أردوغان «يطوّع» الجيش ويستكمال كسر هيبة العسكر والمخابرات وتسليح الشرطة
وكأن تركيا تعيش حالة تخدير عام بعد الانقلاب الفاشل في 15 تموز الماضي، وتسير بأوامر واحدة تصدر من «الباب العالي». هكذا، خرج أمس ما تبقى من جنرالاتها بعد تنحية اكثر من 40 في المئة منهم، من اجتماع القيادة العسكرية العليا الذي ترأسه رئيس الوزراء بن علي يلديريم في المقر الحكومي للمرة الاولى، بوجوه علاها الوجوم، بعدما اعادوا في الداخل ترتيب البيت تحت مسميات «الترقيات» و «التبديلات» و «ضخ دم جديد» بعد الانقلاب، معلنين عن «إقرار تغييرات بسيطة» في هيكل المؤسسة بعد عملية التطهير والبحث في كيفية تعويض النقص، ومقررين الإبقاء على رئيس هيئة الأركان العامة خلوصي اكار في منصبه.
وفي مؤشر على إمساك السلطات المدنية بزمام الامور بعد الانقلاب، وفي دلالة على عدم الثقة، لم يعقد الاجتماع كما جرت العادة في مقر قيادة الجيش، فيما برز قرار لافت من وزير الداخلية افكان علاء بأنه سيتم تجهيز الشرطة بأسلحة ثقيلة، في اجراء قد يفهم على انه محاولة ايجاد قوة مضادة للجيش.
وقرر الاجتماع الإبقاء أيضاً على كل من قائد القوات البرية وقائد القوات البحرية وقائد القوات الجوية في مناصبهم. كما عيّن الفريق أوّل يشار غولر قائداً عاماً لقوات الدرك.
وصادق أردوغان على القرارات الصادرة عن «مجلس الشورى العسكري الأعلى»، بحسب ما أكدت وكالة «الأناضول»، فيما كشف مسؤول برلماني عن رغبة الرئيس التركي في وضع القوات المسلحة والإستخبارات الوطنية تحت إمرة الرئاسة التي يسعى إلى وضع البلاد تحت سلطة نظامها، على ان يناقش هذه الخطوة التي تحتاج إلى تعديل دستوري مع المعارضة.
وشهد الاجتماع مشاركة وزير الدفاع فكري إيشك للمرة الأولى، إلى جانب أكار وقائد القوات البرية صالح زكي جولاق وقائد القوات البحرية بولنت بستان أوغلو وقائد القوات الجوية عابدين أونال، فيما قدم جنرالان مهمان استقالتهما بشكل مفاجئ قبل الإجتماع بعد يوم من قيام الجيش بتسريح ما يقرب من 1700 عسكري.
وكان نظام اردوغان قد كثف في الايام الماضية حملة «التطهير الواسع» الهادفة بحسب السلطات الى ابعاد أنصار الداعية فتح الله غولن. وأكد مرسوم رسمي تنحية 149 جنرالاً وادميرالاً من الجيش بتهمة «التواطؤ في محاولة الانقلاب»، من بينهم 87 مسؤولاً رفيعاً في جيش البر و30 في سلاح الجو و32 في البحرية. كما استبعد 1099 ضابطاً لانعدام الاهلية.
وقبل ساعات على بدء الاجتماع، أعلن اثنان من اهم الجنرالات استقالتهما، وهما قائد جيش البرّ احسان اويار، وقائد التدريب والعقيدة الجنرال كميل باش اوغلو، فيما اشارت «الأناضول» إلى انهما طلبا احالتهما على التقاعد.
وكان اردوغان قد اعتبر الاسبوع الماضي ان الجيش التركي، وهو ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، يحتاج إلى ضخ «دماء جديدة».
من جهتهم، اعتبر محللون عسكريون أن حالة القوات المسلحة التركية تثير الشكوك بشأن قدرة أردوغان على احتواء تهديد «داعش» في سوريا وتجدد التمرد الكردي جنوب شرقي البلاد.
وبالإضافة الى الجيش، طالت المقصلة التركية وسائل الاعلام، اذ اعلن أمس الأول عن اغلاق اكثر من 130، منها 45 صحيفة و16 شبكة تلفزيون وثلاث وكالات انباء و23 اذاعة و15 مجلة و29 دارا للنشر، في اجراء اضيف إلى 89 مذكرة توقيف صدرت بحق صحافيين.
ولم يتمّ تقديم أي لائحة بأسماء وسائل الإعلام المعنية بهذا الإجراء، لكن قناة «سي ان ان ترك» الخاصّة، أفادت بأن الأمر يشمل خصوصاً وسائل إعلام في المحافظات، وبعض وسائل الاعلام التي تبثّ على المستوى الوطني ككل. ومن بين وسائل الإعلام المُستهدفة وكالة «جيهان» وتلفزيون «آي إم سي تي في» المؤيد للأكراد، فضلاً عن صحيفتي «طرف» التابعة للمعارضة، و «زمان» ونسختها الانكليزية «تودايز زمان».
واعتبر ممثلان لحرية التعبير في الامم المتحدة ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا أمس ان تكثيف التطهير في وسائل الاعلام التركية يشكل «ضربة خطرة» لحرية الاعلام، مطالبين السلطات التركية بـ «مراجعة قراراتها».
وأمس، اعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن وزارته فيها أكثر من 300 موظف على صلة بغولن وإنه تم تسريح 88 من موظفيها.
من جهتها، أعلنت أكبر شركة للبتروكيماويات في تركيا «بيتكيم» أن رئيسها التنفيذي استقال، فيما ذكرت «الأناضول» أنه اعتقل.
وفي المحصلة، تجاوز عدد الموظفين المبعدين عن وظائفهم بشكل مؤقت في الوزارات والدوائر العامة التركية، 66 ألف موظف، بحسب آخر حصيلة لـ «الأناضول»، منهم 21738 موظفاً ضمن وزارة التربية.
إلى ذلك، طالب وزير الخارجية التركي ألمانيا التي جددت تحذيرها أمس لأنقرة بضرورة العمل وفق الدستور، بإعادة بعض القضاة والمدعين العامين التابعين لـ «الكيان الموازي» الذين فروا إليها.
ورداً على سؤال بشأن الأنباء المتداولة بشأن إمكانية هروب غولن من الولايات المتحدة إلى مصر أو كندا، قال جاويش أوغلو إن بلاده «لا تملك معلومات محددة حول إمكانية هروب غولن إلى مصر، إلا أن هناك معلومات استخبارية حول إمكانية توجهه إلى بعض الدول الأخرى»، مؤكداً تقديم انقرة «تحذيراتها بهذا الخصوص».
من جهته، حذّر وزير العدل بكير بوزداغ من أن غولن «ربما يهرب إلى استراليا أو المكسيك أو كندا أو جنوب افريقيا، أو مصر وفقاً لمعلومات استخبارية»، معتبراً أنه «لو نجح الانقلاب لعاد غولن إلى تركيا كما عاد الخميني إلى إيران».
وسارعت القاهرة إلى التأكيد أنها لم تتلقّ أي طلب لجوء من غولن، لكنّ رئيس الوزراء المصري شريف اسماعيل أشار إلى أن بلاده «ستدرس مثل هذا الطلب في حال تقديمه».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد