درعا بين احتمال التصعيد والمبادرة الأردنية والانسحاب الأميركي
لا تزال الأوضاع الميدانية في محافظة درعا، جنوب سورية، تراوح في مكانها بين سيناريوات التصعيد العسكري من جهة واحتمالات التهدئة والعمل على إعادة صياغة اتفاق التسوية الذي يحكم المنطقة منذ عام 2018 من جهة ثانية. وما زاد من تعقيد المشهد هناك أن حالة التوتر المستجدّ تزامنت مع طرح الملك الأردني عبدالله الثاني مشروع مبادرة بشأن الحوار مع النظام السوري يُعتقد أن المنطقة الجنوبية من سوريا عموماً ومحافظة درعا خصوصاً ستكون المرشحة الأولى لتلقي تأثيراتها والتفاعل مع تداعياتها.
وثمة تفسيران اثنان لفهم علاقة التصعيد الأخير في درعا مع مبادرة الملك الأردني وتأثير ذلك في مصير المحافظة التي تعيش أوضاعاً هجينة منذ توقيع اتفاق التسوية برعاية روسية منتصف العام 2018.يذهب التفسير الأول إلى أن التوتر الذي تعيشه درعا حالياً إنما جاء نتيجة طبيعية لتغيّر المعطيات الإقليمية والدولية التي تحيط بملف المنطقة، وأن دمشق التي لم يصدر عنها أي موقف رسمي إزاء المبادرة الأردنية قد تكون فهمت من تصريحات الملك الأردني حول بقاء النظام السوري وضرورة التحاور معه، أنه انعكاس لمناخ إقليمي ودولي جديد يسمح لها باقتناص الفرصة من أجل محاولة تغيير قواعد التسوية في درعا بما ينسجم مع المتغيرات الاقليمية والدولية.
في حين ذهب التفسير الثاني إلى العكس من ذلك تماماً، معتبراً أن بعض الدول والجهات الإقليمية والدولية لا تنظر نظرة ارتياح إلى المبادرة الأردنية لما فيها من تغليب لمصالح الأردن على مصالح بقية الأطراف الفاعلة في ملف الجنوب السوري، لذلك حاولت هذه الجهات من خلال التصعيد الأخير أن تضع العصيّ في دواليب المبادرة لمنع تحقيق الانفتاح الأردني على دمشق.
وفي الواقع، فإن ساحة الجنوب السوري تعتبر مسرحاً لتشابك المصالح الإقليمية والدولية الأمر الذي يجعل من التطورات الدائرة فيها أبعد ما تكون من الشأن الداخلي المحض. حتى أن اتفاق التسوية الذي رعته روسيا عام 2018 لم يكن ليرى النور في ذلك الوقت لولا الغطاء الذي وفّره التفاهم الثلاثي بين روسيا والولايات المتحدة والأردن بخصوص ضمّ الجنوب السوري إلى مناطق خفض التصعيد. ويرى بعض المراقبين أن المبادرة الأردنية لا تهدف إلى كسر المعادلة الدولية القائمة التي تؤطر اتفاق التسوية في الجنوب، بل على العكس هي تنطلق من هذا الإطار من أجل العمل على ترقية التفاهم الثلاثي وتحويله من مجرد معادلة أمنية إلى معادلة سياسية واقتصادية.
وقد يفهم من سكوت دمشق إزاء المبادرة الأردنية على أن لدى الأخيرة تحفظات على بعض جوانب المبادرة أو ربما تحتفظ دمشق بالإعلان عن موقفها ريثما يتكشف الموقف الأميركي الذي لا يزال في مرحلة دراسة المبادرة وتقييمها في ضوء استراتيجية واشنطن في سوريا وضوء مصالح حلفائها في المنطقة وبخاصة مصالح إسرائيل. وحتى إذا كانت دمشق تميل إلى رفض المبادرة بناءً على اعتقادها أن المتغيرات الإقليمية والدولية باتت تصب في مصلحتها، وأن ما كان مقبولاً عام 2018 مراعاة لطبيعة المعادلات التي كانت قائمة في حينه، لم يعد كذلك بعد ثلاث سنوات شهدت فيها التطورات الميدانية والعسكرية وحتى السياسية تحقيق مكاسب استراتيجية لدمشق وحلفائها، فإن دمشق لن تغامر في التعبير عن هذا الرفض خشية أن يؤدي ذلك إلى خسارة الأجواء الايجابية التي عكستها تصريحات الملك الأردني والتي تتماهى في المحصلة مع رغبة دمشق في تعزيز سلطتها والعمل على بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، لا سيما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس بشار الأسد بولاية رابعة تمتد حتى عام 2028.
وثمة اعتقاد بوجود رابط موضوعي بين مصير محافظة درعا وبقاء القاعدة الأميركية في منطقة التنف في جنوب شرقي سوريا، ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن مسرح الأحداث في درعا لن يشهد اختراقاً نوعياً طالما أن القوات الأميركية ما زالت متواجدة في قاعدة التنف.
ويفسر هؤلاء رأيهم بأن القوات الأميركية تشغل قاعدة التنف الاستراتيجية لهدف أساسي هو حماية أمن إسرائيل وتلبية متطلبات الدفاع عنه ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، وبذلك فإنه طالما لم تشعر واشنطن بأن الأمن القومي لحليفتها لم يعد تحت تهديد الوجود الإيراني، فإن قاعدة التنف ستبقى حتى إشعار آخر، وهو ما يعني أيضاً أن الأوضاع في درعا مهما تراوحت بين التصعيد والتهدئة ستبقى ضمن ضوابط التفاهم الثلاثي بين روسيا والولايات المتحدة والأردن.
وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن تبرز تخوفات لدى قادة “قوات سوريا الديموقراطية” من إمكانية حدوث انسحاب للقوات الأميركية من سوريا بالتزامن مع التطورات الجارية في درعا. وقالت القيادية الكردية إلهام أحمد في تصريحات صحافية أنه “من المتوقع أن تحصل انسحابات أميركية في المناطق التي تتواجد فيها قواتها بين حين وآخر تنفيذاً لاستراتيجيتها (أميركا) وخططها”.
وأضافت الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية في مجلس سوريا الديموقراطية أن “قراريّ الانسحاب أو استمرارية البقاء متوقعان ومرتبطان بالإدارة الأميركية ومصالحها”.
وسبق لوزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم أن ربط بين مصير قاعدة التنف والتطورات التي تدور في محافظة درعا، حيث قال في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة دمشق في 2 حزيران (يونيو) من عام 2018 أي قبيل أسابيع من توقيع اتفاق التسوية، أنه “لا اتفاق حول الجنوب من دون انسحاب أميركي من التنف. وشدد على أن أي اتفاق بخصوص الجنوب يجب أن يشمل انسحاب القوات الأميركية” وجاءت تصريحات المعلم في حينه ردّاً على ما أشيع حول وجود اتفاق روسي – أميركي يقضي بأن تبقى القوات المدعومة من إيران بعيدة من المنطقة الجنوبية.
وبما أن التواجد الايراني يكاد يشكل العقدة الوحيدة التي تحول دون ترقية تسوية الجنوب وتحويله إلى اتفاق نهائي، فإنه من غير المستبعد أن يؤدي ذلك إلى إحياء المقايضة التي تحدث عنها المعلّم بين اتفاق الجنوب وانسحاب القوات الأميركية من التنف. بل يذهب البعض إلى أن التهويل والمبالغة بشأن النفوذ الإيراني في الجنوب والتحذيرات المتكررة من إمكانية سيطرة إيران على درعا لتصبح على مقربة من حدود الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل، قد يكون كلّ ذلك مجرد بوابة لفتح بازار التفاوض من جديد على تخلي إيران عن الجبهة الجنوبية مقابل إخلاء القوات الأميركية لقاعدة التنف طالما أن وجودها سيصبح غير ذي جدوى بعد الانسحاب الإيراني.
المصدر: النهار العربي _ عبدالله سليمان علي
إضافة تعليق جديد