23-02-2018
هل ترسم الغوطة الشرقية معادلات جديدة في الأزمة السورية ؟
ليس ثمة شكٍ في أن هذه العملية التي تهدف أساساً إلى تحصين جبهة العاصمة السورية دمشق وتوفير الأمان لحوالي خمسة ملايين مدني سوري يقيمون فيها، ستشكل منعطفاً جديداً في الأزمة السورية يتمثل في جانبين اثنين: الأول هو تفكيك المعادلات الإقليمية التي كرّسها طوال السنوات الماضية المالُ الخليجي وخصوصاً القطري والسعودي عبر تقديم الدعم إلى فصائل الغوطة بهدف إسقاط الحكومة السوري، وإنهاء جميع مفاعيل هذه المعادلات والقضاء على ما تبقى من ذيول وأذرع كانت تعمل لصالحها. والثاني العمل على بناء معادلات جديدة تتّسق مع طبيعة التغيّرات التي تطرأ على ماهية الصراع، وتكون قادرة على مواجهة تداعيات الصراع الدولي الذي بدأ يرتسم في الأفق السوري.
وقد يفسر ما سبق ظاهرةَ غياب تصاعد مواقف بعض العواصم الدولية مثل واشنطن وباريس ولندن وحتى الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن هذه الدول والجهات حاولت كعادتها العزف على الوتر الإنساني لتبرير مواقفها الرافضة لتحرير غوطة دمشق من جماعات مسلحة بعضها مصنف على قائمة الإرهاب الدولي مثل “هيئة تحرير الشام”، فقد كان من الواضح أن السبب الرئيسي وراء استنفار هذه الدول ضد تحرير الغوطة، يكمن في خشيتها من أن يؤدي نجاح الجيش السوري في السيطرة على الغوطة أو على الأقل تحييد خطرها وتهديدها، إلى إجهاض الخطة الخماسية التي وضعتها هذه الدول بمشاركة كل من السعودية والأردن، الشهر الماضي. وتقضي الخطة بفرض شروط سياسية ودستورية تؤدي في النهاية إلى تغيير الحكومة السوري. إذ تدرك هذه الدول أن الخطة التي وضعتها تتطلب لإنجاحها وجودَ معادلاتٍ ميدانيةٍ تتيح ممارسةَ ضغوط على العاصمة دمشق، وتبعا لذلك فإن إغلاق ملف الغوطة سواء عسكرياً أو سياسياً سيحرمها من هذه الإمكانية ويجعل من خطتها غير قابلة للتطبيق.
وقد يكون ثمة سبب خفيّ وراء صراخ بعض العواصم ضد عملية الغوطة الشرقية، هو التأثير “الإسرائيلي”. إذ ستكون “إسرائيل” من أكثر الأطراف تضرراً جراء تحرير الغوطة الشرقية من “الإرهاب” وما يستتبعه ذلك من تعميق حالة الأمان في محيط العاصمة دمشق، لأنها تدرك أن أي انفراج عسكري لمصلحة الجيش السوري في أي منطقة من المناطق السورية ستكون لها منعكسات سلبية ضدها خاصة في ظل تصاعد التوتر بينها وبين دول محور المقاومة بعد مواجهة العاشر من شباط التي أفضت إلى تغيير قواعد الاشتباك جراء إسقاط الطائرة الاسرائيلية بالدفاعات الجوية السورية. وقد أقرّت الصحافة “الاسرائيلية” “صحيفة هآرتس على سبيل المثال” بأن هذه التطورات إضافة إلى توجه الجيش السوري نحو الغوطة، قد دفعا بالكيان الصهيوني إلى تغيير سياساته والعمل على زيادة دعمه لأكثر من عشرة فصائل من فصائل الجنوب السوري.
وفي هذا السياق تدل المؤشرات على مدى الأهمية الاستراتيجية لمعركة الغوطة، أن بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، واظبت على تبرير تدخلها في سوريا بمحاولة تضييق ما تسميه “النفوذ الإيراني”، وعليه تبدي هذه الدول اهتماماً خاصاً بالكوريدور البري الذي بات يربط طهران بكل من العراق وسوريا ولبنان.
وانسياقاً وراء هذا المنطق، فإن معركة الغوطة ستؤدي ضمن نتائجها، إلى إنهاء أي خطر في محيط مطار دمشق الدولي والطريق الذي يربطه عبر القلمون الغربي مع بيروت. فالحملة الإعلامية للدول السابقة تظهر مطار دمشق ومحيطه كمركز نفوذ إيراني يُستخدم لنقل المساعدات الإيرانية إلى المقاومة اللبنانية، ما يدل على مدى أهمية معركة الغوطة لاسيما في إجهاض السياسات الأميركية و”الإسرائيلية”، ومن هنا يمكننا أن نتفهم سبب مطالبة بعض الدول بوقف عملية الجيش والإصرار على فرض هدنة في تلك المنطقة.
وبعيداً عن التحريض الإعلامي في الشأن الإنساني، فإن الجيش السوري مدعوماً بموقف روسي مؤيد، يملك حججاً قوية لبدء أي عملية عسكرية في الغوطة أهمها أن فصائل الغوطة لم تستطع الالتزام ببنود اتفاق خفض التصعيد الذي ينص على ضرورة ترحيل “جبهة النصرة” خلال شهر من تاريخ الاتفاق الموقع في شهر آب الماضي. كما أن هذه الفصائل وعلى رأسها “أحرار الشام” و”هيئة تحرير الشام” التي تشكل “جبهة النصرة” عمودها الفقري، عمدت منذ حوالي ثلاثة أشهر إلى التصعيد العسكري ومحاولة السيطرة على مبنى إدارة المركبات في الغوطة الشرقية. هذا علاوة على موقف دمشق المبدئي بأن اتفاقات خفض التصعيد هي اتفاقات مؤقتة ولا تلغي “حق الدولة السورية في استرجاع سيطرتها على كافة الأراضي السورية” كما صرح وزير الخارجية وليد المعلم أمام مجلس الشعب السوري في شهر كانون الأول.
ولم ترفض “هيئة تحرير الشام” خروج عناصرها من الغوطة الشرقية تنفيذاً لاتفاق خفض التصعيد وحسب، بل أفشلت محاولة قام بها “فيلق الرحمن” في نهاية العام الماضي، بالتنسيق مع لجان المصالحة السورية، لإخراج حوالي مئتي عنصر مبايعين لتنظيم “القاعدة” من مناطق سيطرة الفيلق نحو الشمال السوري، مقابل فتح معبر مع المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري، لكن قيادة “الهيئة” رفضت الاتفاق واعتقلت اللجنة التي كانت تفاوض عليه.
وفيما أظهرت هذه الحادثة عجز “فيلق الرحمن” عن القيام بالمهمة الموكلة إليه بموجب اتفاق خفض التصعيد، كشفت في الوقت ذاته عن وجود كيان تابع لـ “القاعدة” في الغوطة الشرقية غير “هيئة تحرير الشام”. وقد كان من اللافت أن أبو همام السوري القائد العسكري العام السابق لـ “جبهة النصرة” والقائد الفعلي حالياً لمجموعات “القاعدة” في سوريا، قد طلب في تعميم صادر عنه قبل يومين “توحيد الجهود” ضد الجيش السوري لإنقاذ الغوطة حسب قوله، وهو ما يثبت أن تنظيم “القاعدة” وليس “هيئة تحرير الشام” فقط، يقاتل ضد الجيش السوري في تلك المنطقة.
المصدر: عبد الله سليمان علي – الميادين
إضافة تعليق جديد