جنيف 2: الحيلة الأورويلية الأمريكية
الجمل- آجامو بركة- ترجمة: د. مالك سلمان:
من الصعب أن نطلق على التجمع الذي حصل هذا الأسبوع في مونترو/سويسرا اسمَ "مؤتمر سلام" حول سوريا, بما أن الولايات المتحدة وحلفاءها مصممون على تغيير النظام بقوة السلاح. شكلت واشنطن "تحالفاً مدنساً مع حلفائها الوهابيين في السعودية وقطر" الذين يلعبون دور "البوط العسكري الأمريكي على الأرض".
هناك شيء واحد من المؤكد أن ما يسمى مؤتمر السلام حول سوريا سيحققه وهو أنه مع انتهاء الخطاب الأخير ومغادرة الوفود القاعة, سوف يستمر سفك الدماء العبثي والدمار بالنسبة إلى الشعب السوري. لماذا؟ لأنه بالنسبة إلى إدارة أوباما, لم يكن من المقرر للعملية الدبلوماسية أن تفضي إلى حل سلمي للحرب. فقد كان الهدف منها, طيلة الوقت, تحقيق هدفها الإستراتيجي الرئيسي: إزاحة الرئيس بشار الأسد من السلطة وزوال سوريا بصفتها دولة مستقلة.
لا يزال الإخلاص لهذا الهدف يوجه السياسة الأمريكية. ولايأبه صناع الإستراتيجية الأمريكية بحقيقة أنهم, من خلال جهودهم الحثيثة للإطاحة بالرئيس السوري, قد خلقوا تحالفاً مدنساً بين الولايات المتحدة وحلفائها الوهابيين من السعودية والقاعدة الذين يمثلون "أبواطهم العسكرية على الأرض". وهو تحالف يضمن, في حال سقوط حكومة الأسد, أن يرزحَ السوريون تحت الحكم الوهابي الشمولي الأصولي أو أن يروا بلادَهم تتلاشى كدولة متماسكة وتتفتت إلى فصائلَ متحاربة.
لكن إذا جمعنا بين البلاغة الأمريكية التي تعبر عن حرصها على الديمقراطية والتعددية والحقوق الإنسانية للشعب السوري والقرارات الأمريكية الفعلية, فإننا نرى تجلياً درامياً للنفاق الذي يميز السياسات الأمريكية. كانت إدارة أوباما تفهم جيداً حجمَ المعاناة الإنسانية التي ستولدها في سوريا من خلال تسليح المعارضة وتمويلها وتدريبها وتقديم الدعم السياسي لها – المعارضة التي نقلتها من حركة احتجاج سلمية إلى تمرد عنيف, كجزء من خطتها الجيو-استراتيجية الأكبر للمنطقة.
ولهذا فإن الالتزامَ بتغيير النظام, بدلاً من السلام المبني على الوقائع السورية وحاجات الشعب السوري, هو ثمن الدخول إلى مؤتمر هذا الأسبوع في مونترو/سويسرا. إنه مؤتمر تتطلب الدقة أن نسميه "مؤتمر حرب" وليس "مؤتمر سلم" نتيجة إصرار وزير الخارجية الأمريكية كيري على حصر الأجندة بشروط "بيان جنيف 1" الذي يدعو إلى انتقال سياسي في سوريا.
"الائتلاف الوطني السوري" مجرد سراب. إذ لم يعد لجيشه "السوري الحر" أي وجود فعال, كما أن المقاتلين الأكثر تأثيراً هم من الجهاديين المرتبطين بالقاعدة والمسلحين من قبل الولايات المتحدة والحكومة السعودية. إنهم الآن أصحاب القوة الفعلية على الأرض.
بالنسبة إلى هؤلاء المقاتلين, لا يعدو "جنيف 2" كونه استعراضاً هزيلاً لا يؤثر عليهم بأي شكل من الأشكال, كما أنهم رفضوا "الائتلاف الوطني السوري" المدعوم من الغرب. إذاً, من يمثل "الائتلاف الوطني السوري", مع انتقال معظم المقاتلين إلى القاعدة والمجموعات المتمردة الإسلاموية التي يزيد عددها عن 1000, والتي تحتوي في صفوفها أكثر من 100,000 مقاتلاً متحدين في إقامة دولة ما بعد الأسد يحكم فيها قانون الشريعة الإسلامية كافة المناطق السورية؟
ومع ذلك فقد أعاد كيري التأكيد, في 16 كانون الثاني/يناير, على الموقف الأمريكي من "جنيف 2": "إنه يهدف إلى تأسيس عملية ضرورية لتشكيل حكومة انتقالية – هيئة حاكمة – تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة تتأسس على الموافقة المشتركة", كما قال للمراسلين الصحفيين.
موافقة من؟ من يتسلم السلطة, وهل ستمثل الحكومة الجديدة التطلعات نحو الديمقراطية, والحريات المدنية, واحترام التباينات الدينية والمجتمعية التي وعدت بها الثورة, أم أن مستقبل سوريا قد كتب سلفاً من التجربة الليبية؟
هناك الآن أصوات داخل الإدارة الأمريكية وخارجها تقول إن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن "الائتلاف الوطني السوري" وتعمل, بدلاً من ذلك, مع الأصوليين السلفيين-الوهابيين الذين اتحدوا تحت مظلة "الجبهة الإسلامية" والذين يتم تقديمهم الآن بصفتهم البديل "المعتدل" عن تطرف القاعدة. لكن الشعب السوري, الذي يتمتع بتاريخ من العلمانية واحترام الأديان المختلفة, لم يوافقوا على مجتمع وحكومة ما بعد الأسد تحكمهما مجموعة عبرت عن معارضتها العلنية للديمقراطية وعن نيتها في إقامة دولة إسلامية يحكمها قانون الشريعة.
ولكن من يهتم بما يريده الشعب السوري؟ لا يبدو أن الولايات المتحدة قلقة من أن دعم الأصولية السلفية-الوهابية يناقض تماماً التبريرَ الذي قدمته لدعم "الثورة" ضد الأسد. لا يهم ذلك أبداً لأن مصالح الشعب السوري, في نهاية المطاف, لا تعني شيئاً بالنسبة إلى صناع السياسة أولئك الذين يضعون المصالحَ الإمبريالية الأمريكية فوق كل الاعتبارات الأخرى.
في سلسلة الجرائم التي ارتكبتها الإمبريالية الأمريكية والغربية, بدأ هذا التدمير البطيء والمنهجي للدولة السورية – بما في ذلك زهق عشرات آلاف الأرواح – يتجلى بصفته أحد جرائمها الكبرى. ويمكن تصنيفها مع القصف المكثف الشامل لشمال فيتنام في سنة 1972 والملايين الذين تم قتلهم في العراق أثناء فترة العقوبات والهجوم العسكري الشامل.
في هذه الحقبة التي تلبس فيها الحرب لبوسَ السلام وتشن الحروب "لأهداف إنسانية", من الصعب على الكثيرين الوصول إلى الحقيقة. لكن هناك شيئاً مؤكداً: إن الكارثة الإنسانية في سوريا, التي كان يخطط لها لأن تقدم التبريرَ لتدخل الولايات المتحدة وحلفائها, سوف تستمر في المستقبل المنظور.
http://www.globalresearch.ca/geneva-ii-us-orwellian-subterfuge-al-qaeda-acts-as-americas-boots-on-the-ground-in-syria/5366145
تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 24 كانون الثاني/يناير 2014)
الجمل
التعليقات
الانسانية هي فك الحصار الغربي عن سوريا وليس فك حصار المسلحين
إضافة تعليق جديد