السباق يحتدم على «كعكة الشمال» السوري
دخل المشهد السوري خلال الأيام الماضية مرحلةً فريدةً من نوعها منذ استعار الحرب في البلاد. العنوانُ العريض لهذه المرحلة هو «ارتياح جميع الأطراف»! وخلافاً لما قد يتبادرُ إلى الذهن للوهلة الأولى، فإنّ هذا «الارتياح الجماعي» لا يعدو كونه في واقع الأمر أشبهَ بـ«عتبة» على مشارف فصلٍ غير مسبوق من الجنون الميداني. الشّمال هو البوصلة التي تستقطبُ كل القوى الفاعلة على اختلاف مشاربها: محليّة، إقليميّة، ودوليّة.
وتميل بعض القراءات إلى توصيف ما يشهده الشمال السوري على أنّه سباقٌ بين محورين، تتربّع على رأس أحدهما الولايات المتحدة ويضمّ عدداً من الدول الغربيّة، إضافة إلى المثلث الإقليمي الداعم للمجموعات المسلّحة: تركيّا، قطر، السعوديّة، وبطبيعة الحال المجموعات المسلّحة «المُعارضة».
فيما تتربّع روسيا على رأس المحور الثاني الذي يضم أيضاً إيران، وحزب الله، والجيش السوري والقوات الرديفة له، لكن هذا التصنيف يبدو أشبه بمجرد نظرة تبسيطية عابرة على خريطة القوى، فيما يكشف الخوض في التفاصيل حجم التعقيد غير المسبوق الذي تعيشُه معظم مناطق الشمال.
وعلى سبيل المثال، فإنّ الأجندتين الأميركيّة والتركيّة تتقاطعان في بعض النقاط، لكنّهما تختلفان في نقاط كثيرة أخرى إلى درجة تصل حد التناقض التام (في ما يخص الملف الكردي مثلاً). الأمر الذي ينطبق على الأجندتين التركية والسعوديّة (وأبرز عناوين الاختلاف بينهما جماعة الإخوان المسلمين)، والسعودية والأميركيّة، والسعودية والقطريّة... إلخ. ورغم أنّ الحال في المعسكر المقابل يبدو أكثر انسجاماً، لكنّ التباينات تبقى حاضرةً في بعض التفاصيل التي تتعلّق بالأكراد مثلاً، أو حتى بالعلاقات مع دول المحور المقابل (الخلاف الروسي التركي الحاد مثلاً لا يقابله حتى الآن خلاف مماثل بين تركيا وإيران، وينطبق الأمر على العداء بين الأخيرة وكل من السعودية وإسرائيل، في مقابل علاقات «ودودة» بين روسيا وإسرائيل، وقابلة للأخذ والرد بينها وبين السعوديّة). ومن نافلة القول إنّ لكل تفصيل من التفاصيل الواردة أعلاه رصيدا معيّنا صالحا للصرف في الملف السوري. أحدث الأمثلة في هذا السياق كانت مسارعة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أمس إلى التناغم مع التوجهات الأميركية في دعم وتسويق الأكراد، وهو أمرٌ يثيرُ حفيظة الأتراك بطبيعة الحال.
لافروف، الذي قال في تصريحات صحافية عقب لقائه نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في بلغراد، إنّ «لهجة الأتراك لم تتغيّر»، كشف في الوقت نفسه عن اتفاقه ونظيره الأميركي جون كيري حول «ضرورة إغلاق الحدود بين سوريا وتركيا»، مع الإشارة إلى «تفهم لوجود دور للأكراد في مسألة إغلاق الحدود». اللافت أنّ تصاعد الأسهم السياسية للأكراد يأتي فيما معظم اللاعبين المذكورين، علاوةً على آخرين (مثل فرنسا، وبريطانيا، وتنظيم «داعش») باتوا يتعاملون بشكلٍ شبه معلن مع الشمال السوري على أنّه «الكعكة» التي يسعى كل طرف إلى حجز حصّته فيها.
وتمتد هذه «الكعكة» من عين ديوار في أقصى الشمال الشرقي، إلى ريف اللاذقية الشمالي (شمال غرب سوريا)، لتشمل مناطق متوزعةً على خمس محافظات سورية: الحسكة، الرقّة، حلب، إدلب، واللاذقيّة. ولم يعد الأمر مقتصراً على التخطيط و«التكتيكات» البعيدة المدى، بل وصل مرحلة الحشد والتمهيد الميدانيين، مع ملامح تشي باستعداد بعض الأطراف إلى الانخراط البرّي المباشر في حرب الشمال.
ضمن هذا السياق يكتسب دخول بريطانيا أخيراً على خط العمليات العسكريّة الجويّة في الشمال أهميّة خاصة، شأنه في ذلك شأن التصريحات الأميركية المستجدّة حول «منطقة مغلقة» في الشمال السوري، التي تزامنت مع المعلومات المتداولة عن وصول «قوّات أميركيّة خاصة إلى عين العرب (كوباني) في إطار التعاون المشترك بين وحدات حماية الشعب والولايات المتحدة». ورغم النفي الذي نقلتهُ مصادر إعلاميّة كُرديّة عن «القائد العام لوحدات حماية الشعب في كوباني» لهذه الأنباء، غيرَ أن مصادر كرديّة أكّدت وجود «نشاطٍ من هذا النوع» من دون الخوض في تفاصيل إضافيّة. المصادر الكرديّة عينها أوضحت أنّ «تقييماً مشتركاً (كرديّا أميركيّا) لوضع خطوط التماس الكرديّة مع داعش قد خلصَ إلى أنّ الوضع ممتاز، مع الحاجة إلى تعزيز القدرات الاقتحاميّة لنخبٍ من المقاتلين الأكراد قد تُسند إليها تنفيذ عملياتٍ خاصّة مُحدّدة في المرحلة المقبلة».
الّلافتُ، أنّ مصدراً أمنيّاً سوريّاً قد أعربَ بدوره عن «ارتياح سوري رسمي للموقف الكردي من عمليات الجيش السوري وحلفائه في الفترة الأخيرة». المصدر رفض إدراج هذا «الارتياح» ضمن إطار «الإفراط في التفاؤل»، مؤكّداً في الوقت ذاته وجود «تنسيق عالي المستوى بين الأصدقاء الروس، والقوات الكرديّة على بعض الجبهات». وهو أمرٌ يتناقض مع ما نقلته المصادر الإعلاميّة الكرديّة عن «القائد العام لوحدات حماية الشعب في كوباني» دجوار خبات، الذي قال في هذا السياق «ما من تنسيق بيننا وبين القوات الروسية الجوية»، وإنّ «القصف الروسي لتجمعات مرتزقة داعش والنصرة وأحرار الشام في مناطق التماس مع وحدات حماية الشعب يدخل في إطار محاربة روسيا لهؤلاء لا في إطار تحالف جديد بين الوحدات وروسيا».
خبات، وهو أيضا قيادي في «قوات سوريا الديمقراطية» حرص على التأكيد على أن «أبواب كوباني مفتوحة لكل من يريد الاستفادة من تجربة كوباني في المقاومة واستخلاص الدروس والعبر، والأميركان عبروا عن رغبتهم هذه لكن حتى الآن لم يأت أحد»، لكنّه حرص لدى الحديث عن روسيا على القول «نحن لسنا ثواراً تحت الطلب لأي جهة، لسنا أدوات في يد روسيا أو غيرها لتدعمنا نكاية بأحد. الخلاف الروسي التركي خلاف بيني، لسنا طرفا فيه رغم أنه متعلق بدور تركيا في دعم الإرهاب».
أمّا أبرز ما يستدعي التوقف عنده في كلام خبات، فهو فائض القوّة الواضح في قوله «من يريد التعاون معنا عليه أن يدرك أولاً أننا قوة فاعلة على الأرض، لنا أهدافنا ومبادئنا وإرادتنا وبناء على هذه المعطيات يجب أن يتعاطى معنا لا نكاية بأحد. (...) سنحرر كامل روج آفا (غرب كردستان، وهي تسمية يطلقها الأكراد على «إقليم» يضم 3 كانتونات: الجزيرة، كوباني، عفرين) من مرتزقة داعش سواء تلقينا الدعم من أي جهة أو لم نتلق الدعم، وسنعبر الفرات وصولاً إلى عفرين ولن تكون هناك قوة قادرة على منعنا من فعل ذلك».
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد