«إمارة النفط» الإسرائيلية تستورد الغاز.. من الكاريبي
بعدما كانت تحلم بالتحوّل إلى «إمارة نفطيّة» بسبب اكتشافات الغاز الكبرى في البحر المتوسط، نزلت إسرائيل إلى أرض الواقع وبدأت باستيراد الغاز الطبيعي من جزر الكاريبي. وتكمن المشكلة الأساسيّة ليس فقط في السجالات والتردّد القائم في الحلبة السياسيّة الإسرائيليّة حول «صيغة الغاز»، بل في سعر الطاقة عالمياً جرّاء انخفاض أسعار النفط. وهكذا، أبرمت شركة الكهرباء الإسرائيليّة، وهي أكبر مستهلكي الطاقة في إسرائيل، اتفاقاً مع شركة «بريتش بتروليوم» لشراء الوحدة الحرارية بـ4.9 دولارات، فيما تدفع 5.7 دولارات للوحدة نفسها التي تشتريها من حقل «تمار».
وقد اعتبرت صحيفة «ذي ماركر» الاقتصاديّة، أنَّ توقيع شركة الكهرباء الإسرائيليّة، الشهر الماضي، اتفاقاً مع شركة «بريتش بتروليوم» لاستيراد الغاز، قمّة السخافة لما ينطوي عليه من تناقض فاضح. فشركة الكهرباء تشتري الغاز المُستخرَج على مسافة 80 كيلومتراً من الشاطئ بحوالي سبعة دولارات للوحدة الحراريّة، فيما تستطيع شراء الغاز المستخرج من جزيرة ترينداد في البحر الكاريبي والمنقول سائلاً عبر ناقلات تحمله آلاف الأميال بحوالي خمسة دولارات للوحدة. وهذا هو أساس الاتفاق الذي أبرم بين الشركة الإسرائيليّة و «بريتش بتروليوم».
والمفارقة تتمثّل في واقع أنَّ إسرائيل كانت تحلم بأن تبيع شركات دوليّة تعمل في مصر وتملك منشآت لتسييل الغاز بسعر يساوي أو أعلى من السعر الذي تبيع فيه الغاز لشركة الكهرباء. ويُعتقد أنَّ استمرار الحال هكذا، يمكن أن يلقي بظلاله على كل الطموح الإسرائيلي بالتحوّل إلى قوّة عالميّة للطاقة، أو أن تستخدم هذا المورد في إنشاء علاقات استراتيجيّة مع دول عربيّة وأوروبيّة. ويصل التناقض حدّته عندما تشير المعطيات إلى أنَّ آخر عقد لبيع الغاز القطري إلى باكستان الشهر الماضي، كان بسعر أقل من سعر شراء إسرائيل له من «بريتش بتروليوم»، ما يلغي احتمالات أن تضطرّ دول عربيّة ـ مثل الأردن ـ لشراء الغاز من إسرائيل.
ومن المقرّر أن يصل الغاز من البحر الكاريبي إلى إسرائيل في إطار هذه الصفقة ضمن ثلاث ناقلات غاز مسال عملاقة. وترمي شركة الكهرباء الإسرائيلية، من وراء هذه الصفقة، إلى تعزيز وارداتها الأصليّة من حقل «تمار»، والتي أحياناً لا تكفي لتشغيل محطّاتها. ومعروف أنَّ الغاز يصل من حقل «تمار» عبر أنبوب يصل إلى محطة بحرية قرب ميناء اسدود. وعدا ذلك، فإنَّ ميزة الغاز المسال الذي اشترته شركة الكهرباء تكمن في أنّه يسهل تخزينه، وبالتالي استخدامه كاحتياطي لمواجهة احتمال تعرّض أنبوب الغاز البحري لأيّ خطر. وطبيعي أنّه فضلاً عن كل ذلك، هناك فارق السعر الذي يزيد عن 30 في المئة بين الغاز السائل والغاز عبر الأنبوب. ولا يقلّ أهميّة عن ذلك، أنَّ الغاز المسال المستورد أنقى من الغاز الخام المستخرج من «تمار»، والذي يحتاج عند تمريره في أنبوب الغاز الإسرائيلي إلى عمليّة تنقية من الشوائب تزيد من تكلفته.
وتشير المعطيات إلى أنَّ سعر الغاز المسال العالمي انخفض إلى 4.7 دولارات للوحدة الحرارية، بعد أيام من توقيع إسرائيل عقد الغاز الجديد. ومن المعلوم أنّه ليس في وسع شركة الكهرباء الإسرائيليّة مطالبة شركة «تمار» بتخفيض سعر الوحدة الحرارية ولا حتى بتخفيض الكمية التي التزمت باستلامها منها. فالعقد الموقّع بينهما تمّ على أساس نظام Take or Pay، والذي يعني أنّها مُلزمة بدفع ثمن كميّة الغاز المتّفق عليها حتى إن لم تكن بحاجة إليها.
وبحسب «ذي ماركر»، فإنَّ الغاز المتفق عليه في الصفقة سيصل إلى إسرائيل عبر ثلاث حاويات ضخمة تحمل كل منها 138 ألف متر مكعب من الغاز المسال، والتي تعادل 82 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. وسيتم تخزين الغاز المستورد هذا في سفينة تخزين استأجرتها شركة الكهرباء منذ ثلاث سنوات من شركة Exelerate الأميركيّة بتكلفة مليون دولار في السنة. وهذه السفينة قادرة على إعادة تحويل السائل إلى غاز وضخه في خط الغاز عبر محطة مقامة قرب الخضيرة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعقد فيها شركة الكهرباء الإسرائيلية صفقات مع شركة «بريتش بتروليوم». إذ سبق للشركة البريطانيّة في الماضي أن أرسلت 16 ناقلة غاز مسال بقيمة 800 مليون دولار، وكان حينها سعر الوحدة الحرارية الواحدة 16 دولاراً. وأوضحت «ذي ماركر» أنَّ هناك مفارقة أخرى في الغاز المستورد من حقل «تمار»، وهي أنَّ شركة الكهرباء أعلنت في تقريرها السنة الماضية، أنّها خفضت استهلاكها من الغاز بنسبة 2 في المئة، لكنّها اضطرّت للدفع لشراكة «تمار» 439 مليون شيكل (أكثر من 110 ملايين دولار) زيادة عن المتفق عليه، بسبب ما وصفته شراكة «تمار» بارتفاع سعر التكلفة بـ13 في المئة.
في كل الأحوال، ارتفع استيراد إسرائيل من الغاز المسال في العام 2015 بنسبة 19 في المئة بسبب تراجع أسعاره. ومن المؤكّد أنَّ اتفاق استيراد الغاز هذا سيزيد المعارضة لصيغة الغاز التي يؤمن كثيرون بأنَّ حكومة نتنياهو وقفت فيها إلى جانب الشركات الكبرى بدلاً من أن تكون إلى جانب المستهلك الإسرائيلي.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد