أوروبا وخطر عودة «الجهاديين» من سوريا:توجيهات لمواجهتهم ورهان على النفس الطويل
يتخذ الأوروبيون إجراءات متزايدة لمواجهة ما يعتبرونه خطر «الجهاديين» الذين يقاتلون في سوريا، لكن لا شيء يدل على أنهم يريدون عودتهم بأية حال.
الأفضل ألا يعودوا. هذا ما تشير إليه الإجراءات القانونية المستعدة لاعتقالهم ومحاكمتهم بمجرد إيابهم، ومن بين الدول الأوروبية من قرر وقف تعويضاتهم الاجتماعية. لكن المفوضية الأوروبية تعلن أنّ عملية مواجهة التطرف بحاجة لنفس طويل، وها هي تصدر حزمة توجيهات إطارية في هذا السياق.
ومما تنصح به هذه الحزمة تنظيم حرب دعائية مضادة تواجه الأفكار والسرديات المتطرفة، وتأمين شبكة دعم لمن يريدون الخروج من دوامة التطرف وأيديولوجياته. وفي هذا الإطار، ستنظم قريباً مؤتمراً دولياً حول «المقاتلين الأجانب» في سوريا، يجمع صناع القرار والخبراء.
ولا يعرف الأوروبيون ماذا يفعلون بالضبط لتطويق ظاهرة التطرف المتنامي، يمينا ويسارا، ومن ضمنه «الجهاديون» في سوريا.
تتعجب سيسيليا مالمستروم، وهي المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، من تقاعس الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقالت، أمس الأول، خلال إعلانها عن حزمة التوجيهات، إنه «ليس من دولة بمنأى عن آفة التطرف العنيف، لكن حتى الآن لا يزال عدد قليل جدا من دول الاتحاد يرفعون مواجهتهم لهذا التهديد المتزايد».
وتقترح المفوضية إنشاء مركز أوروبي لنشر المعرفة ضد التطرف، وتمويل مبادرات وبرامج للتوعية والوقاية، رصدت لها مبلغ 20 مليون يورو. سيدعم هذا المركز صناع القرار وسينشر أفضل الممارسات في هذا الإطار، بالتنسيق مع الخبراء والباحثين المتخصصين وممثلين عن القطاعات ذات الصلة بالقضية.
وتضع التوجيهات خطوطاً عريضة لحرب مضادة لتلك التي ينتهجها دعاة التطرف وشبكات التجنيد. وأوضحت أن سهولة الوصول إلى محتوى الدعاية المتطرفة على شبكات الانترنت، يحتم مواجهتها بأساليب تتخطى حجب المحتوى وإزالته. لذا، تطالب بأن تشمل استراتيجية المواجهة «تطوير رسائل مضادة لهدم سرديات التطرف».
سيلعب المجتمع الأهلي دوراً مركزياً في هذا السياق، والمقصود ضحايا التطرف والمتطرفين السابقين الذين «يمكنهم حمل رسالة قوية» لمواجهة الظاهرة. وتلفت المفوضية إلى ضرورة إشراك «اللاعبين الرئيسيين في هذه الصناعة»، والمقصود من يزود مواقع الانترنت وشركات الإعلان، عبر منتدى يوثق التعاون ويدعم «إنتاج ونشر السرديات المضادة» للتطرف.
وفي سياق تأكيدها أهمية الحرب الدعائية المضادة، تشدد المفوضية على أهمية أصوات ضحايا التطرف لكونها «أداة قوية لاجتثاث التطرف والوقاية منه». وهنا تلفت إلى مسألة توفير الدعم والأمان اللازمين لهم كي يقبلوا الانخراط في هذا المسعى، ومشاركة قصصهم.
لكن هذا المسعى يصطدم بواقع يعمل في الاتجاه المعاكس. فالدول الأوروبية الأكثر تعرضاً لظاهرة «الجهاديين» تعمل على إفهامهم أن طريقهم إلى سوريا هي في اتجاه واحد. وتقوم هذه الدول، وتحديدا فرنسا وبلجيكا، بتكييف قوانينها ليمكن اعتقال «الجهاديين» حال عودتهم، وتحويلهم إلى القضاء.
إضافة لذلك، تحرم بلجيكا كل من يثبت ذهابه للقتال من المساعدات والتعويضات الاجتماعية، بما في ذلك رواتب البطالة. وتجد «دائرة مكافحة الإرهاب» أنّ هذا الإجراء «طبيعي»، وكان مسؤول فيها أشار سابقاً إلى أنه «من غير المنطقي أن يموّل دافعو الضرائب من يريد الذهاب للجهاد».
من جهة أخرى، تعمل هذه الإجراءات على إغلاق طريق عودة هؤلاء، فهي تلوّح لهم بالعقاب أكثر مما تساعدهم بتعهد المساعدة وإعادة الاندماج. ومن كثرة حديث المسؤولين الأوروبيين عن خطر عودة «الجهاديين»، يبدو مفهوماً أنهم سيوفرون كثيرا إذا بقوا وواجهوا مصيرهم حيث يقاتلون. من هنا يبدو مفهوماً الانتقاد المبطن لخبراء المفوضية، ودعوتهم الدول الأوروبية لتوفير شبكات أمان اجتماعي لمن يريد «التوبة».
قسم كبير من توجيهات المفوضية يأتي استجابة لتوصيات المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف، التي قدمها في شهر حزيران العام 2013، وركز فيها على ظاهرة «الجهاديين» الأوروبيين في سوريا.
وقالت المفوضة الأوروبية مالمستروم إنّ الأعداد وصلت إلى حوالي 1200. لكنها أقرت بأن التقديرات ربما تكون أكبر بكثير، مذكرة بحديث الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، يومالثلاثاء الماضي، عن حوالي 700 شخص غادروا فرنسا للقتال في سوريا. بلجيكا بدورها أعلنت مقتل 20 من مواطنيها على الأقل في سوريا.
ولم تجب المسؤولة الأوروبية عن سؤال حول وجود اتصالات بين الاستخبارات الأوروبية والسلطات السورية لمواجهة الظاهرة، لكنها أقرت بأنه من الطبيعي أن يكون لأجهزة الاستخبارات «اتصالاتها مع الأطراف المعنية، لكني لا أعلق على هذه المسألة».
العمل على مكافحة التطرف لم يبدأ الآن. فالأوروبيون أسسوا في شهر أيلول العام 2011 «شبكة التوعية ضد التطرف»، ويعمل فيها 700 خبير ومتخصص. وستقوم الشبكة برعاية مؤتمر دولي حول «المقاتلين الأجانب» في سوريا، ومن المقرر عقده في الأشهر الأولى من العام الحالي. سيجمع المؤتمر صناع القرار، وممثلين عن جميع القطاعات ذات الصلة بالقضية، كي يمكن تجنب مزيد من تدفق «الجهاديين»، ولإنضاج آلية للتعامل مع العائدين والتهديد الذي يحملونه. وتحدثت المفوضة الأوروبية عن هذا التهديد سواء المباشر، لجهة إمكانية استثمار الخبرة القتالية للقيام بأعمال إرهابية، أو الخطر «الكامن» لمن يحملون أيديولوجيا الجهاد مثل «فيروس» يمكن أن ينشط في أي وقت.
والأوروبيون مطالبون أيضا بتكثيف تعاونهم مع دول الجوار لتطويق ورصد ظاهرة «الجهاديين». ومما سبق أن اقترحه منسق مكافحة الإرهاب، وأعادت المفوضية إدراجه في توصياتها، إقامة مشاريع وتبادل الخبرات والتدريب مع مركز «الهداية»، أي «المركز الدولي المتميز لمكافحة التطرف العنيف»، في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.
التوجيهات الجديدة جاءت في تقرير مطوّل من 12 صفحة، لكنها لا تشمل كل ما ينتظره منسق مكافحة الإرهاب. إذ سبق وطلب بتطوير إجراءات قانونية تسهل تحديداً التعامل قضائياً مع «الجهاديين»، والاستفادة أكثر من عمل وكالات الشرطة والحدود الأوروبية، إضافة إلى تمرير قانون أوروبي يسهل تبادل المعطيات دولياً حول بيانات المسافرين. لكن هذه الإجراءات لا تزال عالقة لدى المشرعين الأوروبيين، ولديهم تحفظات على تعاون كهذا، خصوصاً مع واشنطن بعد كشف فضائح التجسس. لتجاوز هذه المشكلة تشكلت العام الماضي منصة دولية تضم عشر دول أوروبية، إضافة للولايات المتحدة وأستراليا وكندا. هذه المجموعة تواصل تعاونها واجتماعاتها، وتسعى لتوسيع إطار الدول المشاركة فيها باتجاه دول الجوار السوري.
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد