العوالم الخلفية لرؤوس أموال البلد

08-05-2006

العوالم الخلفية لرؤوس أموال البلد

 الجمل ـ طرطوس : لم تعد الأكياس الكرتونية الملأى بما خف وزنه وغلا ثمنه هي الصورة الرمزية لما يعرف اصطلاحا بالرشوة, وفي اللغة العامية بـ. . . لاشيء, فلشدة توغلها في حياتنا بتنا لا نميز أشكالها ولا أسماءها. فهي اما أن تكون "شي" كقول أحدهم: ما عطيتو شي. واما "هدية", وهذه الهدية هناك من (تعطى) له ومن (يظبّط) من خلالها.
عندما تدخل (النافذة الواحدة) في المرفأ والمعروفة بـ(الصالة) انما تكون غارقا في رحاب جولة في أحد العوالم الخلفية لرؤوس أموال البلاد – التي صودف أنها الأغنى عربيا وحتى من دول الخليج بحسب جورج قرداحي - .
شبان ورجال يعملون في التخليص الجمركي يدورون كخلايا النحل من كوّة الى كوّة ومن موظف الى آخر حاملين معهم البيانات الجمركية لبضائع زبائنهم. بضائع أثمانها بالدولار أو اليورو, منها ما هو بخس الثمن سيباع لنا بباهظه, ومنها ما هو من النخب الأول يدخل قيود الدولة على أنه stock لتنخفض قيمة جمركته العائدة للدولة ودافعي الضرائب وتعلو قيمة ربحيته العائدة للتاجر!
لا تفاجأ وأنت في الصالة من سماع جمل تشبه: (كم أخذ منك حتى "مرّقها", ظبطت أمورك؟ , لا تدفع لفلان أكثر من كذا).أو حتى مأخوذة من نفس القاموس والعرف.
الأمر الذي يثير هو ارتباط ظاهرة الرشوة بالتطور الاجتماعي الاقتصادي للبلاد ومواكبتها "للدارج".فمعروف أن للرشوة وجهان النقدي أو الـcash أو العيني,أما تطورها في وجهها النقدي هو شبه الإجماع على النقد الأجنبي أو العملة الصعبة. وفي وجهها العيني يتسع المجال للاجتهاد والابتكار فيما يدفع أو عفوا..يقدم. فأيام تنك زيت الزيتون والسمن وشوالات الأرز والسكر باتت وبادت, وحلّ مكانها الموبايل والسيجار الكوبي Havana والأحذية الايطالية(أكرمكم الله) والعطور الباريسية و..و..انتهاء بالويسكي والـ"فياغرا"!
الطريف أن باسل الذي يعمل في مجال التخليص أيضا يستغل كل إمكانات الذكاء والدهاء والحربقة التي يتقنها ويحتاجها في مهنته, فبدل أن يرشو بويسكي فاخر يكلفه مبالغ معتبرة يشتري النوع المغشوش أو "المضروب" المقلّـد عن الأصلي ويقدمه أو يهديه على أنه أصلي اشتراه من "نص" السوق الحرة,ويسمي باسل هذا النوع من المشروب: "ودّع أهلك" فبعد شربه أنت مضطر لتودع كل من حواليك.
أحد أمراء الجمارك تصل إلى عتبة داره الأكياس المحملة بقناني الويسكي الفاخرة إضافة الى رزم من علب أسبرين وهو دواء مسكن يستعمل لتمييع الدم, إلا أنه في المرة الأخيرة طلب من أحدهم (مربى الورد)! وبشرط أن يحضره من عند "الحلاب" محل الحلويات اللبناني الشهير في مدينة طرابلس.
لم أسمع بحياتي عن مربى الورد هذا!أرسلت أحد الشباب خصيصا إلى طرابلس لجلبه إلا أنه قال لي أن الحلاب لا يبيع هذا النوع! يقولها وسيم مستغربا,هو يتمنى أن يأخذ منه نقدي ويريحه من تعجيزه هذا.
ومن جهة أخرى لا يرضى أحد الكشافين (الكشاف هو الموظف الذي يكشف على البضاعة الواصلة ويتأكد من قانونيتها على أرض الواقع) بمبلغ 500 دولار ثمن غض نظره عن إغفال كتابة اسم المستورد على أكياس الاسمنت التي استوردها, وهو وللحق إغفال مقصود يقول لنا أبو علي الموظف عند أحد المخلصين, ويجيب عن سؤالنا لم هو مقصود بأن التاجر المستورد "يقرّشها" ويحسبها على الفرنك,فعدم طباعة اسمه سيوفر عليه مبلغا من المال أما الأهم والأدهى الأخطر  - وبعد أن يضرب لنا مثالا بأبنية تهدمت في مصر – أن البضاعة ربما تكون مخالفة ليس للمواصفات المفروضة من الدولة إنما لمواصفات الأمان.
في طريق العودة إلى البيت مررنا على "موسى" جارنا بالحي وصاحب سوبرماركت لنشتري بعض الحاجيات حيث دخل شاب نحيف وخلال نصف دقيقة يبيعه زجاجتي ويسكي ويقبض ثمنهما دون مساومة أو مفاصلة,وقبل أن نستفسر يوضح لنا موسى ان الشب شوفير فلان وجاء يبدل المشروب نقوداًَ ولم يفاصل لأنه أساسا جاءه ببلاش..يعني هدية..فهمت عليّ.


الجمل - حسان عمر القالش


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...