هل يصل اليهود إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية؟
الجمل: بتاريخ 14 كانون الثاني 2007م، تم حسم التكهنات في باريس بإعلان حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية (UMP) عن اليهودي الفرنسي نيكولاس ساركوزي مرشحاً للحزب في انتخابات رئاسة الجمهورية الفرنسية والتي سوف تبدأ جولتها الأولى في يوم 22 نيسان من هذا العام.
برغم زعم كل من ساركوزي والحزب الذي ينتمي إليه، رفضهم الكامل للفاشية، فإن نمط وأسلوبية ساركوزي إزاء العديد من المواقف والاعتبارات تنفي هذا الزعم والرفض، إضافة إلى أنها تعيد للذاكرة الذكريات الأليمة المحزنة لفترة من التاريخ الأوروبي مازالت دماؤها عالقة بأذهان الأوروبيين، وعلى وجه الخصوص الفرنسيين الذين عانوا من مرارة الاحتلال الألماني ودموية الحكم النازي.
يقول بيتر شفارتز في تحليل نشره على موقع دبليو بوش الالكتروني، بأن ساركوزي حاول لفترة طويلة الترويج لنفسه عن طريق بلاغة الخطاب القائمة على تبني توجه إعلامي يقول فيه بأنه لا يعرف لا الأحزاب ولا الطبقات الاجتماعية، وإنما يعرف فقط الفرنسي الفاضل الخير والفرنسي الشرير السيئ، وذلك بغض النظر عن الفوارق والاختلافات السياسية والاجتماعية، ويضيف الكاتب قائلاً: إن خطاب ساركوزي السياسي، اختفت نغمته البلاغية، وتهاوت مقدماته، وانكشفت مضامينه الهادفة فقط إلى محاولة توسيع القاعدة الانتخابية لحركة الاتحاد من أجل فرنسا يتزعمها ساركوزي حالياً..
نشر أنطوين ليروغيتيل تحليلاً اخبارياً اليوم 5 شباط 2007م، على موقع أخبار وتحليلات الالكتروني الأوروبي، حمل عنوان (فرنسا: نيكولاس ساركوزي يذهب إلى لندن).
يقول أنطوين ليروغيتيل بأن زيارة لندن تعتبر أول زيارة خارجية يقوم بها ساركوزي بعد إعلان حركة التحاد من أجل فرنسا ترشيحها له في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويقول التقرير: إن نيكولاس ساركوزي قضى يوم 30 كانون الثاني في زيارة مارليبون جوب سنتر، ثم اجتمع على الغداء مع طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني، وألقى بعد ذلك خطاباً أمام الجالية الفرنسية في بريطانيا.
ردود الفعل على زيارة ساركوزي في الصحافة البريطانية كانت كمايلي:
• الغارديان: (اختيار ساركوزي لندن لجولته الخارجية الأولى منذ بدء حملته الرئاسية هو اختيار يحمل دلالة رمزية عميقة، فهو حريص على أن يقدم نفسه كرجل دولة عالمي، وصديقاً للسيد طوني بلير ووثيق الصلة بالتحالف البريطاني- الأمريكي).
• الديلي تيليغراف: (العديد من القادمين الجدد يعملون في سكويرمايل –أي حارة البنوك والمصارف والمؤسسات والشركات المالية- حيث الأرباح والمدخولات التي يحصلون عليها تعادل خمسة أضعاف تلك التي يحصلون عليها في بلدهم..).
وقد دارت معركة بين صحيفتي الغارديان والديلي تيليغراف، بحيث كانت الغارديان تدعم حرارة العلاقة بين ساركوزي وطوني بلير وتؤكد على أن زيارة ساركوزي لبريطانيا ولقاءه مع طوني بلير هو دليل على صحة موقف حكومة طوني بلير البريطانية في تأكيدها وسعيها الدؤوب من أجل الحفاظ على متانة الروابط والتوحد الأوروبي- الأمريكي تحت مظلة علاقات عبر الأطلنطي.. أما صحيفة الديلي تيليغراف فكانت أكثر تشدداً في مهاجمة تحالف ساركوزي- بلير باعتباره يمثل تجمعاً جديداً للـ(محافظين الجدد) في أوروبا، على نحو يبشر القارة الأوروبية بالانخراط والبقاء الطويل تحت عباءة التبعية الأمريكية، إضافة إلى انتقاد الصحيفة للدور البريطاني المؤيد لسياسات العولمة الأمريكية، والذي أدى لفتح الأسواق البريطانية الفرنسيين لكي يحققوا أرباحاً وعوائد لا يستطيعون تحقيقها في فرنسا.
جولة ساركوزي الخارجية التي بدأت بزيارة بريطانبا، تهدف في جزء منها إلى تحسين صورته داخل فرنسا، حيث أثبتت استطلاعات الرأي العام بأن 51% من الفرنسيين أصبحوا أكثر تخوفاً من توجهات ساركوزي السياسية إذا تولى رئاسة الجمهورية الفرنسية، ويشير المحللون إلى أن ساركوزي ارتكب عدداً من الأخطاء الفادحة، خلال حملاته الانتخابية، وقد لاحظ الجميع التناقضات في مواقف خطاباته التي ظل يقدمها أمام الجمهور الفرنسي خلال حملته الانتخابية الجارية:
- عندما يتحدث أمام الفئات الرأسمالية يعلن رفضه لبرامج الضمان الاجتماعي والتأمين ورفع الأجور، كذلك يعبّر عن إيمانه العميق بتبني سياسات السوق والعولمة الاقتصادية وحرية المنافسة.
- عندما يتحدث أمام الفئات الشعبية يعلن عن تأييده لبرامج الضمان الاجتماعي والتأمين ورفع الأجور، كذلك يعبّر عن ضرورة حماية الاقتصاد الفرنسي من تأثيرات العولمة الاقتصادية القائمة على حرية عمل قوى السوق وانفتاح المنافسة.
وعموماً نقول: إن ساركوزي مهما اختلفت وتباينت الآراء حول دوره المرتقب على كرسي رئاسة الجمهورية الفرنسية، فإن ثمة شيء واحد يظل مؤكداً، وهو أن ساركوزي يمثل مرشح جماعة المحافظين الجدد لرئاسة الجمهورية، ومن المعروف أن جماعة المحافظين الجدد تسيطر على أروقة إدارة بوش وبالذات مراكز صنع واتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية، ولكن ما هو غير معروف عن هذه الجماعية يتمثل في امتداداتها العابرة للحدود، فالجماعة تسيطر بقدر كبير على دوائر صنع القرار في الدول الآتية: بريطانيا، استراليا، بلجيكا، هولندا، الدنمارك، وكندا.
ولجماعة المحافظين الجدد وجود ملحوظ في كل بلدان غرب أوروبا والدول الاسكندنافية، وبعض دول شرق أوروبا التي توجد فيها مجموعات يهودية قوية مثل المجر وبلغاريا وتشيكيا وبولندا. وحالياً إذا استطاع نيكولاس ساركوزي أن يفوز برئاسة الجمهورية الفرنسية، فإن السياسة الخارجية الفرنسية سوف تكون على غرار السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة بوش الحالية، وبالذات إزاء الملفات الشرق أوسطية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد