أزمة في العلاقات الإسرائيلية ــ الألمانية
تلقي سياسة الاستيطان، التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية، بظلال ثقيلة على علاقات تل أبيب بـ«أصدقائها» التقليديين في أوروبا، وعلى رأسهم ألمانيا، التي هددت بسحب دعمها التاريخي والاستثنائي لإسرائيل، واقتصارها فقط على «المصالح» لا غير.
وفي تزامن مع زيارة وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير (اشتراكي ديموقراطي)، لإسرائيل، كشفت صحيفة «معاريف» عن «فقدان آخر صديق داعم في أوروبا»، وهي الدولة الألمانية برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل، وعدد من مساعديها ومستشاريها.
وأشارت الصحيفة إلى «وجود حالة من التآكل المتواصل للعلاقات الطيبة التاريخية مع برلين، وأن مراكز ألمانية مسؤولة، تقود توجهاً يهدف إلى إلغاء العلاقات الخاصة بين الجانبين، والعمل على «تأسيس علاقات مصالح، شبيهة بعلاقات أي دولتين بلا أي أفضلية»، لافتة الى أن «هذا التوجه يقوده مساعد المستشارة الألمانية لشؤون الأمن القومي، كريستوف هويسغان».
ورأت «معاريف» أن هذا التوجه يعكس مزاجاً متعاظماً لدى الرأي العام الألماني، وهو بقدر كاف من الوضوح كي تدرك تل أبيب أنها «باتت وحيدة في أوروبا».
أما لجهة الأسباب، فتشير الصحيفة الى أن الرأي العام الألماني، كما الأوروبي، معادٍ لسياسة الاستيطان، وبالتالي لم يعد بإمكان تل أبيب بعد الآن، أن تعتمد على برلين في الأزمات التي تواجهها، لافتة الى أن باقي الأصدقاء في أوروبا، كما ألمانيا، فقدتهم إسرائيل بالفعل، وهو ما اتضح خلال نقاش داخلي تم في مؤتمر للسفراء الإسرائيليين، في الأسبوع الماضي.
وأضافت «معاريف» إن علاقات إسرائيل الدبلوماسية مع الدول الأوروبية، تشهد تراجعاً تدريجياً، لمسته الدولة العبرية بشكل واضح، عندما امتنعت برلين عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما يتعلق بإعطاء فلسطين مكانة دولة مراقبة في المؤسسة الدولية، علماً بأن ألمانيا هي الصديق الأقوى لإسرائيل في القارة العجوز، و«يأتي ذلك رغم أن الدولة العبرية اتفقت مع ألمانيا على معارضة القرار، كما أنها توقعت من برلين أن تقنع عواصم الدول الأخرى بالامتناع عن التصويت، الأمر الذي لم يحدث».
وبحسب الصحيفة، فإن «المسألة برمّتها تنبع من الضعف السياسي لوزير الخارجية الألماني آنذاك، غيدو فيسترفيله، أمام هويسغان الذي كان يرى بأن على ألمانيا أن تدعم رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة».
وأكدت الصحيفة وجود حالة تردّ في العلاقات والثقة بين المستشارة الألمانية، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مشيرة الى أن «برلين لا تجد في نتنياهو أي صدقية من حديثه عن حل الدولتين، كما أنها غير مقتنعة بأنه تحرر من إرث أبيه، بالنسبة إلى أرض إسرائيل الكاملة».
وبحسب الصحيفة، فإن العلاقة بين ميركل ونتنياهو تشهد تذبذباً متواصلاً، رغم حديث المستشارة عن ضمان أمن إسرائيل، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من برنامج الائتلاف الحكومي برئاستها.
و«في إسرائيل، يقدرون بأن ما كان لن يكون، وأن مستوى الدعم الذي اعتادته إسرائيل من ألمانيا انتهى بلا رجعة، وهناك شعور سائد يتعاظم يوماً بعد يوم، بأن الألمان يربطون بين الاستيطان والتقدم في العملية السياسية مع الفلسطينيين، وبين دعمهم لإسرائيل في المحافل الدولية، والمساعدة الأمنية الوثيقة والحيوية لها».
إلى ذلك، أثار الإعلان الإسرائيلي، أول من أمس، عن بناء 1400 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية وشرق القدس، أصواتاً شاجبة ومستنكرة ومحذرة من تداعيات الخطوة على المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين، رغم تأكيد أوساط في الحكومة الإسرائيلية أن المخطط الاستيطاني ليس جديداً، بل يتزامن مع إطلاق الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين، وجرى تأخير الإعلان عنه لتجنب الإضرار بالزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لإسرائيل.
وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الى أن القرار الاستيطاني أثار «عاصفة سياسية صغرى»، إذ أعلن وزير المالية، رئيس حزب «يوجد مستقبل»، يائير لابيد، أن «هذه ليست عطاءات بناء، بل بناء فارغ من المضمون، وهو لا يساعد في شيء، بل يعرقل فقط المسيرة السياسية، ويظهر إسرائيل كجهة تصعب على المفاوضات»، محذّراً من أن «عدم التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، سيتسبب بفقدان عطف العالم للدولة العبرية، لأن العالم يفقد صبره تجاهنا في كل المجالات».
أما وزير حماية البيئة، عامير بيرتس، من حزب «الحركة»، فهاجم بدوره القرار الاستيطاني، وأكد أن «الاستيطان الذي يعلن عنه في كل صباح وفي كل مساء، هو استيطان بلا جدوى وبلا منفعة، وهو خطير على المسيرة السياسية وعلى علاقاتنا مع الولايات المتحدة وعلى علاقتنا بالأسرة الدولية».
بدورها، رئيسة حزب ميرتس، زهافا غلئون، هاجمت القرار ورأت أنهم «في إسرائيل يتوجهون الى المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، لكنهم في الوقت نفسه يعمدون الى الاستيطان لإحباط المسيرة السياسية، وهي خطوة تعدّ عبوات ناسفة للمفاوضات» مع الفلسطينيين.
يحيى دبوق
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد