يوزع في الضاحية، تسمعين فيه نصر الله متكلماً ويرد عليه مثلاً شخصية إسمها.. رشيد، التي كانت بمسرحية فيلم أميركي طويل! عملية مونتاج وقصقصة وتلزيق. يرد عليه بجمل تظهر نوعاً من الاستخفاف! الأول يريد أن يحرر وأن يصمد ويجيبه رشيد المزور بما معناه شو بدك بهالشغلة!. وهم الآن يروجونها على سي دي ليوفروها بكل الأشكال. وواحد آخر (شريط) عن (وليد) جنبلاط كذلك، مأخوذ من جمل مركبة من مسرحيات ومن حلقات إذاعية! هناك كليب معمول على ما اظن بسوريا، إسمه يا عيب الشوم عليك لمغن اسمه وسيم الشعار وألحان خالد حيدر ومسجل في استوديو ميوزيك بوكس أنترناشونال، يبدأ بمقدمة لأغنية بصوتي هي مربى الدلال. بالطبع لا علاقة لي به، ولكن من المؤكد ان عدد من يدخلون الأنترنت ويستمعون الى قصص من هذا النوع ويرسلونها لبعضهم أكبر من عدد الذين سيقرأون التكذيب في الصحف.
وما العمل؟ ما الحل؟
} العمل هو العمل الدؤوب اليومي، نوع من التمرين الذهني والجسدي الذي يشبه اليوغا نوعاً ما، لزيادة الطاقة على التحمل. لأن الحلول.. انسي. كلها مشتقة من مية التوتيا. نعم. تعلمين انك عندما تنقعين شيئاً بمياه التوتيا، يحلّ! كما قلنا في فيلم اميركي طويل انه يجب أن تنقعها بمياه التوتيا لأسبوع، وما يتبقى بعد ذلك سيكون نواة لمجتمع صالح، وجديد، و.. حالل.
وبانتظار ذلك العرض مستمر في بييل مساء غد مهما حصل؟
} طبعاً في حدود تأمين وصول الناس إلى بييل. طالما أنه لن يكون هناك خط نار مباشر على محور بييل، سنعرض المسرحية لنخلص منها، وليس لأنها تحمل رسالة الى طاولة الحوار أو الحمار.. (يضحك) لا تحمل أي رسالة لكل المتحاورين، إطلاقاً. أصلاً هؤلاء لم يعد ينفع معهم الرسائل. فلنر الناس، من هم خلفهم يعني، ماذا سيفعلون معهم. لكن، يجب أن تحصل لنخلص منها، ومن كان ذاهباً لحضور عمل للاخوين رحباني لم يكن قد حضره، لا بأس أن يحضره. سوف نجرب ان يكون هناك شخص في الكواليس ليرصد الأخبار وبالاستراحة يعطي نشرة شو صار برة. خصوصاً ان الكثيرين معهم هاتف خلوي، وطبعاً ممنوع استعماله واستعمال كل زوائده، لأنه من الممكن أن يصوّر الحفلة كلها! فأي هاتف يتعدى تصوير صاحبه لنفسه (يضحك) وهو يحضر الحفل، او كيف بتطلع معنا فيروز من بعيد، إذا لوحظ هذا الهاتف اوأي فيديو او كاميرا، سيتم تكسيره وليس احتجازه. وليبقوا السلاح الفردي (يضحك) في السيارة للدفاع عن النفس عندما يعودون إلى بيوتهم. وأي اشتباك قد يحصل بين الثامن من آذار و14 آذار يفضل ان يكون في محيط بييل وليس داخل الهنغار، ليستطيعوا أن يسمعوا المسرحية.
لكن المسرحية التي يجب ان تقوم بها اليوم مكتوبة، ولم تقدمها، فما المانع ان تكون بعد صح النوم؟
} هناك مسرحية مكتوبة، صحيح، ولكن أبداً ليس هناك اولوية لعرض مسرحية كهذه الآن. الأولوية هي في وضع البلد ككل. لذلك أرى اليوم أن الشغل بصحيفة أهمّ من كذا ناحية: احس انني اعبر عن شيء طاغ على تفكيري. الذي هو الوضع، أي حياتك اليومية. وليس الأمر كأنني احب التعاطي بالسياسة! بل هي حياتك اليومية التي طغى عليها الوضع السياسي.
لكن ألا يفرغ التعبير الفوري والصحافي احياناً شحنات من الممكن أن تتحول بالتراكم الى تعبير فني؟
} صحيح. لكنه لم يعد فورياً، لأن التراكم موجود منذ سنوات. هناك خط جديد أخذه البلد منذ مقتل الرئيس الحريري. كسيارة ماشية بطريق فاتت بزاروب جديد. إذا ظلت الحالة هيك؟ ساكتب بجريدتين. (يضحك)
ضحى شمس
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد